ذكرى اجتماع وزراء الأوقاف المغاربيين تسائل التوصيات والنهوض بالرهانات
بمناسبة الذكرى 16 للاجتماع الوحيد الذي جمع وزراء الأوقاف والشؤون الدينية بالدول المغاربية منذ تأسيس اتحاد المغرب العربي، تنبعث مساءلة الحاجة إلى تطوير التعاون في المجال الديني بين هذه البلدان، التي تتشاطر ثابتين دينيين هما المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، المتميزان بالوسطية والاعتدال، فيما “تتربص” بالأمن الروحي لشعوبها تحديّات مشتركة، من قبيل التطرف والإرهاب والتشيّع.
ورغم أن الاجتماع الذي عُقد في 24 شتنبر 2012 بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، تحت شعار “الإسلام السني المعتدل ودوره في التحصين الفكري والثقافي للمجتمعات المغاربية”، كان خرج بتوصيات مهمّة لتوحيد الجهود الرسمية في تعزيز الثقافة والوعي الديني للمجتمعات المغاربية وتحصينها من التحديّات سالفة الذكر، على غرار إنشاء “مجمع مغاربي للفقه المالكي”، و”دار مغاربية للحديث الشريف”، و”قناة فضائية مغاربية متخصصة في الشأن الديني”، فإن هذه التوصيّات لم تجد طريقها إلى التنفيذ بعدُ.
ويشدد باحث في الشأن الديني، تحدّثت إليه جريدة هسبريس الإلكترونية، على أهميّة تنفيذ هذه التوصيات ضمن سياق توحيد جهود المؤسسات الدينية الرسمية بالدول المغاربية في “مواجهة محاولات التأثير الأجنبي، وخاصة الديني والثقافي، في هوية الشعوب المغاربية”، مؤكدا أن تقويّة التعاون المغاربي في المجال الديني ستُشكل أرضية لرفع منسوب التعاون الاقتصادي بين بلدان المغرب العربي، “ما يعدُ بالرفاه والخير العميم على شعوب المنطقة في نهاية المطاف”.
ويتمسّك الباحث ذاته بالتذكير بـ”بقاء المملكة منذ تأسيس الاتحاد المغربي إلى اليوم حريصة على وحدة البلدان المغاربية في مجابهة جميع التحديات المشتركة، وليس فقط الدينية، تزامنا مع عملها على تذويب الخلافات ومدّ يد العون والتسامح”؛ وهو التوّجه ذاته الذي يسير فيه تدخل باحث آخر أكد لهسبريس “تمسّك المغرب بوحدة الرؤية المغاربية في كل المجالات، بما فيها المجال الديني، وسعيه الحثيث إلى تحقيق كُل ما تمّ ويتمُ التداول بشأنه في هذا الإطار، مع استحضار مسألة وحدته الترابية”.
أهمّية التنزيل
خالد التوزاني، باحث في الشأن الديني رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، قال إن “تقوّية التعاون الديني بين الدول المغاربية، بما يشمل إنشاء مجامع للفقه المالكي أو الحديث الشريف، أو غيرها من المؤسسات الدينية المغاربية، يستدعيه تشاطر هذه الدول تحدّيات دينية مشتركة، من قبيل الإلحاد والتشيع والتطرف والإرهاب والعُنف والانحرافات الأخلاقية”، مسجّلا أن “توحيد جهود دول المنطقة لمجابهة هذه التحديات، من خلال مؤسسات دينية موحدة تضم ممثلين وخبراء عن كل دولة، يُؤسس لإيجاد حلول ناجعة وقابلة للتنزيل”.
