تقدم هذه المقالة إحدى النتائج المهمة للدراسة التي أنجزتها جمعية الدراسات والأبحاث من أجل التنمية في إطار الاتفاقية التي تربطها مع مجلس جهة الدار البيضاءسطات، بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وجامعات الحسن الثاني بالدار البيضاء والحسن الأول بسطات وشعيب الدكالي بالجديدة، حول إدماج الشباب عبر الثقافة.

ولقد همت هذه الدراسة 220 شابا وشابة تتراوح أعمارهم بين 15 و44 سنة. ولقد تم تقديم نتائج هذه الدراسة يوم 22 نونبر الماضي خلال الملتقى الثالث لشباب جهة الدار البيضاءسطات؛ بمركب مولاي رشيد للشباب والطفولة ببوزنيقة.

ونعرض هنا فقط النتائج المتعلقة بمفهوم الشباب للثقافة وبنوعية الأنشطة الثقافية التي لها تأثير على حياتهم الاجتماعية اليومية من الطفولة حتى الجامعة.

1ـ مفهوم الثقافة لدى الشباب

تمثل الثقافة بالنسبة للشباب مجموعة القيم والتقاليد والممارسات والمعارف التي تميز مجتمعا وتنتقل من جيل إلى جيل. وهي تشمل الفنون، مثل الموسيقى بجميع أنواعها والآداب والمسرح والحلقة، وأنماط الحياة والمعتقدات والسلوكيات الاجتماعية التي تحدد هوية شعب معين في مرحلة معينة من تاريخه.

تشكل الثقافة كذلك بالنسبة للشباب تراثا وقيما جماعية، وشعورا مشتركا بالانتماء إلى الوطن، وأيضا وسيلة للانفتاح والحوار بين الشعوب؛ لأنها تسمح بفهم واحترام تنوع العالم. فالثقافة تلعب دورا أساسيا في بناء الهوية الفردية والجماعية، والتماسك الاجتماعي مع تشجيع الفكر والإبداع.

ويرى الشباب أن الأنشطة الثقافية تشمل مكونات عديدة. المكون الأول يتعلق بالفنون والتعبيرات الفنية، بما في ذلك الموسيقى والرقص والمسرح والسينما والآداب والفنون البصرية والحقلة، التي تشكل جوهر الممارسات الثقافية إذ تسمح بالتعبير الفردي والجماعي.

المكون الثاني هو التراث الثقافي، الذي يشمل التراث المادي، كالآثار والمتاحف والمواقع التاريخية، والتراث غير المادي كاللغات والتقاليد. ويرى الشباب أن هذا البعد ضروري للحفاظ على القيم الثقافية ونقلها عبر الأجيال.

أما المكون الثالث فهو التعليم والتدريب الثقافي، بما في ذلك المؤتمرات والمعارض والأنشطة المدرسية والجامعية التي تشجع على اكتساب المعرفة وتنمية الحس الفني.

من ناحية أخرى، يشدد الشباب على أهمية التبادل الثقافي والأنشطة المجتمعية، مثل المهرجانات الدولية وأنشطة الجمعيات والنوادي الثقافية والرحلات التعليمية، التي تتيح الانفتاح على ثقافات أخرى وتعزز الروابط الاجتماعية.

وأخيرا، أبرز الشباب الأهمية المتنامية للثقافة الرقمية والإعلامية التي بدأت تشكل لديهم عنصرا حديثا مهما، يشمل إنتاج ونشر المحتوى الثقافي عبر الإنترنت والشبكات الاجتماعية والمنصات المتعددة الوسائط؛ مما يوفر أشكالا جديدة للوصول إلى الثقافة والمشاركة فيها.

2ـ الأنشطة الثقافية الأكثر تأثيرا في حيات الشباب

من النتائج المهمة لهذه الدراسة هي أجوبة الشباب حول الأنشطة الثقافية التي تركت أثرا كبيرا في حياتهم من الطفولة حتى الجامعة.

