دعم المقاولات الصغيرة.. رهان بـ 12 مليار درهم مهدد بالبروقراطية والمحسوبية

أكدت ورقة بحثية، لمركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، أن مصادقة الحكومة قبل أيام على المرسوم رقم 2.25.342 المتعلق بتفعيل نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جدا، والصغيرة، والمتوسطة، تأتي في سياق تنزيل مقتضيات القانونالإطار رقم 03.22 المتعلق بميثاق الاستثمار الجديد، وتحديدا المادة 20 منه، التي تروم دعم المقاولة الوطنية وتحفيز خلق مناصب الشغل.
وحسب المصدر ذاته، فإن هذه الفئة من المقاولات تشكل أكثر من 90% من النسيج الاقتصادي المغربي، وتسهم بحوالي 75% من مناصب الشغل القارة المسجلة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ما يجعلها ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفاعلا محوريا في محاربة البطالة وخلق التوازن المجالي.
وأشار التقرير إلى أن المرسوم الجديد يرتكز على ثلاث آليات دعم رئيسية، تهدف إلى تيسير ولوج هذه المقاولات إلى التمويل، وتحسين مناخ الأعمال، وتعزيز التنافسية الجهوية والوطنية، كما يخصص غلاف مالي سنوي يناهز 12 مليار درهم لتمويل هذا النظام الجديد، ما يعكس جدية الحكومة في المراهنة على هذه الفئة لتحريك عجلة الاقتصاد.
وتروم هذه المنحة تشجيع المقاولات على التوسع وتوظيف المزيد من العاملين، من خلال دعم مالي مباشر يخصص لكل منصب شغل يتم إحداثه، وتعد هذه الخطوة وسيلة فعالة لمحاربة البطالة، لاسيما في صفوف الشباب والفئات الهشة، كما تفتح المجال أمام تثمين رأس المال البشري وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.
وشدد المركز على أن هذه المنحة تستهدف المقاولات النشيطة في المناطق الأقل حظا من حيث البنيات الاقتصادية، وتسعى إلى تقليص الفوارق المجالية، من خلال دعم مشاريع المقاولات في الأقاليم النائية وتيسير ولوجها إلى السوق، في مسعى لتحقيق تنمية ترابية عادلة ومستدامة.
هذا، وتوجه هذه المنحة للمقاولات العاملة في القطاعات ذات القيمة المضافة المرتفعة مثل الصناعة، التكنولوجيا الرقمية، والطاقات المتجددة، كما تهدف إلى مواكبة التحولات العالمية، وتعزيز الابتكار، وتمكين المقاولات المغربية من التموقع كفاعل اقتصادي فاعل في سلاسل الإنتاج الدولية.
واعتبرت الورقة الاقتصادية أن هذا المرسوم يتجاوز منطق الدعم الكلاسيكي، ليؤسس إطار مؤسساتي وتنظيمي يربط بين خلق فرص الشغل وتحقيق العدالة المجالية، من جهة، ودعم القطاعات الاستراتيجية ذات الإمكانات العالية، من جهة أخرى، كما يشكل ترجمة عملية لميثاق الاستثمار الجديد، الذي يراهن على رفع حصة الاستثمار الخاص إلى ثلثي الاستثمار الإجمالي بحلول 2035.
ورغم أن الغلاف المالي المرصود يعد غير مسبوق، إلا أن عددا من الفاعلين في مجال ريادة الأعمال عبروا عن مخاوفهم من أن تستحوذ المقاولات المتوسطة أو حتى الكبرى نسبيا، التي تملك قدرات تنظيمية وإدارية أكبر، على الجزء الأكبر من هذا الدعم، ما قد يقصي المقاولات الصغيرة جدا التي تعد الأكثر حاجة لهذا التمويل، ويعزو مراقبون ذلك إلى غياب آليات دقيقة تضمن عدالة التوزيع، مما ينذر بتوسيع الهوة بين الفئات المقاولاتية، عوض تقليصها.
وحسب المؤسسة الحثية فمن العوامل التي قد تبطئ تنفيذ المرسوم وتفرغه من مضمونه، هشاشة البنية الإدارية واللوجستية في عدد من الجهات، خاصة النائية منها، فالبيروقراطية، بطء معالجة الملفات، وضعف التنسيق بين المصالح الإدارية، كلها عناصر قد تؤخر صرف الدعم وتحبط المقاولين، خصوصا الشباب منهم، الذين يجدون صعوبات كبيرة في الولوج إلى المعلومة الإدارية أو حتى تقديم ملفاتهم عبر قنوات رقمية فعالة.
ويرى خبراء أن الرهان على الدعم المالي وحده لا يكفي لضمان استمرارية المقاولات، خاصة وأن نجاح المشاريع يستلزم تمكين أصحابها من المهارات الضرورية في مجالات التسيير، التخطيط، التسويق، والتعامل مع الإشكاليات القانونية، غير أن غياب برامج موازية للتكوين والمواكبة قد يحكم على عدد كبير من المشاريع بالفشل، حتى قبل أن تُقلع فعليا.
إشكالية أخرى قد تقوض الثقة في هذا المرسوم تتمثل في غياب الشفافية خلال عملية اختيار المستفيدين، إذ يخشى عدد من المتتبعين أن تتحول العملية إلى حلبة للمحسوبية والزبونية، وهو ما قد يفرغ البرنامج من مضمونه، ويخلق حالة من الإحباط لدى فئة عريضة من حاملي المشاريع.
كل هذه التحديات تظهر أن إنجاح هذا الورش الوطني يتطلب أكثر من مجرد تعبئة مالية، بل يحتاج إلى رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الجانب التنظيمي، الرقمي، والإنساني، من خلال تحسين أداء الإدارة، ضمان النزاهة، وتوفير أدوات التكوين والتتبع.
المصدر: العمق المغربي