وأضاف التوزاني، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “تبادل الخبرات والمهارات في تنظيم الشأن الديني بين الدول المغاربية، وتكتلها من أجل تأهيل الثقافة الدينية للإنسان المغاربي ليبقى إنساناً متوازنا يجمع بين الدين والدنيا في وسطية واعتدال، على ما تقتضيه الثوابت الدينية المشتركة بينها، لاسيّما المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، خطوات مُهمّة وضرورية لكي تقف هذه الدول سداً منيعاً أمام كل محاولات التأثير الأجنبي، وخاصة الديني والثقافي، في هوية مجتمعاتها”.
وذكّر رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي بأن “المغرب وعى منذ ثمانينيات القرن الماضي بأهمية الوحدة وضرورة الاتحاد المغاربي لمواجهة مختلف التحدّيات المستقبلية، بما فيها الدينية، ولذلك كان سباقاً لمبادرة الاتحاد المغاربي، ومازال إلى اليوم حرصاً على الأخوة الإسلامية التي تربط دول المنطقة المغاربية التي يعتز بالانتماء إليها، ويعمل على تذويب الخلافات وتقريب المسافات ومد يد العون والتسامح إليها”، مضيفا أن “المغرب بهذا يستجيب لمبدأ الوحدة التي نادى بها الإسلام، وعملت مؤسسة إمارة المؤمنين في المملكة المغربية على إشاعتها وترسيخها في المنطقة المغاربية وفي عموم العالم الإسلامي”.
وخلص المُصرّح لهسبريس إلى أنه “لكل هذا ينبغي تسريع إنشاء مجمع الفقه المالكي، كفضاء موحّد ومجمع للحديث الشريف بالمنطقة المغاربية، في ظل التحديات الدينية المشتركة سالفة الذكر، كخطوات قد تمهّد في لتقوية لعمل المشترك في جوانب أخرى اقتصادية واجتماعية تعود بالنفع العميم على شعوب المنطقة، وتخلق بيئة مناسبة للاستثمار والعمل والإنتاج”.
“سعي حثيث”
قال لحسن بن إبراهيم السكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة: “المملكة سعت دائما إلى تحقيق وحدة المغرب الكبير في جميع المجالات، وضمنها الدينية، وما قيام اتحاد المغرب الكبير بمراكش على عهد مولانا الحسن الثاني طيب الله ثراه وتحت رئاسته، وبحضور رؤساء دول المغرب الكبير الشقيقة (ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا) آنذاك في ثمانينيات القرن الماضي، إلا دليل على هذا الاهتمام والرغبة الكبيرة في تحقيق هذه الغاية العظيمة والهدف الأسمى”، مسجّلا أن “المملكة ظلّت وفيّة لتوجُه الوحدة المغاربية في ظل أمير المؤمنين مولانا محمد السادس نصره الله”.
وأوضح السكنفل، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “المجال الديني من أبرز ما حرصت المملكة المغربية منذ عُقود على تحقيق وحدة الرؤية فيه، خصوصا أن الدول المغاربية (ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا) تستند إلى مقومات التدين الوسطي المعتدل القائم على العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف السني”.
وعن أهميّة تسريع إنشاء المؤسسات الدينية المغاربية التي أوصى بها الاجتماع سالف ذكر، في هذا السياق، أكدّ المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة أن “توجه المغرب سيظل قائما على السعي الحثيث إلى تحقيق ما تمّ التداول بشأنه في سائر القطاعات”، منبّها إلى مسألة “ينبغي” استحضارها في هذا السياق، هي “احترام الوحدة الترابية للمملكة التي لا مجال لقبول التطاول عليها تحت أي مسمى من المسميات”.
وشدد المتحدثّ ذاته على أنه “يكفي أن نستحضر هنا أن مقر اتحاد المغرب الكبير هو مدينة الرباط، عاصمة المملكة؛ ما يدل على تمسك المغاربة ملكا وحكومة وشعبا ومؤسسات حكومية ومدنية بتحقيق وحدة المغرب الكبير في جميع المجالات، ومن أهمها المجال الديني؛ وذلك بتنزيل سائر الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها بين حكومات الدول المغاربية”.
المصدر: هسبريس