سجل رئيس هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعية (ACAPS) عبد الرحيم الشافعي، تنامي تحديات أنظمة التقاعد والمعاشات في القارة الإفريقية ومحدودية تغطيته للساكنة النشيطة، معتبرا أن هذا الورش يجب أن يصبح من أولويات التنمية في القارة الإفريقية ودعا إلى تعزيز التعاون في هذا الجانب.

وجاء كلام الشافعي خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى السنوي السادس للجمعية الإفريقية لمراقبي معاشات التقاعد (APSA) الذي انطلقت أشغاله بمراكش اليوم الخميس، تحت شعار “تعزيز مرونة وصمود معاشات التقاعد بالقارة الإفريقية”.

وأبرز المتحدث أن المنتدى المذكور يأتي في لحظة استراتيجية بامتياز، تتسم بتحولات ديمغرافية متسارعة تشهدها قارتنا، وتغيرات اقتصادية وتكنولوجية عميقة، إلى جانب إرادة جديدة في العديد من الدول لجعل أنظمة التقاعد رافعة حقيقية للإدماج والاستقرار.

وأكد على ضرورة التمسك بالتعاون الإفريقي، خصوصًا في مجال الإشراف على أنظمة الحماية الاجتماعية وإصلاحها.

عبد الرحيم الشافعي رئيس هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعية

تحديات متنامية

وسجل الشافعي تنامي التحديات التي تواجه القارة الإفريقية من قبيل ضعف تغطية أنظمة المعاشات والتقاعد للساكنة النشيطة، وحجم الاقتصاد غير المهيكل، والاختلالات الهيكلية، ثم تحولات المسارات المهنية، وزيادة هشاشة بعض الفئات، لاسيما النساء وكبار السن في المناطق القروية.

واعتبر أنه أمام هذه التحديات، “نحتاج إلى بناء حلول صامدة، تتلاءم مع سياقاتنا، ومبنية على مبادئ التضامن، والاستدامة، والشفافية”.

مضيفا أنه “رغم تنوع أنظمتنا المؤسسية والاقتصادية، فإن القارة الإفريقية بأكملها تواجه اليوم دينامية لا رجعة فيها: شيخوخة السكان”.

رئيس “أكابس” وصف التحول الذي تعيشه القارة الإفريقية بـ”الصامت” وفي الوقت نفسه بـ”العميق”، مشيرا إلى أنه “يفرض تكييفًا طموحًا لسياساتنا المتعلقة بالتقاعد والحماية الاجتماعية”.

وتوقف لدى بيانات البنك الدولي التي تبرز ضعف حجم تغطية أنظمة المعاشات والتقاعد للساكنة الإفريقية، بحيث لا تتجاوز 10,3 في المائة من الأشخاص سن العمل في إفريقيا، وتعرف هذه النسبة انخفاضا أكبر في إفريقيا جنوب الصحراء.

واعتبر الشافعي أن “هذه التغطية الضعيفة تنعكس مباشرة على مستوى الحماية لكبار السن: فحسب منظمة العمل الدولية، ثلثهم فقط يتلقون معاشًا تقاعديًا، سواء كان قائمًا على الاشتراك أو غير قائم عليه”.

وأضاف “بطبيعة الحال، تختلف الأوضاع من بلد إلى آخر. وهذه التعددية تتطلب مقاربات متنوعة، تتلاءم مع هيكلة سوق العمل، والتحولات الديمغرافية، والإمكانيات المالية المتاحة”.

وقال “رغم أن إفريقيا لا تزال القارة الأكثر شبابًا في العالم، إلا أن المؤشرات الديمغرافية تشير إلى تحول سريع”، مسترسلا “فبحسب الأمم المتحدة، يُتوقّع أن يتضاعف عدد سكان إفريقيا الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا ثلاث مرات بحلول 2050 ليصل إلى 215 مليون شخص”.

