بعنوان “الدعم العمومي، البحث والتطوير والابتكار داخل المقاولات في البلدان النامية: حالة المغرب”، اقتفى بالتحليل والدراسة باحثون اقتصاديون مغاربة من جامعة ابن طفيل (قسم الاقتصاد) “آثار التمويل العمومي على الابتكار والبحث والتطوير” على أداء ونشاط المقاولات المغربية في النسيج الاقتصادي.
الدراسة التي نشرت حديثا بالمجلة العلمية “Journal of Innovation Economics & Management” (مجلة اقتصاديات الابتكار والإدارة)، أوضحت، ضمن أبرز نتائجها، أن “هذا الدعم، رغم محدوديته من حيث الانتشار، فإن له تأثيرا إيجابيا وملحوظا على جهود ونتائج البحث والتطوير (R&D)”.
وبالاعتماد على معطيات استقاء أجراه البنك الدولي (Enterprise Survey” (2019″، شملت الدراسة العلمية عينة مكوّنة من 1096 مقاولة مغربية تنتمي إلى قطاعات متعددة (الصناعة، التجارة، والخدمات) مع ضمان تغطيتها لجهات مختلفة من المغرب.
ولتقييم “محددات الولوج إلى التمويل وتأثيراته الفعليّة”، اعتمد الباحثون الأربعة (وهم مريم لواء الدين، أيوب السعدي، هشام وكيل، ومحمد حُسني) مقاربتين اقتصاديتيْن (مبنيتين على تقنيات حسابية في الاقتصاد التطبيقي): “نموذج Probit لتحديد خصائص المقاولات الأكثر احتمالاً للحصول على الدعم”، و”طريقة مطابقة الدرجات المرجّحة (Propensity Score Matching PSM) لقياس الأثر السببي للدعم العمومي على الابتكار، مع ضبط تحيّزات الاختيار”.
نتائج كاشفة
بحسب معدّيها وخلاصات طالعتها جريدة هسبريس في نسخة كاملة للدراسة، جاءت النتائج “كاشفة”: فقط 9.2 في المائة من المقاولات صرّحت بتلقيها دعما عموميا موجّها للبحث والتطوير.
كما وجدت أن “هذا الدعم يستهدف بالأساس المقاولات التنافسية، التي استثمرت في تكنولوجيا المعلومات (مثل امتلاك موقع إلكتروني)، وتشغّل يدا عاملة ذات مستوى تعليمي عال”، لافتة الانتباه إلى “زيادة هذه الخصائص بشكل كبير من فرص التأهل للحصول على منح عمومية”.
لكن، وعلى الرغم من محدودية الولوج، فإن الدراسة تسلّط الضوء على “الأثر الفعلي لهذا الدعم”.
وفي التفاصيل، خلص الباحثون الاقتصاديون إلى أن “المقاولات المستفيدة تسجّل زيادة بنسبة 41 في المائة في احتمال تنفيذ أنشطة بحث وتطوير داخلي، و51 في المائة في البحث والتطوير الخارجي، مقارنة بنظيراتها غير المستفيدة”. كما أن احتمال “إيداع براءة اختراع يرتفع بنسبة 54 في المائة، واحتمال تبنّي تكنولوجيا أجنبية يرتفع بنسبة 46 في المائة لدى المقاولات المدعومة”.
هذه النتائج، المدعومة إحصائيا ببيانات وجداول، أكدت أن “الدعم العمومي يشكّل رافعة قوية للابتكار، سواء في المرحلة التمهيدية (الجهود) أو في المُخرجات (النتائج المحققة)”.
توصيات رئيسية
بعد تحليل ومناقشة النتائج، أفضى المصدر البحثي ذاته إلى توصيات رئيسية عدة، من بينها: “توسيع قاعدة الاستفادة لتشمل المقاولات الصغيرة والمتوسطة، التي تُقصى غالبا رغم إمكانياتها الابتكارية”.
كما أوصى منجزو الدراسة بـ”تعزيز استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال، والرفع من كفاءة الرأسمال البشري، باعتبارهما عنصرين حاسمين في قدرة المقاولات على صياغة مشاريع مؤهلة للدعم”، وشدّدوا على محورية إجراء “تبسيط إجراءات تقديم الطلبات وتتبع المساعدات، لضمان استهداف أفضل ونجاعة أكبر للسياسات العمومية”.
جدير بالذكر أن معطيات “Enterprise Survey” المنجز من قبل البنك الدولي (2019) ـــ وهي قاعدة البيانات المعتمدة في الدراسة ـــ تشير إلى أن 13.3% من المقاولات المغربية صرّحت بأنها تخصص نفقات للبحث والتطوير.
وتؤكد هذه الدراسة أنه “وإنْ كان الدعم العمومي للابتكار لا يزال محدودا في المغرب، فإن أثره على دينامية الابتكار ملموسٌ وجوهري”، معتبرة أن “انتهاج سياسة أكثر شمولا واستراتيجية من شأنه أن يعزّز هذا الأثر ويسهم في رفع تنافسية المقاولات والنمو الاقتصادي الوطني”.
وبشكل متسق، ترسخ الدراسة فكرة أن “الدعم العمومي له تأثير إيجابي على كل من قرار المقاولة بالانخراط في أنشطة الابتكار، وأدائها في هذا المجال”.
المصدر: هسبريس