ذهان دبلوماسي مزمن .. الجزائر تأمل إصلاح أعطاب قطار “اتحاد المغرب الكبير”
أثارت تصريحات أحمد عطاف، وزير الخارجية الجزائري، التي أدلى بها بمناسبة حلوله ضيفا على برنامج تبثه إحدى الشبكات التابعة لقناة الجزيرة القطرية حول وعي بلاده بأهمية بناء أرضية ملائمة لإعادة إحياء اتحاد المغرب الكبير، مجموعة من التساؤلات حول سياقها ومدى جدية الجزائر بشأنها؛ فعلى الرغم من أن الأمانة العامة لهذا التكتل المُعطل رحبت بهذا الموقف، فإن عددا من المتتبعين لهذا الملف يلقون اللوم على الجزائر بوقوفها تاريخيا بسياستها الخارجية في وجه تفجير الطاقات الكامنة لهذا التكتل المشلول.
فبعد قرابة ثلاثة عقود ونصف العقد من تأسيسه (17 فبراير 1989)، لا يزال تكتل اتحاد المغرب الكبير مجرد مؤسسات وبنايات ولا يعكس حقيقة الروابط التاريخية والثقافية والدينية والجغرافية التي تربط الشعوب والبلدان الخمسة لهذا الفضاء المغاربي الذي يزخر بإمكانيات مهمة، ليظل بذلك حلم التكتل والاتحاد حبيس الورق بسبب ما يعتبره متتبعون غياب الوعي لدى بعض الدول بأهمية الاندماج لمواجهة الأخطار والتحديات المشتركة، وبسبب تعنتها وإصرارها على تقسيم هذا الفضاء باستحداث “دويلة” في المنطقة، عن طريق دعم جبهة “البوليساريو” التي تطالب بالانفصال عن المغرب.
تصريح غير جدي وعوامل سياسية
محمد العوفي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، قال إنه “لا يمكن الجزم حاليا بأن تصريحات وزير الخارجية الجزائري تدخل ضمن السياق العام الذي ميّز الخطاب الجزائري تجاه اتحاد المغرب العربي، والذي كان قائما على التعبير عن الرغبة في بناء الاتحاد من جهة، ومن جهة أخرى انتهاج سياسة خارجية معيقة للبناء، جوهرها كيل العداء للمغرب”.
وأوضح العوفي أن “المتغيرات الجديدة التي أفرزتها الأزمات السياسية والاقتصادية العالمية، بداية من الأزمة الاقتصادية التي خلفتها أزمة كوفيد 19 في العام 2020 وأزمة التضخم العالمي التي انتشرت عقب اندلاع الحرب الروسيةالأوكرانية مطلع العام 2021، كانت لها تداعيات سوسيواقتصادية صعبة على دول المغرب العربي التي شهدت تفاقم معدلات الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية، وبات بناء اتحاد المغرب العربي أحد الحلول المطروحة لاستعادة ما بين 1 و2 في المائة من النمو الاقتصادي الذي تهدره الدول الخمس كتكلفة لعدم بناء الاتحاد”.
وأشار الباحث ذاته، في تصريح لهسبريس، إلى أن “معظم الدراسات السياسية والاقتصادية الباحثة في سبل التصدي للأزمات العالمية أجمعت على فكرة تعزيز الاتحادات والتكتلات الإقليمية سياسيا واقتصاديا”، مسجلا في الوقت ذاته أن “هذه الأزمات نفسها أبانت عن محدودية اعتماد الاقتصاد الجزائري على عائدات البترول الذي بات ثمنه متقلبا في السوق الدولية؛ وهو ما من شأنه دفع الموقف الجزائري نحو المزيد من التعقل والحوكمة حول ضرورة بناء اتحاد المغرب العربي”.
ولفت العوفي إلى وجود “عامل سياسي آخر يرجح الموقف السياسي الجزائري الجديد، وهو ذاك المتعلق بالتحولات السياسية التي تمر منها مجموعة من الدول الإفريقية في ساحل الصحراء، والتي شهدت صعود الجيش إلى السلطة بعد الانقلاب على الحكم المدني؛ لكن مع ذلك حافظت هذه الجيوش على علاقتها الوطيدة مع نفس الدول التي كانت تتحالف معها نظمها المدنية من قبل، لكن من دون أن تنفتح على النظام الجزائري الذي كان يعتقد أن هذه الجيوش ستتقارب معه؛ وهو ما تسبب له في عزلة قد تكون من بين العوامل السابقة التي دفعته إلى إعادة التفكير جديا في بناء اتحاد المغرب العربي”.
