لم يتخيل عدد من المهاجرين الأفارقة القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، الذين قطعوا آلاف الكيلومترات هروبا من ويلات الحروب والمجاعات والفقر، أن يتحول حلمهم بالوصول إلى “الفردوس الأوروبي” إلى مأساة إنسانية على مشارف منطقة رأس عصفور، المحاذية للحدود المغربية الجزائرية. فبدل أن يبلغوا ضفتهم المنشودة، فارقوا الحياة على بعد خطوات من الشريط الحدودي، ودفنت جثامينهم في مقبرة بمدينة جرادة.

رحلة هؤلاء المهاجرين، انطلقت من نيجيريا والكاميرون، غينيا كوناكري، والسودان، بعد أن تمكنوا من عبور الحدود الجزائرية ليستقروا مؤقتا بجبل رأس عصفور في الجانب المغربي. غير أن انخفاض درجات الحرارة، التي تلامس أحيانا خمس درجات تحت الصفر، كان كفيلا بإنهاء حياتهم، إذ كانوا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، متجنبين الظهور أمام القوات العمومية المغربية خوفا من الاعتقال، ما جعلهم عرضة للموت البطيء في ظروف مناخية قاسية وظروف عيش صعبة.

وكشف حسن عماري، رئيس الجمعية المغربية لمساعدة المهاجرين في وضعية صعبة، أن السلطات المغربية عثرت على 12 جثة تعود لمهاجرين أفارقة، تم التعرف على هوية 6 منهم ودفنهم في مقبرة بمدينة جرادة، فيما لا تزال الجثث المتبقية في انتظار التحقق من هويات أصحابها أو تعرف عائلاتهم عليهم.

وأوضح أن “غالبيتهم كانوا يحلمون بالوصول إلى ‘الفردوس المفقود’، لكن قساوة الطبيعة وشدة البرودة، خاصة خلال الليل، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى خمس درجات تحت الصفر، إلى جانب الخوف والهلع، ساهمت في مأساتهم”.

وأضاف في حديثه لـ”العمق”، أن “نوعية الملابس التي كانوا يرتدونها لم تكن كافية لمواجهة البرد القارس، ما يؤدي إلى تعرض أجسادهم للشلل، فضلا عن الانزلاقات من أعالي الجبال ليلا والسقوط على الصخور، وهو ما عجل بوفاتهم في ظروف مأساوية”.

وأشار حسن عماري، إلى أن غابة رأس عصفور، المعروفة بين المهاجرين بـ”ملتقى المهاجرين”، تعد من أخطر المناطق الجبلية على الحدود المغربية الجزائرية، حيث تنخفض درجات الحرارة بشكل حاد خلال فصل الشتاء. ويقول: “إنها منطقة شديدة البرودة، يرهق فيها المهاجرون من طول الرحلة، وبعد أيام من دون طعام، يفقدون القدرة على الحركة ويموتون”.

في هذه المنطقة القاسية، تمتد خنادق عميقة محفورة على طول 51 كيلومترا، يصفها عماري بـ”خنادق المصيدة”، بينما تطلق عليها الجمعية اسم “خندق العار”. يبلغ عمق هذه الحفر أربعة أمتار ونصف، وعرضها أربعة أمتار، وغالبا ما تمتلئ بالماء خلال الشتاء، ما يجعل السقوط فيها قاتلا، مضيفا: “الساقط فيها مفقود، والناجي مولود، أما من يصعد منها فقد تلاحقه موجات البرد القارس فيتجمد”.

ومن بين القصص المروعة التي وثقتها الجمعية، حالة شابة كاميرونية نقلت إلى قسم الإنعاش بعد أن تم إنقاذها من إحدى هذه الحفر، حيث مكثت هناك شهرين ونصف في محاولة لتدفئة أطرافها المتجمدة. لكن الأمل في إنقاذها خاب، واضطر الطاقم الطبي إلى بتر أصابع قدميها بعد أن فقدت الإحساس بها نهائيا.

أما في الجانب الجزائري، فالوضع لا يقل خطورة، إذ توجد خنادق أعمق، يبلغ عمق بعضها ثمانية أمتار وعرضها أربعة أمتار، وغالبا ما تغمرها المياه في فصل الشتاء. حسب حسن عماري.

ومن جهتها، أفادت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (فرع وجدة) أنه تم دفن ست جثث يوم الجمعة 12 ديسمبر الجاري بمقبرة جرادة، فيما تم الاحتفاظ بجثتين بناء على طلب من معارف الضحيتين بعد التأكد من هويتهما.

وأوضحت الجمعية، في بلاغ تتوفر “العمق” على نسخة منه، أن مراسيم الجنازة جرت في موكب مهيب، في احترام تام لكرامة الموتى، بحضور السلطات المحلية، وساكنة المنطقة التي أبدت كعادتها تضامنا إنسانيًا لافتا، إلى جانب فاعلين جمعويين وإحدى الجمعيات الخيرية التي دأبت على التكفل بجزء هام من مراسيم الدفن والعزاء.

كما كشفت الجمعية عن تفاعل الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بوجدة مع طلبها بعدم دفن جثة مهاجرة من غينيا كوناكري، بناء على رغبة عائلتها في استلام الجثمان.

وتجدر الإشارة إلى أن آخر محاولة جماعية للهجرة نحو الضفة الأوروبية تعود إلى سنة 2022، حين نفذ مهاجرون سودانيون عملية اقتحام جماعي للسياج الحديدي لمدينة مليلية المحتلة، شارك فيها نحو 2000 شخص، ما أسفر عن وفاة 23 منهم بسبب التدافع في معبر “باريتشينو”، واعتقال عدد كبير منهم من طرف السلطات المغربية.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.