رئيس الجزائر يقاطع القمة العربية بمصر.. تفاقم للعزلة وفقدان للبوصلة

يبدو أن الجزائر تعاني اليوم من عزلة متزايدة داخل محيطها الإقليمي، نتيجة توجهاتها ومواقفها السياسية التي كانت تخرج في الكثير من الأحيان عن الإجماع العربي، واصطفافها إلى جانب مشاريع إقليمية تستهدف تقسيم المنطقة العربية، إلى جانب سياستها المتناقضة مع مصالح المنطقة، وهو ما أدى، حسب مهتمين، إلى تراجع مكانة ودور هذا البلد المغاربي على الساحة العربية على حساب دول أخرى، وإلى غيابه عن ترتيب وإدارة أولويات وقضايا العرب، وبالتالي إبعاده بشكل كلي عن محاور التأثير العربي.
وفي هذا السياق جاء إعلان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في برقية نشرتها وكالة الأنباء الرسمية في الجزائر، عن عدم مشاركته شخصيًا في أشغال القمة العربية الطارئة المرتقب عقدها في مصر، وتكليف وزير الخارجية بتمثيل البلاد في هذا الحدث، احتجاجًا على ما سُميت “الاختلالات والنقائص التي شابت المسار التحضيري لهذه القمة، واحتكار هذا المسار من قبل مجموعة محدودة وضيقة من الدول العربية”، بتعبير البرقية ذاتها.
وأكدت الوثيقة ذاتها، نقلاً عن مصدر مقرب من الرئاسة الجزائرية، أن الرئيس تبون “استاء في نفسه من طريقة العمل هذه، التي تقوم على إشراك دول وإقصاء أخرى، كأن نصرة القضية الفلسطينية أصبحت اليوم حكراً على البعض دون سواهم”. فيما ربط بعض المهتمين القرار الأخير بإشراك المغرب في الاجتماعات التنسيقية المرتقبة بين الدول العربية، خاصة من خلال قمة مكة التي يرتقب أن تجمع دول الخليج إلى جانب المغرب ومصر وسوريا والأردن.
محور إيراني
في هذا الإطار قال محمد الغيث ماء العينين، عضو المركز الدولي للدبلوماسية وحوار الحضارات، إن “الجزائر لها سوابق في مثل هذه القرارات التي تؤكد أن هذا البلد يغرد خارج السرب العربي وغير معني بالانخراط في القضايا العربية المشتركة”.
وأبرز ماء العينين، الذي كان يتحدث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الاصطفاف إلى جانب ما يُسمى محور الممانعة بقيادة إيران يعد واحدًا من أهم ركائز السياسة الخارجية الجزائرية، غير أن الضربة التي تعرض لها هذا المحور منذ حرب السابع من أكتوبر دفعت الجزائر إلى إعادة مهاجمة الاجتماعات التنسيقية بين الدول العربية لبحث تطورات المنطقة، إذ كانت وحتى عهد قريب تعتبر هذه اللقاءات مجرد اجتماعات صورية أو اجتماعات لمحور التطبيع، قبل أن تحتج اليوم على عدم إشراكها فيها”.
وأكد المتحدث ذاته أن “الجزائر تحاول التغطية على عدم إشراكها في الاجتماعات التي كانت تعتبرها اجتماعات لمحور التطبيع مع إسرائيل، بمهاجمة بعض الدول العربية واتهامها باحتكار طريقة التعاطي العربي مع القضية الفلسطينية، فهي تشعر بالتهميش على المستوى العربي لكنها لا تملك الجرأة والشجاعة على مراجعة سياساتها الإقليمية والعربية”، مشددًا على أن “الجزائر كانت أدارت ظهرها للعالم العربي، غير أنها أصبحت فاقدة للبوصلة اليوم بعد سقوط محور الممانعة الإيراني، إذ تشهد المنطقة اليوم تكتلاً عربيًا يمضي في طريقه دون اكتراث لها، في إشارة واضحة إلى تغير موازين القوى والتوجهات في المنطقة”.
سياسات جزائرية
من جهته أورد محمد عطيف، أستاذ جامعي وباحث في العلاقات الدولية، أن “قرار الرئيس الجزائري عدم المشاركة شخصيًا في القمة العربية الطارئة بمصر يعكس خفوت دور الجزائر وهامشيتها في صياغة ترتيبات القضايا العربية الكبرى”، مبرزًا أن “رد الفعل الجزائري هذا يأتي في خضم الاجتماع المرتقب في مكة بين دول الخليج والمغرب والأردن ومصر وسوريا، لبحث تطورات المنطقة، وهو ما تعتبره الجزائر إقصاء لها”.
وأوضح عطيف، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الجزائر أضحت تعاني من عزلة داخل الجامعة العربية بسبب مواقفها السياسية المقلقة ورفضها الاصطفاف إلى جانب التوجهات العربية، حيث أظهرت على مدى سنوات عدم التزامها بتوجهات العمل العربي المشترك، ورعايتها المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة، ما يجعل العديد من الدول العربية تتعامل بريبة معها”.
وتابع الأستاذ الجامعي ذاته: “دعم الجزائر للكيانات الانفصالية وسياستها التدخلية في شؤون دول جوارها، إضافة إلى أجندتها الخاصة التي تعاكس في كثير من الأحيان الأولويات العربية، كرفضها الانضمام إلى العديد من المبادرات العربية، خاصة في اليمن وسوريا، وعلاقتها المتوترة مع بعض دول الخليج، كلها أسباب أضعفت الدور الجزائري في المشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية ذات العلاقة بالشأن العربي، مع اقتصار هذا الدور على التنسيق الدبلوماسي والتحرك السياسي المحدود في الزمن”.
المصدر: هسبريس