مسؤولية جزائرية وعائق أمام الحلم
في الصدد ذاته، أورد البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع، أن “كلام وزير خارجية الجزائر هو نوع من الذهان السياسي المزمن الذي تعيشه الجزائر في ظل نظام عسكري شمولي يحكم هذا البلد”، مسجلا أن “الوضعية التي يعيشها اتحاد المغرب الكبير اليوم نابعة بالأساس من الفهم الضيق لطبيعة الأحداث الإقليمية المتسارعة والمتقاطعة المصالح بين مختلف القوى الفاعلة في فضاء جغرافي يعرف العديد من المخاطر”.
وزاد موضحا :”في الوقت الذي ينتظر فيه العالم حلولا نابعة من القوى الإقليمية للإشكالات الإقليمية نجد أن الدبلوماسية الجزائرية ما زالت تتناول الإشكالات الإقليمية بمقاربة كلاسيكية وتحدد طبيعة تفاعلها على أساس تقدير موقف متجاوز لا يتناسب مع الجهود المفروض وجودها لصياغة رؤية استراتيجية مناسبة تجاه التفاعلات والسلوكيات الإقليمية، وبشكل خاص عند إعادة توجيه وتشكيل الدبلوماسية الجزائرية في تحركاتها تجاه محيطها الخارجي في علاقته مع المتغيرات الكبرى التي عرفها المشهد الجيوسياسي العالمي”.
وحول المسؤول المباشر عن تعطيل إعادة بناء هذا التكتل المغاربي، سجل المتحدث ذاته أن “النظام الجزائري، من خلال سلوكه وممارساته التي لا ترقى إلى الوضع الخاص الأخوي المرتكز على التاريخ المشترك الذي يربطها بجوارها الإقليمي، هو المسؤول الأول والأخير على جمود هذا التكتل”، مشيرا إلى أن “المسارات التصادمية التي تفضل الجزائر سلوكها في تدبير علاقاتها مع المغرب هو واحد من بين جملة الأسباب المعيقة لإعادة بعث هذه المنصة الإقليمية”.
وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “الموقف الرسمي الجزائري من قضية الصحراء المغربية سيظل عائقا جديا أمام تحقيق هذا الحلم المغاربي أمام تعنت الجزائر وإصرارها على زرع دويلة وهمية في المنطقة المغاربية”، لافتا أن “الجزائر وبتشبثها بهذا الطرح العدائي تكون قد ضيّعت ومازالت تضيع على شعوب المنطقة فرصا تنموية كبيرة وتقف عائقا أمام تحقيق أحلام هذه الشعوب التي يربطها التاريخ والجغرافيا”.
تكتل بإمكانيات مهمة وأدوار مُعطلة
إدريس أحميد، محلل سياسي ليبي، قال إن “إعادة إحياء هذا التكتل المغاربي بين الدول الخمس هو خيار استراتيجي لا محيد عنه تفرضه المصلحة المشتركة للشعوب المغاربية التي تحيط بها مجموعة من التحديات التي تحتم عليها التكتل”، موضحا أنه “لا يعقل أن يبقى هذا التكتل غير مفعل، ولا يعكس عمق الروابط التاريخية والجغرافية والدينية التي تجمع دول وشعوب هذه المنطقة الجغرافية”.
وأضاف المحلل السياسي ذاته أن “الخلافات السياسية ما بين المغرب والجزائر هي التي عطلت تفعيل عمل هذا التكتل على الرغم من وجوده ككيان ومؤسسات؛ وبالتالي فإنه وجب البحث عن السبل الكفيلة لتجاوز هذا الخلاف الذي لا يخدم مصالح المنطقة”، مضيفا أن “الخلاف حول الصحراء يجب أن لا يكون مانعا لقيام مؤسسات الاتحاد المغاربي بدورها”؟
وأوضح المتحدث لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “المغرب والجزائر دولتان فاعلتان في المنطقة، ومن شأن ضخ إمكانياتهما الاقتصادية في هذا التكتل أن يجعل منه منافسا قويا لأبرز التكتلات الإقليمية في العالم. كما من شأن ذلك أيضا أن يعزز من قوة المنطقة المغاربية وتأثيرها في الساحتين السياسية والاقتصادية الدوليتين”.
واعتبر أحميد أن “الثقل في إحياء هذا التكتل مُلقى في الوقت الحالي بالدرجة الأولى على الرباط والجزائر، نظرا لمجموعة من العوامل؛ أبرزها أن الدول الثلاث الأخرى تعاني من أزمات داخلية كما هو بالنسبة لتونس وليبيا، ثم موريتانيا التي ما زالت تبحث عن الاستقرار والتنمية؛ وهو ما عطل أدوار هذه الدول الأخيرة من أجل قيادة الوساطة بين هذين البلدين في أفق تفعيل اتحاد المغرب العربي”.
المصدر: هسبريس