رامو.. شاب شغوف بتربية الحيوانات يحول سطح منزله إلى مزرعة للكلاب الشرسة (فيديو)

بمجرد أن فتح القفص، اندفع كلب ضخم من فصيلة الدوغو الأرجنتيني بقوة وعنفوان، فيما تعالى نباح كلاب أخرى داخل أقفاصها. هذا الصخب وهذه الأجواء تحفز دائما ذاكرة عبد الرحيم لاستعادة ذلك الشعور الذي راوده في طفولته، حين حُرم من تربية جرو من فصيلة “بيتبول”، فخلف ذلك الحرمان جرحا صغيرا في نفسه. لكنه لم يكن سوى شرارة أشعلت شغفه، ليحوله مع مرور الزمن إلى وقود لتحقيق حلمه في إنشاء مزرعة للكلاب فوق سطح منزله بالدار البيضاء، بل وتربية الأغنام في ضواحي المدينة.
يحكي عبد الرحيم، الملقب على وسائل التواصل الاجتماعي بـ”رامو”، أنه كان، منذ نعومة أظافره مولعا بتربية الحيوانات، التي امتلك الكثير منها، كما كان يتردد بانتظام على سوق “القريعة” بالعاصمة الاقتصادية، ذلك السوق الشهير بتجارة الحيوانات الأليفة”، حيث كان يعثر على ضالته، “ربيت أصنافا شتى من الحيوانات، ولولا منع تربية الأسود والنمور بالمغرب، لوجدتني أمتلكها اليوم”، يقول في حديث مع جريدة “العمق”.
البداية بيتبول
في سنوات طفولته، امتلك “رامو” سلالات من العصافير والحمام والدجاج وغيرها من الحيوانات، لكنه لم يربِّ كلبا إلا في سن الثانية عشرة من عمره، حين أهدته أخته جروا من فصيلة “بيتبول”، أعطته لها إحدى صديقاتها. كانت الهدية مفاجئة وكان وقعها جميلا على نفسيته، وسرعان ما شرّعت أبواب قلبه للوافد الصغير، ليجد فيه رفيقا مؤنسا.
لكن إرادة والده الرافض لتربية الكلاب بالمنزل، دفعته إلى إعادة الجرو لصاحبته. مر الأمر باعتباره حدثا بسيطا عابرا بالنسبة للأسرة، لكن وقعه على نفسية الطفل كان كبيرا، وشكل نقطة مفصلية في مسار حياته. “تعلقت بالجرو وربطت معه علاقة وطيدة، وظلت واقعة حرماني منه راسخة في ذاكرتي، كما ظلت رغبتي في تربية كلب متقدة”.
بعد سوات، يقول عبد الرحيم، “عندما كبرت قليلا تفهم والدي رغبتي في تربية كلب وسمح لي بذلك”، عندما وضعت كلبة من فصيلة الدوغو الأرجنتيني، في ملكية أحد أصدقائه، مجموعة من الجراء، وجدها فرصة سانحة لبعث الروح في ولعه القديم بتربية الكلاب، فأخذ جروا قضى معه قرابة خمس سنوات، قبل أن ينفق إثر مرض، فازداد تعلقه بهذه السلالة، ليشرع في جلب إناثها، ما شكل بداية لمساره نحو الاحتراف.
وجد هذا الشاب، الذي كان لاعبا للركبي في فريق “راسينغ أطليتيك بن امسيك سيدي عثمان للركبي”، جزءا من القوة والعنفوان الذي يميز هذه الرياضة في سلالة الدوغو الأرجنتيني، مبديا إعجابه الكبير بهذه الكلاب الضخمة البيضاء، نظرا للخصائص الفريدة التي تميزها، من قبيل الشراسة وإجادة الحراسة وصيد الخنازير، فواصل تربيتها إلى أن اقترن اسمه بها في المغرب.
حوّل عبد الرحيم سطح منزله، الذي لا تتجاوز مساحته 64 مترا، إلى مزرعة للكلاب، يعتمد فيها بالأساس على سلالة الدوغو الأجنتيني، ثم في الدرجة الثانية كلاب الكاني كوروسو، فكلاب المالينوا، نظرا لطلب عدد من زبنائه لها. ويربي عنزَة مِنْ سلالة الألبين، يزاحم ثغاؤها نباح الكلاب، يحرص على حلبها بيديه كلما تسنى له ذلك، كما يمتلك مزرعة أخرى للكلاب بضواحي مدينة الدار البيضاء.