مرحلة الطفولة:

يؤكد العديد من المشاركين الشباب في هذه الدراسة أن الأنشطة الثقافية التي تركت أثرا كبيرا في حياتهم الاجتماعية اليومية خلال طفولتهم متنوعة؛ ولكنها تشترك جميعها في طابعها التربوي والاجتماعي والعاطفي. ويذكر الكثير منهم الأعياد والمناسبات الدينية، كعيد الأضحى وعيد الفطر وذكرى المولد النبوي وليلة القدر، والاحتفالات التقليدية والمحلية مثل حفلات الزفاف والمواسم والسيرك، مثل موسم مولاي عبد الله، والتبوريدة، والمهرجانات الشعبية، وعاشوراء، وكذلك الاحتفالات الوطنية كالمسيرة الخضراء، وعيد الاستقلال، وعيد العرش.

ويؤكد الشباب أن هذه الأحداث، في معظمها، تشكل مناسبة للفرح والتجمع العائلي والإبداع؛ ولكنها كانت أيضا فرصة للانغماس في العادات والقيم الثقافية، يكتشفون عبرها الهوية والموسيقى والرقص والملابس التقليدية والأطباق المغربية الأصيلة، مما ساهم في تعزيز شعورهم بالانتماء الثقافي، وبالتالي في تمغربيت في تجلياتها الشعبية العميقة.

كما أبرز الشباب تأثير الأسرة ووسائل الإعلام في اكتشافهم الثقافي وتطور خيالهم؛ فقد لعبت القصص التي يرويها الآباء أو الأجداد، والأغاني الشعبية والإنشاد الديني، والألعاب اليدوية وألعاب الشوارع، وحتى بعض البرامج التلفزيونية، دورا مهما في نقل القيم والتقاليد.

ويشير آخرون إلى الزيارات المدرسية إلى المعارض الثقافية، مثل المعرض الدولي للكتاب والنشر، والمتاحف، والمراكز الثقافية والمكتبات (قراءة الكتب والروايات والقصص المصورة)، والمعالم التاريخية والمواقع التراثية، والتي غالبا ما كانت تنظم في إطار المدرسة والرحلات العائلية، مثل زيارات الأجداد في القرى والقرى الصغيرة. كانت هذه الرحلات تُعتبر فرصا لاكتشاف التراث وتنمية حبه واحترامه. غالبا ما أثارت هذه التجارب فضولهم واهتمامهم بالتاريخ والثقافة.

كما ذكر الشباب الأنشطة الفنية التي يتم تنظيمها في المدارس والمخيمات ودور الشباب أو في المراكز الفنية المخصصة، مثل عروض نهاية السنة ومسابقات الرسم، كمسابقات الخط الإسلامي والعربي، وورش الفخار، مثل ورش الفخار في دار الثقافة في المحمدية، ورش الغناء أو المسرحيات، وعروض الدمى المتحركة. فهذه الأنشطة كلها كانت تتيح للأطفال التعبير عن إبداعهم والعمل الجماعي واكتشاف متعة الإبداع الثقافي والفني، وبالنسبة للكثيرين، كانت هذه الأنشطة بمثابة تجربة أولى لتقدير الثقافة.

بالإضافة إلى ذلك، أشار بعض الشباب إلى شبكات التواصل الاجتماعي التي سمحت لهم باكتشاف الثقافة المحلية بشكل أكبر وثقافة مناطق أخرى من المغرب، ولا سيما الثقافة الأمازيغية والصحراوية الحسانية.

وبشكل عام، تظهر الإجابات أن الأنشطة الثقافية التي عاشها الشباب خلال طفولتهم تركت لديهم أثرا كبيرا على الصعيد العاطفي والهوياتي والتعليمي والتربوي، كما ساهمت في تشكيل فضولهم وانفتاحهم الذهني وتعلقهم بالثقافة الوطنية.

مرحلة الشباب:

أشار العديد من المشاركين الشباب في هذه الدراسة إلى الأنشطة الثقافية والفنية للجمعيات (القراءة، المناقشات الثقافية، المسرح، الجرافيتي، الموسيقى…) والمسابقات الثقافية في المدارس الثانوية أو دور الشباب، وزيارات المتاحف ودور السينما والمعالم التاريخية والمواقع التراثية، التي توفر تجارب تعليمية ملموسة وتتيح لهم التعرف بشكل أفضل على ثقافة بلدهم وتاريخه وتراثه. وتُعتبر هذه الأنشطة أساسية لتنمية معارفهم وزيادة الاهتمام بالثقافة والاندماج في المجتمع والدفاع عن الهوية. كما تشجع هذه الأنشطة التعبير الإبداعي والتعاون مع الآخرين وتحقيق الذات.

