درعة تافيلالت.. “كنز سياحي” يحتضر بين صراعات سياسية ومشاريع مؤجلة

رغم غنى جهة درعة تافيلالت بمقومات سياحية استثنائية تجمع بين القصبات التاريخية والمناظر الطبيعية الخلابة، تشهد الجهة تراجعًا مقلقًا في النشاط السياحي والاقتصادي، عزاه مهنيون إلى أزمات هيكلية وتخبطات في التخطيط والتنفيذ. وتشكل ورزازات نموذجًا صارخًا لهذا الوضع، حيث سُجل انخفاض بنسبة 20% في عدد الوافدين السياحيين و11% في الليالي السياحية خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، وفق بيانات المرصد المغربي للسياحة.
هذا التراجع لا يعكس فقط أزمة مؤقتة، بل يكشف، حسب المهتمين، النقاب عن إخفاقات متراكمة في وضع استراتيجيات تنموية قادرة على الاستفادة من الإمكانات الهائلة للجهة، في ظل صراعات سياسية وغياب رؤية واضحة لتفعيل المشاريع السياحية. فهل تستمر درعة تافيلالت أسيرة الوعود المؤجلة أم تُفتح أبواب الأمل أمام مستقبل تنموي حقيقي؟
الزوبير بوحوت، الخبير في القطاع السياحي، كشف في تصريح لـ “العمق” أن جهة درعة تافيلالت تواجه تحديات تنموية كبرى نتيجة تراكمات سياسية وإدارية، رغم أن المنطقة تُعد واحدة من أغنى المناطق السياحية في المغرب بفضل ما تزخر به من قصبات وقصور ومناظر طبيعية تشمل الصحاري والجبال والتنوع البيولوجي.
وأشار بوحوت إلى أن جهة درعة تافيلالت تعاني من تأخر كبير في التنمية السياحية والاقتصادية بسبب غياب برامج تنموية فعالة، موضحًا أن الجهة تُعد الوحيدة في المغرب التي لم يتم المصادقة على برنامجها التنموي خلال السنوات الماضية، نتيجة صراعات سياسية وتأخيرات إدارية مستمرة منذ انفصالها عن جهة سوس ماسة.
وأضاف المتحدث في تصريحه لـ “العمق” أن البرنامج التنموي الحالي للجهة، الذي أُعد في الأصل من قِبل الحكومة السابقة، يعاني من غياب التطبيق الفعلي. كما أن البرنامج تم إعداده في الأصل من طرف مكتب المجلس السابق، وقام المكتب الحالي فقط بتحيينه عبر إضافة بعض التعديلات البسيطة. وأشار إلى تقليص الميزانية الخاصة بالبرنامج من 45 مليار درهم إلى 15 مليار درهم بناءً على طلب وزارة الداخلية لتقديم خطة قابلة للتنفيذ.
وأوضح الخبير السياحي أن البرنامج التنموي الحالي يتضمن مشروعًا سياحيًا بقيمة 1.4 مليار درهم، إلا أن هذا المشروع لم يُفعَّل بعد، مشيرًا إلى أن توزيع الموارد بين أقاليم الجهة وشركات التنفيذ يواجه عراقيل بسبب صراعات حول الجهة المسؤولة عن تنفيذ المشاريع.
وفي هذا الصدد، أكد المهني أن شركة الهندسة السياحية “لاسميت” والشركة الجهوية للتنمية السياحية بدرعة تافيلالت كانتا مرشحتين لتنفيذ هذه المشاريع، إلا أن نزاعات حول الصلاحيات أوقفت العمل. وأضاف أن الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع، التي تشرف على مشاريع أخرى مثل البنية التحتية والمياه، ليست مجهزة لتنفيذ مشاريع سياحية تتطلب خبرة متخصصة.
هذا، وقارن بوحوت بين وضع الجهة ومدن أخرى مثل مراكش والصويرة، حيث تُنفذ مشاريع سياحية كبرى. ففي الصويرة، تم توقيع استثمار ضخم بقيمة 2.3 مليار درهم لتطوير مرافق سياحية وإضافة 500 سرير، مما يخلق دينامية اقتصادية كبيرة. أما برنامج التنمية لجهة مراكش، فيتضمن مشاريع مهيكلة تتجاوز 4 مليارات درهم، من بينها منتجع للتنشيط والترفيه بقيمة 3 مليارات درهم وقصر للمعارض والمؤتمرات بما يقارب مليار درهم.
في المقابل، اعتبر المتحدث أن جهة درعة تافيلالت تواجه ضعفًا في البنية التحتية السياحية، مع إغلاق أكثر من 10 فنادق في ورزازات وحدها، ونقص حاد في الغرف الفندقية القابلة للتسويق، حيث لا يتجاوز العدد الإجمالي 5000 غرفة.
وحسب المهني، فإن تراجع القطاع السياحي ينعكس مباشرة على قطاع السينما، الذي يُعد شريانًا اقتصاديًا حيويًا للمنطقة. وأكد أن نشاط سنة واحدة من القطاع السياحي في مراكش يعادل ما تحققه درعة تافيلالت في 27 سنة، محذرًا من أن الفجوة قد تصل إلى نصف قرن، بمعنى أن سنة من النشاط بجهة مراكش ستساوي نصف قرن من النشاط بجهة درعة تافيلالت في أفق 2030.
وخلص بوحوت حديثه بالتأكيد على ضرورة تجاوز الخلافات الإدارية والسياسية، وتفعيل الشركات الجهوية للتنمية السياحية، وإعادة النظر في البرامج التنموية بما يضمن الاستفادة القصوى من الإمكانيات السياحية الهائلة التي تزخر بها الجهة.
جدير بالذكر أن الملك محمد السادس دعا إلى المرور إلى السرعة القصوى لتنزيل الجهوية المتقدمة، كما حث على ضرورة إجراء وقفة تقييمية للأشواط التي تم قطعها في هذا المضمار، منبهًا إلى سبعة تحديات راهنة ومستقبلية يجب مواجهتها لضمان تفعيل أمثل لهذا الورش.
وللإشارة، فقد أشار الملك محمد السادس في رسالة للمشاركين في المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة، التي تنعقد يومي 20 و21 دجنبر الجاري بمدينة طنجة، إلى أن الولاية الانتدابية الأولى قد تزامنت مع إحداث وتفعيل مختلف هياكل مجالس الجهات، واستكمال إصدار النصوص التطبيقية للقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، وكذا اعتماد أولى وثائق التخطيط وبرامج التنمية، وإصدار الميثاق الوطني للاتمركز الإداري
المصدر: العمق المغربي