كشفت دراسة ميدانية حديثة أن 85 بالمائة من الشباب المغاربة لم يستفيدوا من البرامج الاجتماعية والثقافية الموجهة لهم، مؤكدين أن أولويتهم هي التشغيل والصحة والتعليم.
وحسب دراسة للمركز المغربي للشباب والتحولات الديمقراطية، حول “أولويات الشباب المغربي اليوم: ماذا يريد الجيل الجديد؟”، تتوفر جريدة “” على نسخة منها، فإن “أغلبية مطلقة من الشباب أي ما يقارب أربعة أخماس العينة بما يناهز 85,5 بالمائة، لم تستفد من البرامج الاجتماعية أو الثقافية الموجهة لهذه الفئة بالأساس”.
وسجلت الدراسة أن “هذه النسبة المرتفعة لا تمثل مجرد مؤشر إحصائي، بل تكشف عن خلل بنيوي عميق في السياسات العمومية الخاصة بالشباب”، مضيفة: كيف يمكن تقبل أن تظل الفئة الأكثر عدداً داخل المجتمع خارج نطاق الاستفادة من مبادرات أنشئت بالأساس اخدمتها؟ إن هذا الواقع يعكس إشكاليات متداخلة على ثلاثة مستويات قصور في إعداد البرامج، اختلالات تنفيذها، ثم ضعف في آليات التواصل والتعريف بها”.
وقدم المشاركون في الدراسة تقييماً عاماً لأوضاع خمسة مجالات أساسية الشغل، التعليم، الصحة الثقافة، العدالة الاجتماعية ومن خلال توزيع الإجابات يتضح أن الغالبية العظمى وضعت هذه المجالات ضمن خانة “ضعيف” أو “متوسط”، في حين لم تتجاوز نسبة من صنفوها “جيد” أرقاماً جد محدودة، بينما ظهر جزء صغير جداً من المستجوبين يختار “لا أعرف”.
تقييم ضعيف للتشغيل والصحة والتعليم
فيما يخص الشغل احتل تقييم ضعيف” النسبة الكبرى مقارنة ببقية التصنيفات، مع حضور نسبي التقييم متوسط” وعدد محدود اعتبر الوضع جيداً، ما يعكس، حسب تعبير الدراسة، انشغال الشباب بقضية البطالة والهشاشة التي تطبع سوق العمل عندما يرى أغلب الشباب أن أوضاع الشغل ضعيفة، فهذا يعكس تصورهم بأن فرص الإدماج محدودة، وأن العرض المتاح لا يستجيب لتطلعاتهم سواء من حيث الكم أو الكيف من جهة أخرى.
أما من اعتبر الوضع متوسطاً يترجمون حالة من التردد بين الوعي بوجود بعض المبادرات والإصلاحات وبين إدراك محدودية نتائجها أما الفئة الصغيرة التي صنفت الوضع بالجيد فهي أقلية لا تعكس الصورة العامة، مما يكشف أن رضا الشباب في هذا المجال ضعيف جداً.
وبالانتقال إلى التعليم. سجلت الدراسة أن التقييمات انقسمت بين “ضعيف” و “متوسط”، مع غلبة التوجهات السلبية هذا يدل على أن الشباب يعيشون تجربة تعليمية غير مرضية من حيث الجودة والتكافق، أما اختيار “متوسط” عند نسبة ملحوظة يعنى أن هناك وعياً بوجود إصلاحات أو محاولات تطوير، لكنها لم تحقق بعد النتائج المرجوة كما أن نسبة جيد” ظلت محدودة وهو ما يعكس أن الثقة في المدرسة أو الجامعة كمؤسسة للارتقاء الاجتماعي والمعرفي ليست واسعة هذه النتائج تعكس أن التعليم لم يعد في نظر الشباب قناة مضمونة لتحسين الوضع الاجتماعي والمهني، بل بات مجالاً متأثراً بتفاوتات جهوية وهيكلية.
أما الصحة، فقد حازت على نسبة عالية جداً من التقييم “ضعيف”، وهو ما يكشف عن إدراك جماعي المحدودية المنظومة الصحية، حين ترى الأغلبية أن وضع الصحة ضعيف، فهذا يشير إلى التجارب اليومية. للشباب مع ضعف البنية التحتية الصحية أو طول أجال الانتظار أو غياب الخدمات المتكافئة بين المناطق اختيار متوسط عند شريحة أخرى يدل على اعتراف ببعض التحسينات الطارئة مثل توسيع التغطية الصحية أو برامج إصلاح القطاع، لكن دون أن تغير الصورة العامة بينما نسبة “جيد” تكاد تكون هامشية.
وحسب المصدر ذاته فإن هذه المعطيات تؤكد أن الخدمات الصحية لم تحقق مستوى يرضي هذه الفئة. هذه القراءة تبرز أن الصحة بالنسبة للشباب لا تزال مرتبطة أكثر بالمعاناة والتحديات من كونها مجالاً يوفر الاطمئنان والإنصاف
وفي مجال الثقافة، جاءت النتائج متقاربة بين “ضعيف” و “متوسط”، وهو ما يعكس تردداً في الموقف من السياسات الثقافية الشباب يرون أن المجال الثقافي لا يحظى بالاهتمام الكافي سواء من حيث البنية التحتية أو من حيث تنويع العرض والأنشطة التقييم “متوسط” قد يعكس أن بعض المدن أو الشرائح تستفيد من مبادرات ثقافية محدودة”.
وأشارت إلى أن هذه التجارب لا تتوسع لتشمل الجميع، ضعف نسبة “جيد” يكشف أن المجال الثقافي ما يزال بعيداً عن أن ينظر إليه كرافعة حقيقية للتنمية والاندماج الاجتماعي ومن ثم، فإن الثقافة لا تظهر في وعي الشباب كمجال يوفر فرصاً متساوية للتعبير والإبداع، بل كمساحة فيها الكثير من الفوارق
وبالنسبة إلى العدالة الاجتماعية، جاءت معظم الأجوبة بين “ضعيف” و “متوسط”، مع حضور نسبي أعلى من “لا أعرف” مقارنة بباقي المجالات هذا التوزيع يعكس أن الشباب يشعرون بغياب المساواة في توزيع الفرص والخدمات، وبأن العدالة الاجتماعية كقيمة وممارسة لا تتحقق كما يجب تقييم “متوسط” بدل على أن بعض الفئات تلاحظ جهوداً لتقليص الفوارق لكن ذلك لا يصل إلى حد الإقناع.
في المقابل، ارتفاع “لا أعرف” في هذا المجال يكشف عن تعقيد المفهوم وصعوبة ربطه بتجربة يومية واضحة كما هو الحال مع الصحة أو التعليم، وبالتالي، فالمؤشرات توضح أن العدالة الاجتماعية بالنسبة للشباب هي فكرة أكثر منها واقعاً ملموساً، وهو ما يجعل تقسيمها متردداً ومتفاوتاً.
المصدر: العمق المغربي