اخبار المغرب

دحمان: ضعف النقابات يغذّي صعود التنسيقيات ويفاقم الاحتقان في قطاع التعليم

أقر عبد الإله دحمان، نائب الأمين العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، بتراجع الحضور النقابي في الشارع خلال السنوات الأخيرة، مقابل صعود لافت للتنسيقيات التي باتت تفرض وجودها في مختلف المعارك الاجتماعية، لا سيما في قطاعات التعليم والصحة.

وفي معرض رده على الانتقادات الموجهة للنقابات بفقدان جزء كبير من مصداقيتها، لم ينكر دحمان، الذي حل ضيفا على برنامج “نبض العمق”، وجود اختلالات داخل بعض الأجهزة النقابية، مشيرا إلى ما وصفه بـ”أزمة خطاب، وأزمة قيادة، وأزمة قيم”. ودعا إلى مراجعة جذرية للنموذج التنظيمي والخطابي للنقابات حتى تواكب تحولات العصر، قائلا: “نحن أمام جيل الفيسبوك وتويتر والذكاء الاصطناعي، والتنظيمات التقليدية لم تعد تجدي.”

وأضاف القيادي النقابي أن نسبة التغطية النقابية بالمغرب لا تتجاوز 7%، أي أن أغلبية الشغيلة المغربية توجد خارج التأطير النقابي، وهو ما اعتبره نتيجة لتراكمات ساهمت فيها الحكومات المتعاقبة، التي استهدفت دور النقابات، كما ساهمت فيها بعض الممارسات البيروقراطية داخل النقابات نفسها، من بينها غياب الديمقراطية الداخلية، واستمرار بعض القيادات لسنوات دون تجديد.

ولم يخف دحمان وجود “الريع النقابي” و”لصوص النقابات”، كما سمّاهم، داعيا إلى تفعيل قانون النقابات وتمكين المجلس الأعلى للحسابات من مراقبة مالياتها، في خطوة نحو بناء مشهد نقابي نزيه وشفاف يليق بثقة الشغيلة.

كما أقر بوجود حالات “تواطؤ” داخل بعض النقابات مع الحكومة في تمرير إصلاحات لا تحظى بالإجماع، مستشهدا بحالة النظام الأساسي للتعليم الذي وُضع سنة 2003، قائلا إن تعديله بدأ منذ 2004 بسبب الاختلالات التي رافقته.

في المقابل، شدد دحمان على أهمية النقابات كشريك أساسي في ضمان الاستقرار الاجتماعي، مؤكدا أن المعركة الحقيقية اليوم ليست فقط من أجل المطالب المادية، بل من أجل محاربة الفساد والريع، وتنقية الاقتصاد الوطني من الامتيازات غير المشروعة.

وحول أسباب جمود الحوار في قطاع التعليم، أرجع عبد الإله دحمان سبب ذلك إلى غياب الاستقرار المؤسساتي وتهميش الحوار الاجتماعي. وقال دحمان إن وزارة التربية الوطنية عرفت خلال العقود الأخيرة تداول أكثر من 33 وزيرا، مما حال دون تحقيق استقرار في التوجهات والسياسات، مشيرا إلى أن “قطاع التعليم أصبح ضحية لتعديلات حكومية متكررة، في كل مرة يكون من أول القطاعات المستهدفة بالتغيير.”

وأكد دحمان أن هذا الوضع أثر سلبا على استمرارية المقاربات الإصلاحية، لافتا إلى أنه مع الوزير السابق كان هناك تقدم نسبي في الحوار القطاعي، بينما الوزير الحالي لم يلتق بنقابته بعد، وهو ما يدفع الجامعة الوطنية لموظفي التعليم للجوء إلى القضاء من أجل الدفاع عن حقها في الحوار الذي يضمنه الدستور.

وأبرز القيادي النقابي أن تأخر الوزير في فتح قنوات التواصل لا يمثل رفضا صريحا، لكنه يعكس تماطلا غير مبرر، محذرا من أن “الوزير الذي لا ينفتح على النقابات يساهم بشكل مباشر في تعطيل الحوار الاجتماعي، ويفتح الباب أمام تنامي أشكال تنظيمية بديلة، من ضمنها التنسيقيات.”

وفي هذا السياق، شدد دحمان على أن التنسيقيات ليست ظاهرة طارئة بل إفراز طبيعي لدينامية احتجاجية مشروعة، وقال: “أنا لست ضد التنسيقيات، بل نحترمها ونتفهم دوافعها، لكن سلوك بعض المسؤولين هو ما يهيئ التربة لظهورها وانتشارها.”

واعتبر المتحدث أن التحدي الأساسي يكمن في الالتزام بمخرجات الحوار والاتفاقات السابقة، على غرار اتفاق 26 أبريل 2011، داعيا الوزارة إلى تدبير محكم لملف النظام الأساسي الجديد الذي ضُخ له ما يناهز 19 مليار درهم دون أن يواكب ذلك معالجة عادلة للفئات المتضررة.

وأشار دحمان إلى تعدد هذه الفئات، بدءا من المتصرفين التربويين والدكاترة والمبرزين والتقنيين، وصولا إلى “ضحايا النظام الأساسي” من أساتذة زنزانة 10 و11، مضيفا أن “التأويل السلبي لمقتضيات مثل المادة 81، وغياب رؤية موحدة لإحداث الدرجة الجديدة، يفاقم الغضب داخل الساحة التعليمية.”

وختم دحمان بالتنبيه إلى أن تهميش النقابات لا يؤدي فقط إلى إضعاف دورها التأطيري، بل يسهم في تنامي أنماط احتجاجية قد تخرج عن السيطرة، قائلا: “حينما تضعف النقابات، فإن دينامية الشغيلة ستبحث عن قنوات أخرى للتعبير، من بينها التنسيقيات التي اعتبرها شريكا واقعيا في الميدان.”

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *