جرت يوم الأربعاء 29 أكتوبر الجاري مباراة الديربي البيضاوي تحت الأضواء الكاشفة لمركب محمد الخامس بحضور جماهير غفيرة ملأت كل جنبات الملعب. حصيلة هذا الديربي ذو الجذور التاريخية من الناحية الكروية والتقنية نالت حظا كبيرا من السخط والنقد والإدانة والقسوة في الحكم. بل هناك من اتخذه هزءا مثل أحد المحللين في إحدى المحطات الإذاعية حين اقترح أن يــُلعب الديربي في يومين، يوم يخصص للجمهور يقدم فيه إبداعاته، على أن تلعب المباراة في اليوم الموالي بدون جمهور.

مبررات هذا السخط والغضب العارم من قبل الجماهير الكروية والمحللين، الرياضيين مقبولة من الناحية الموضوعية مع اعتبار أن الفريقين معا يمران بظروف رياضية ومالية مرضية ويتوفران على ترسانة جيدة من اللاعبين ووضعيتهما المالية تساعد على تدبير جيد لمنظومتهما الكروية.

ويذهب البعض إلى أن الجماهير برميها للشهب الصناعية وتوقف المباراة أكثر من مرة، ساهمت في تكسر ريتم المباراة خاصة عندما يكون أحد الفريقين في أقوى لحظاته ومتمكنا ميدانيا. كما يرى آخرون أن الفريقين لعبا بتحفظ كبير لا مبرر له خاصة في ظل تواجد لاعبين وازنين مغاربة وأجانب لا تعوزهم الإمكانيات البدنية والتقنية للمبادرة والتقدم نحو الشباك للتهديف. أليست الأهداف هي الغاية من مباراة في كرة القدم ؟ وهي التي تضفي على المنافسة كل الجمال والرونق.

كما أن الظروف المادية واللوجستيكية كانت مهيأة : أرضية عشبية جيدة وجمهور كبير ومواكبة إعلامية في مستوى الحدث وطقس ملائم للغاية.

لكن بالرغم من كل ما سبق أعلاه، دعوني أقول أن الديربي له طبيعته الخاصة وطقوسه الخاصة يلعب فيها العامل الذهني والمعنوي دورا أساسيا. واسألوا قدماء لاعبي الفريقين عن مباراة الديربي وتأثيرها على نفسيتهم قبل اللقاء وبعده إلى درجة أن بعض اللاعبين صرحوا بأنهم لا يستطيعون الخروج إلى الحي في حالة الهزيمة لئلا يتعرضوا للسخرية والمؤاخذة.

وإذا كانت هذه الفترة من تاريخ الديربي، تتميز آنذاك بمشاركة لاعبين كثر من أبناء مدرستي الفريقين تكتسي عندهم المباراة حساسية خاصة وأهمية بالغة عكس باقي المباريات، وإذا كان هذا المعطى قد تغير كثيرا بتقلص عدد أبناء مدرستي الفريقين وتواجد عدد كبير من اللاعبين المحليين القادمين من البطولة الوطنية وكذا اللاعبين الأجانب، فإن الأمر لم يغير من حجم الضغط الذي يعيشه اللاعبون خلال الديربي لأن هذا الضغط أصبح إرثا نفسيا وذهنيا تحمله كل الأجيال بغض النظر عن توفر الظروف اللوجستيكية والفرجوية. ألم يلاحظ هذا التراجع في الأداء التقني والتحفظ المبالغ فيه خلال مباريات أجريت بدون جماهير وعلى أرضيات لا ترقى إلى جودة أرضية مركب محمد الخامس ولسنوات عديدة ؟

ألم يلاحظ أن أغلب مباريات الديربي وحسب الإحصائيات الرسمية انتهت بلا غالب ولا مغلوب ؟ (حوالي 70 تعادلا من بين 139 مباراة أي حوالي نصف عدد المباريات) مما يفضي إلى القول أن الديربي لا تتحكم فيه وضعية الفريقين التقنية ولا تصنيفهما ضمن البطولة الوطنية ولا وضعيتهما المالية ولا ريتم المباراة بفعل التوقف الإجباري، فإلى الأمس القريب شاهدنا خلال منافسات كأس العالم للأندية بالديار الأمريكية كيف كانت المباريات تتوقف لساعات بسبب سوء الأحوال الجوية وتستأنف دون أن يلاحظ أي هبوط في الإيقاع لدى اللاعبين.

إن حصيلة الديربي الأخير تقتضي تحليلا متزنا وواقعيا يأخذ بعين الاعتبار كل الظروف والعوامل المحيطة بالمباراة ولاسيما العامل البشري والذهني، ومخطئ من يعتقد أن الديربيات القادمة ستعرف تحسنا أو تطورا في الأداء التقني مع الطفرة التي تعيشها كرة القدم الوطنية لا سيما على مستوى المنتخبات. بل سيزداد الضغط مع مرور السنوات بصعود جماهير أكثر تعصبا وأقل تحليا بالروح الرياضية.

*متتبع رياضي

المصدر: العمق المغربي

شاركها.