وأوضح أن هذا التطوير يعزى أساسًا إلى تحسن أمد الحياة تدريجيًا، والذي يُتوقّع أن يتجاوز 68 عامًا في المتوسط بحلول 2050 (مقابل 60 عامًا في سنة 2000)، بالإضافة إلى تراجع معدلات الخصوبة، وهو ما يرفع بسرعة نسبة الإعالة لدى المسنين في عدة دول إفريقية.

وزاد “وبالتوازي، فإن استدامة الأنظمة تتأثر بقاعدة اشتراكات ضيقة، وتحسن أمد الحياة، وهيمنة نماذج التوزيع”، مبرزا أن “العديد من الأنظمة تعتمد معدلات تعويض مرتفعة مقابل مدد اشتراك قصيرة، مما يزيد العبء المستقبلي على الصناديق”.

التقاعد في المغرب

وفي الوقت الذي أشار الشافعي إلى أن المغرب ليس بمنأى عن التحولات والتحديات التي تشهدها القارة الإفريقية، استعرض أمام المنتدى الإفريقي الوصفة التي يسعى المغرب من خلالها إلى النهوض بأنظمة التقاعد في أفق تعميم التغطية.

وقال إن “أكابس تواكب السياسات العمومية، وخصوصًا ضمن الورش الملكي المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية، الذي أُطلق سنة 2021 بمبادرة من الملك محمد السادس”.

وأبرز أن “الهدف من الورش البنيوي هو جعل الحق في الحماية الاجتماعية ركيزة للعدالة الاجتماعية والتماسك الوطني”، كما أشار إلى أن نظام التقاعد المغربي، يقوم على أنظمة إلزامية تشمل القطاعين العام والخاص، مع هيمنة نظام التمويل بالتوزيع.

وسجل وجود بعض التفاوتات بين الأنظمة بالرغم من الجهود المبذولة، حيث يقدر معدل التغطية التقاعدية في المغرب بـ 49% من الساكنة النشيطة، ومن المتوقع أن تُمكّن التدابير المنصوص عليها في القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية من رفع هذا المعدل إلى أكثر من 80% على المدى البعيد.

على المستوى المالي، كشف أن الأنظمة تظهر بعض الهشاشة، فتقديرات سنة 2024 تشير إلى “نفاد احتياطات نظام المعاشات المدنية في 2031″، وهي سنة متأخرة بثلاث سنوات مقارنة بتقييم سنة 2022 (الذي حدد تاريخ النفاد في 2028)، ويُعزى هذا التأخير جزئيًا إلى الأثر الإيجابي للزيادات الأخيرة في أجور القطاع العام.

أما بالنسبة لنظام CNSS (القطاع الخاص)، يقول المتحدث “تشير التوقعات إلى نفاد احتياطاته في 2037، بينما يتوقع أن تستمر احتياطات نظام RCAR حتى 2051”.

https://www.youtube.com/watch?v=6yNJTUdxns
نماذج جديدة
ولم يتوقف رئيس هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعية على تشخيص الوضع في إفريقيا والمغرب خلال كلمته الافتتاحية للمنتدى المذكور، بل قدم مقترحات من إعادة تأسيس نماذج أنظمة التقاعد.

ولخصها في ثلاث مقترحات تتعلق أساسا بـ”إرساء آليات هجينة تمزج بين الأنظمة التساهمية وغير التساهمية”، و “توسيع التغطية ليشمل القطاع غير المهيكل، عبر حلول مثل التقاعد المصغر والحوافز الضريبية”، ثم “التحول نحو رقابة قائمة على المخاطر، تكون أكثر استباقية وملاءمة”.

وشدد على أن المنتدى الذي تحتضنه مراكش اليوم الخميس وغدا الجمعة، “يشكل فضاء للحوار بين الهيئات المنظمة والخبراء والشركاء، لتبادل الممارسات الجيدة، واستكشاف سبل الابتكار، وتعزيز قدراتنا الجماعية على قيادة إصلاحات هيكلية شجاعة وشاملة”.

