ذكرى اختطاف المهدي بنبركة تعيد مساءلة “الكشف عن الحقيقة ومآل الجثة”
رغم مرور ستة عقود مازال المطلب الأساسي لرفاق المناضل الأممي المعارض البارز لسياسات الحسن الثاني بعد استقلال المغرب، المهدي بنبركة، الذي اختُطف من باريس قبل 59 سنة، هو “الكشف عن الحقيقة”، وعن مصيره ومآل جثته التي تضاربت بخصوصها الروايات والتسريبات؛ لكن دون تقديم يقين يُنهي هذا “التيه” أمام استمرار معركة البحث عن حقيقة ما جرى في المغرب وفرنسا منذ أكثر من نصف قرن.
معركةٌ تتمسّك بها أيضاً عائلة المعارض المُختفي بشكل مريب في شارع سان جيرمان في قلب باريس يوم 29 أكتوبر 1965. وإلى حدود اليوم تنتفي المعطيات الحقيقية حول جثمان الموقّع على عريضة المطالبة بالاستقلال عام 1944، لكن الجميع ينتظر الحقيقة ويطالب الدولتين المغربية والفرنسية بـ”الكشف عن الأرشيف الحقيقي لمعرفة ملابسات ما حدث”.
مناضل وطني كبير
جمال العسري، الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، قال إن “قضية المهدي تعدّ من القضايا السياسية التي لم يتم الكشف بعد عن حقيقتها، ولا عن حقيقة فاعلها، ولا عن مصير الشهيد وجثته”، موضحاً أن “الحركات الحقوقية المغربية، وفي قلبها حركة اليسار، ومعها الحزب الاشتراكي الموحد، ما فتئت تطالب بإماطة الستار عن الحقيقة، كل الحقيقة، بشأن هذه الجريمة التي طالت مناضلاً وطنياً كبيراً من مؤسسي مغرب ما بعد الاستقلال ومن المقاومين الكبار”.
العسري ذكر في حديثه لهسبريس أن “هذه الجريمة تفرقت دماؤها على أربعة أطراف رئيسية تتوجه إليها أصابع الاتهام، وعلى رأسهم البلد الذي وقعت فيه الجريمة، وهو فرنسا، وخاصة الأجهزة الأمنية”، مضيفا ما وصفه بـ”الكيان الصهيوني”، “العدو للحركة التحررية والحركة التقدمية، خاصة بعد الدور الكبير الذي كان يلعبه بن بركة في الدفاع عن القضية الفلسطينية والتعريف بها عبر كل دول العالم الثالث، وهو من المؤسسين الأساسيين لحركة عدم الانحياز”.
القيادي اليساري أشار بالأصبع كذلك إلى “الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكن تنظر بالرضا إلى كل حركات التحرر، وبالأحرى إلى زعيمها في العالم الثالث”، مدرجاً كذلك “النظام المغربي، الذي كان من ضمن المتهمين، إذ تمت محاكمة مجموعة من المسؤولين العسكريين والأمنيين في فرنسا، مثل الجنرال أوفقير، الذي كان وزير الداخلية في ذلك الوقت”، وخلص إلى أن “المطالبة بالحقيقة الكاملة في هذا الملف ضرورة تاريخية؛ فقد طال أمده”.
الحاجة إلى المصالحة
مهدي مزواري، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سجّل أن “ذكرى اختطاف المهدي هي مناسبة لنعرّف الأجيال الحالية على هذا المناضل ودوره في كفاح الشعوب ضد الإمبريالية من أجل انعتاقها وتقدمها”، معتبراً أن “الأجيال الحالية للأسف لا تعرف الكثير عنه، رغم أن ملف اختطافه واختفائه القسري مازال مفتوحاً حتى الآن، ورغم أنه مازال يراوح مكانه ولا جديد فيه”.
مزواري شدد على “التشبّث بكشف الحقيقة الكاملة في هذه قضية المهدي؛ ومعرفة مصيره، ورفع السرية عن كل الوثائق الموجودة في كل الدول المرتبطة بالملف، لإنهاء هذا اللغز الذي مازال نقطة سوداء في تاريخنا المعاصر”، مستدركاً بالقول إنه “في سياق معين بدأت تظهر خطوات يتحرك فيها المغرب في سبيل التعاطي مع الموضوع، لكنه تركه مرة أخرى؛ وحتى على مستوى هيئة الإنصاف والمصالحة لم يتم تحريك الملف جيداً”.
المصرح لهسبريس ذكر أن “الملف كبير ويمثل قضية عالمية، ومن الحوادث الغامضة والجرائم السياسية التي مازالت تحير العالم”، مؤكدا كاتحادي على “كشف الحقيقة في إطار مناخ نسعى فيه إلى المصالحة حول هذا التاريخ الأسود في المغرب، والتاريخ المأساوي لحقوق الإنسان”، وخاتما: “حققنا مصالحة نجحنا فيها بنسبة كبيرة، لكن يبقى ملف المهدي بن بركة، إلى جانب ملف الحسين المانوزي وملفات أخرى عالقة، ما يجعل المغرب بحاجة إلى المضي بخطوات إضافية نحو المصالحات الكبرى”.
فك اللغز للأبد
منعم وحتي، عضو المكتب السياسي لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، قال: “ونحن نعيش الذكرى 59 لاختطاف القائد الكبير المهدي بن بركة نجدد مطلبنا الثابت كفيدرالية اليسار الديمقراطي للكشف عن ملابسات اختطافه ورفع السرية عن كل الوثائق المرتبطة بحقيقة اغتياله وكل المتورطين في هذه الجريمة النكراء”، معتبراً أن “زيارة ماكرون إلى المغرب فرصة لذلك، إذ تمت الجريمة على الأراضي الفرنسية في 29 أكتوبر 1965″، وزاد: “رغم كل المجهودات التي راكمها الطيف الحقوقي في القضية، وما فتئ حزبنا يناضل من أجلها، مازالت السلطات الفرنسية تتحفظ على وثائق الجريمة تحت مبرر سريتها”.
وبالنسبة لليساري سالف الذكر فإنه “رغم قدم الوثائق والوقائع تجب محاسبة الجناة والإفراج عن الحقيقة للتاريخ، فالجرائم السياسية في حق الشعوب لا تتقادم، علماً أن الدولة المغربية طرف في ملابسات الاختطاف”، مذكراً في السياق ذاته بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة حول الكشف عن الحقيقة وضمانات عدم التكرار، “خصوصًا أن عدة ملفات مازالت عالقة بدون أي تعاون للسلطات المغربية للكشف عن مصير رفات المناضلين مجهولي المصير من حقبة سنوات الرصاص”، وتابع: “يجدر بنا إيراد ملف أسرة المانوزي التي مازالت تطالب برفات ابنها الحسين المانوزي، أمام مماطلة السلطات التونسية في الكشف أيضًا عن وثائق اختطافه”.
وحتي ختم تصريحه لهسبريس قائلاً: “إن طي صفحة الانتهاكات الجسيمة لماضي سنوات الرصاص مسؤولية الدولة قائمة فيه ليكون طياً حقيقياً ينفتح على المستقبل، ولن ينبني إلا على كشف ملابسات ما حدث بالضبط وأسماء المتورطين، وحق العائلات المغربية في الترحم على قبور فعلية لأبنائها، مع ضمانات عدم التكرار على المستوى التشريعي والقانوني، وحماية فعلية لحقوق وحريات المغاربة في مواجهة أي شطط في استعمال السلطة، وكذا إطلاق سراح كل المعتقلين”.
المصدر: هسبريس