وأخيرا، يشير بعض الشباب إلى تأثير نوادي القراءة والفعاليات الفنية كالمهرجانات ووسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، التي تساهم في إثراء الخيال وتعزيز الارتباط بالتقاليد الثقافية وتطوير سلوك يتسم بالهوية واللغة المغربيتين.

وبشكل عام، تشير الدراسة إلى أن هذه الأنشطة الثقافية لعبت دورا مهما في بناء الهوية والحساسية الفنية والانفتاح الثقافي لدى الشباب.

مرحلة الجامعة:

أبرز المشاركون الشباب في هذه الدراسة العديد من الأنشطة الثقافية التي تركت أثرا خاصا عليهم خلال حياتهم الطلابية. وفي هذا الصدد، أشارت الغالبية أولا إلى مشاركتهم في المهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية التي نظمت داخل الجامعة؛ مثل الأيام الثقافية: كاليوم الثقافي لقسم اللغة الإنجليزية في ابن مسيك، والفعاليات الثقافية للطلاب المغاربة أو الأجانب، ولا سيما الأفارقة منهم، والعروض، والمعارض، والأفلام، والمسرح. وقد اعتبرت هذه التجارب فرصا لتوسيع آفاقهم واكتشاف أشكال جديدة من التعبير الفني وتعزيز الروابط الاجتماعية مع زملائهم من الطلبة.

كما أبرز العديد من الشباب دور المؤتمرات والمناقشات واللقاءات مع المثقفين والفنانين والخبراء، وأهمية برامج الماجستير المتخصصة مثل ماجستير الإدارة الثقافية في المحمدية، التي سمحت بتعميق المعرفة والمشاركة النشطة في الحياة الثقافية. بالإضافة إلى ذلك، تتيح التخصصات الجامعية مثل الأدب الإنجليزي أو الفرنسي أو الإسباني اكتشاف جوانب ثقافية أخرى، وتطوير الانفتاح الذهني، وقبل كل شيء النظر إلى الثقافة من منظور البحث العلمي باعتبارها بعدا أساسيا لتنمية أي بلد وللإنسانية، وعنصرا حيويا لتنمية الفكر المتقدم.

وذكر العديد من الشباب أيضا ورشات العمل والأندية والجمعيات الثقافية والفعاليات التي شاركوا فيها في المكتبات، والتي سمحت لهم بتنمية مهاراتهم الفنية وإبداعهم وروح التعاون لديهم. ولقد ساهمت هذه الأنشطة كلها في نموهم الشخصي وانفتاحهم على ثقافات متنوعة.

وعلاوة على ذلك، شدد الشباب على أهمية الرحلات الثقافية وزيارات المتاحف والمواقع التاريخية والتراث المحلي في إطار الدراسة أو الأنشطة المنهجية. وقد ساهمت هذه التجارب في تعزيز معرفتهم بالتراث الوطني والدولي وأثرت فهمهم الثقافي.

وأخيرا، تظهر الدراسة أن الأنشطة الثقافية التي يعيشها الشباب خلال الحياة الطلابية لها تأثير كبير على التنمية الشخصية والحساسية الثقافية والانفتاح الذهني لديهم.

وبناء على نتائج هذه الدراسة تتبين أهمية ادماج الشباب عبر الثقافة في تقوية الهوية الوطنية، وفي تملك مختلف مكونات الرأسمال غير المادي المشترك، وفي معرفة الخصوصيات الثقافية المحلية، وتطوير الحس الفني والابداعي الفردي والجماعي، وانفتاح الثقافة الوطنية على الثقافات والحضارات العالمية وعلى الأجيال الجديدة من الأنشطة الثقافية والوسائل والوسائط التي تتيحها؛ مما يتطلب بلورة سياسات عمومية مبنية على لوحات فحص دقيقة لواقع الشأن الثقافي الوطني وللتحولات التي يعرفها. وكل هذا انطلاقا من تنوع وتعقد وغنى الحقل الشبابي المغربي بمشاكله، وتحدياته وتطلعاته وطموحاته وأحلامه.

* رئيس جمعية الدراسات والأبحاث من أجل التنمية

المصدر: هسبريس

شاركها.