كما اعتبر أن المنتدى أيضا “فرصة لإعادة وضع قضية التقاعد في صلب استراتيجيات التنمية البشرية في إفريقيا”، مردفا “فمن خلال حماية أفضل لكبار السن، وإدماج العمال في الاقتصاد غير المهيكل، وتثمين استثمارات الصناديق التقاعدية على المدى الطويل، يمكن لأنظمة التقاعد أن تصبح رافعة قوية للتماسك الاجتماعي والنمو المستدام”.

ACAPS & APSA
الجلسة الافتتاحية للمنتدى السنوي السادس للجمعية الإفريقية لمراقبي معاشات التقاعد (APSA) الذي تحتضنه هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعية ACAPS بمراكش يوليوز 2025

APSA في ضيافة  ACAPS

ويذكر أن الدورة السادسة من المنتدى السنوي للجمعية الإفريقية لمراقبي المعاشات التقاعدية تعتبر أول دورة من نوعها تنظم في المغرب، ويشارك فيها مسؤولون عن هيئات الإشراف ومراقبة قطاع التقاعد بالعديد من الدول بالقارة الإفريقية، فضلا عن ممثلين عن الهيئات الدولية والفاعلين المؤسساتيين وكذا باحثين وخبراء في القطاع.

ويهدف هذا المنتدى المنعقد بشراكة مع الجمعية الإفريقية لمراقبي المعاشات التقاعدية ووكالة التنمية الإفريقية المختصة FSD Africa إلى “تبادل الممارسات الفضلى في مجال الحكامة وتعميم نطاق التغطية وكذا تدبير الأخطار الناشئة بالإضافة إلى دمج المعايير البيئية والاجتماعية والحكامة في سياسات الاستثمار”.

ويتضمن جدول أعمال هذين اليومين، وفق بلاغ لـ”أكابس” عدة جلسات موضوعاتية مخصّصة لتطور الأطر الإشرافية نحو مقاربات قائمة على المخاطر، والتدبير الاستباقي للمخاطر الناشئة (المناخ، والأمن السيبراني، والتركيبة السكانية، …) وعلى تطوير تصنيف إفريقي “بيئي، واجتماعي، وحكامة”، وأيضا استكشاف نماذج جديدة للمعاشات التقاعدية الصغرى لتوسيع نطاق التغطية للعاملين في القطاع غير المهيكل.

كما يمثل هذا المنتدى رفيع المستوى فرصة لتعزيز التعاون بين هيئات الإشراف والرقابة والتداول في الإصلاحات الجارية وتعزيز مراقبة وإشراف أكثر فعالية، شاملة ومستدامة لأنظمة التقاعد بالقارة.

ويذكر أن الجمعية الإفريقية لمراقبي المعاشات التقاعدية (APSA) هي منصة إفريقية تم إحداثها سنة 2019 بنيروبي، تضم هيئات الإشراف ومراقبة أنظمة التقاعد لخمس عشرة دولة، تمثل أكثر من 86٪ من أصول المعاشات التقاعدية في القارة. وتهدف هذه الجمعية إلى تعزيز التعاون بين هيئات الرقابة وتبادل الخبرات وتسريع وثيرة إصلاح القطاع بما يخدم التنمية الاقتصادية في القارة الإفريقية. وتقود الجمعية التي تحظى منذ إنشائها بدعم من وكالة التنمية الإفريقية المختصة لجنة مصغرة من الدول المؤسسة، كما يقع مقر أمانتها العامة بكينيا.

و”تشارك هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، باعتبارها عضوا فاعلا في الجمعية، في مختلف أشغالها، وذلك في إطار تطوير التعاون الإفريقي في مجال الاحتياط الاجتماعي”، وفق نص البلاغ ذاته.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.