كلب مقابل عمرة
رغم امتلاكه للعديد من كلاب الدوغو الأرجنتيني، إلا أن حصة الأسد من حب عبد الرحيم لهذه السلالة نالها كلبه “سيزار”، الذي ولد في سطح منزله قبل عشر سنين، ليصبح جزءًا من العائلة لا يمكن الاستغناء عنه. لقد تجاوزت العلاقة بينهما حدود الصداقة بين الإنسان والحيوان. ونشأت بينهما رابطة قوية لم تسعفه الكلمات لوصفها.
يحكي عبد الرحيم لـ”العمق” أن أحد أصدقائه أعجب بكلبه “سزار”، فطلب منه أن يبيعه إياه، لكن “رامو” تردد في ذلك كثيرا بحكم تعلقه الشديد بهذا الحيوان، قبل أن يوافق على مضض، لكنه مع ذلك اشترط على صديقه أن يستشير والدته أولا، لأنه لاحظ حبها لـ”سزار” الذي نشأ في سطح المنزل أمام ناظريها.
إصرار صديق عبد الرحيم على شراء هذا الكلب بالذات، جعله مستعدا لإهداء عمرة إلى الديار المقدسة لوالدة عبد الرحيم، يقول “رامو” إنه بشر والدته بأنها ستنال رحلة عمرة إلى الديار المقدسة، وبعدما أبدت فرحها، سألته عن كلفة هذه العمرة، فكان جوابه بأن المقابل هو الكلب “سزار”، عندها تغيرت نبرتها. لم تتردد الأم لحظة في التضحية برحلتها من أجل صديقها الوفي.
اليوم زاد تعلق هذا الشاب بكلبه “سيزار”، الذي لا يتصور أبدا أن يفرط فيه في يوم من الأيام، بعد أن عمّرت صداقتهما عشر سنوات، يحرص دائما على ملاعبته والاعتناء به كلما زار المزرعة بضواحي مدينة الدار البيضاء، مستعيدا ذكريات جمعت بينهما منذ ولادته في سطح المنزل.
لم يعد عبد الرحيم مجرد هاو، بل راكم تجربة مهمة مكنته من تطوير مشروع تربية الكلاب، وأصبح متخصصا في سلالة الدوغو الأرجنتيني، “كانت هذه السلالة نادرة بالمغرب، لذلك تحمست في تربيتها، ووصلت إلى امتلاك 20 كلبة، ولم تكن كلها تتوفر على شهادة النسب (pedigree)، لكن في السنوات الأخيرة أصبحت أكثر احترافية، وجلبت كلابا من سلالة نقية”.
يمتلك هذا الشاب حاليا 21 كلبا من السلالة التي يفضلها، ضمنها 18 ذكرا و3 إناث، ناهيك عن كلاب من سلالات أخرى، أبرزها الكاني كورسو والمالينوا، “قررت التخصص في سلالة الدوغو الأرجنتيني، وهو ما ساعدني على الإبداع في هذا المجال ومراكمة تجربة مهمة، ومازلت أبحث وأتعلم وأكافح لتحسين النسل”.
الرغبة في الاجتهاد وتحسين النسل وإرضاء زبنائه، كلها عوامل دفعت عبد الرحيم إلى استيراد كلبين من صربيا، واحد منهما استقدمه بثمن 70 ألف درهم، والآخر اشتراه بـ30 ألف درهم، قائلا إنهما أحرزا جوائز في مسابقات هناك وتتوفر فيهما مواصفات سلالته المفضلة، بحسب ما حكى لـ”العمق”.
تمكن أيضا “رامو”، الذي يشتغل معه مجموعة من الشباب لرعاية الكلاب، من إحراز عدد من الجوائز في مسابقات الجمال الخاصة بالدوغو الأجنتيني. وينتج اليوم ما بين 50 إلى 60 جروا في السنة داخل مزرعته، “كل كلبة تلد مرتين في السنة تقريبا، في كل مرة تضع ما بين 6 إلى 10 جراء، ومع ذلك أعجز عن تلبية كل طلبات زبنائي”.
فأغلب هؤلاء الزبناء من أصحاب الضيعات، الذين يحتاجون هاته الكلاب الشرسة والضخمة إما للحراسة أو لمحاربة الخنازير البرية، كما يطلب هذه السلالة أيضا عدد من أصحاب الفيلات، من أجل الحراسة، “من امتلك واحد من هذه الكلاب امتلك سلاحا فتاكا”، يقول عبد الرحيم مبرزا أهمية هذه الكلاب في التصدي للصوص وصيد الطرائد الكبيرة.
صخب وسكينة
من الصخب الذي تحدثه الكلاب في المكان بنباحها المتواصل، ونشاطها وحركتها المفرطة، إلى هدوء الأغنام الذي لا يكسره سوى ثغائها الرتيب. تحول عاشه عبد الرحيم الذي قرر إنشاء زريبة للأغنام بجانب مزرعة الكلاب بضواحي البيضاء. هكذا حقق هذا الشاب نوعا من التوازن في إيقاع حياته بين الحيوية والسكينة.
بمجرد فتح البوابة الكبيرة، يدخل “رامو” بخطوات وئيدة، يتجه مباشرة نحو المكان المخصص للكلاب، فيضج المكان بنابحها، يحرص الشاب على تفقد أقفاصها وملاعبتها واحدا واحدا، ويخاطبها بأسمائها. بعد حوالي نصف ساعة انعطف نحو زريبة الأغنام، ليتعالى الثغاء بمجرد دخوله.
يقول عبد الرحيم عن هذه التجربة، “في البداية كنت آوي الكلاب في سطح المنزل، وكانت دائما تراودني فكرة تربية الأغنام والبهائم عموما، ويمنعني غياب مكان لائق من تنفيذها، عندما توفرت لي فرصة سانحة هنا بضواحي الدار البيضاء، جهزت أقفاصا للكلاب، وظل هناك متسع، فتشجعت لتربية الأغنام”.
يعشق “رامو” سلالة أغنام الدمان التي يربيها الفلاحون بالجنوب الشرقي للمغرب، يصفها بأن خصوبتها مرتفعة، “قد تلد ثلاثة أو أربعة خراف كل مرة، لذلك فكرت في أن أهجن بين الدمان والصردي، للحصول على سلالة تتميز بخصائص فريدة، وأطمح إلى توفير هذا المنتوج طيلة السنة، في ظل الخصاص المسجل في اللحوم الحمراء”.
اقتحم عبد الرحيم مجال تربية الأغنام دون توفره على أي تجربة سابقة، جاء إليه مسلحا بطموحه الكبير وحبه للحيوانات عموما، “وجدت عراقيل وتحديات كثيرة، من بينها ظهور مجموعة من الأمراض، إلى تعرفت على صديقي زكرياء عبر ‘فيسبوك’، وهو أيضا شاب مولع بسلالة الصردي والأغنام بصفة عامة، شجعته على الخضوع لتكوين، فحصل على دبلوم في المجال فانضم إلي”.
صبر ومسؤولية
تجربة تربية الحيوانات عموما، والكلاب والأغنام على وجه الخصوص، علمت عبد الرحيم الصبر والمسؤولية، “تعلمت الصبر في انتظار النتائج مهما تأخرت، والصبر على الخسائر مهما كانت، كما تعلمت أيضا المسؤولية بالسهر على رعاية هذه الحيوانات وتوفير الظروف الملائمة لها، كما تعلمت من الكلاب قيمة الوفاء. كل هذا انعكس على علاقتي بعائلتي ومعارفي”.
“فرق كبير بين الكلاب والأغنام، يقول عبد الرحيم، فإذا كانت الأولى تفرض جوا صاخبا بنباحها وعنفوانها، وتفرض على الجالس بالقرب منها نوعا من الضغط، فإن الأغنام يميزها الهدوء، وتحس بالقرب منها بنوع من الطمأنينة والراحة النفسية”، يقول “رامو”، مضيفا أن هذه الحيوانات فتحت عينيه على أشياء كثيرة.
يعكس ارتباط عبد الرحيم العميق بالحيوانات مدى تعلقه بالأرض والطبيعة بشكل عام. فرغم أن تربية الكلاب والأغنام بالكاد تحقق توازنا بين المداخيل والنفقات، إلا أنه يواصل هذا النشاط مدفوعا بشغفه.. لا يتوقف طموحه عند هذا الحد، بل يحلم بامتلاك ضيعة واسعة تمكنه من تطوير مشروعه وتوسيع نطاق اهتمامه بالحيوانات، ليجعل من شغفه أسلوب حياة متكامل.
المصدر: العمق المغربي