“داء العطب قديم”.. هل تنجح وصفة بورقية في علاج أسقام التعليم؟

عيّن الملك محمد السادس، أمس الجمعة، رحمة بورقية رئيسة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، خلفا للحبيب المالكي. ويأتي هذا التعيين في سياق نقاش واسع حول وضعية المدرسة المغربية، في ظل التحديات المرتبطة بجودة التعليم، تكافؤ الفرص، وإصلاح المناهج.
وُلدت رحمة بورقية سنة 1949 بمدينة الخميسات، وهي أستاذة جامعية متخصصة في علم الاجتماع. شغلت عدة مناصب أكاديمية وإدارية، من بينها رئاسة جامعة الحسن الثاني بالمحمدية، حيث كانت أول امرأة تتولى هذا المنصب في المغرب. كما سبق لها أن أدارت الهيئة الوطنية للتقييم التابعة للمجلس الذي تتولى اليوم رئاسته، وكانت عضوا بأكاديمية المملكة المغربية.
حصلت بورقية على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، ونالت جوائز أكاديمية مرموقة، من بينها جائزة “مالكولم كير” في الولايات المتحدة عام 1988، إلى جانب دكتوراه فخرية من جامعات دولية. كما ألقت محاضرات في جامعات أمريكية وأوروبية وعربية، وعملت مستشارة لعدد من المنظمات الدولية. ونشرت العديد من الأبحاث حول المجتمع المغربي، باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، ومن بين مؤلفاتها “الدولة، السلطة والمجتمع”، و”النساء.. ثقافة ومجتمع المغرب العربي”، و”المرآة والخصوبة”. كما كانت عضوا في اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة.
ويأتي تعيين بورقية على رأس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في سياق متسم بتساؤلات حادة حول واقع التعليم في المغرب. فقد كانت بورقية من المنتقدين للسياسات التعليمية المتبعة، حيث دعت مرارًا إلى إصلاح جذري للمنظومة التربوية، معتبرةً أن الوصفات السابقة للمجلس لم تفلح في تجاوز أعطاب التعليم. ويطرح هذا التعيين العديد من الأسئلة حول الاستراتيجيات التي سيتم تبنيها لمواجهة التحديات الراهنة، وما إذا كانت بورقية قادرة على تقديم حلول جريئة وفعالة للقطاع.
وفي هذا الصدد، أكد الخبير التربوي عبد الناصر ناجي، لجريدة “العمق”، أن رحمة بورقية شخصية عارفة بدواليب المجلس بحكم أنها كانت مديرة الهيئة الوطنية للتقييم عندما كان عمر عزيمان رئيسا للمجلس، مسجلا أن تقاريرها كانت تتسم بالموضوعية والصرامة العلمية، وكثيرا ما أثارت حفيظة الجهات المعنية بها نظرا لحرصها على تسمية الأشياء بمسمياتها.”
وأضاف ناجي رئيس جمعية أماكن لجودة التعليم أن تعيين بورقية على رأس المجلس قد يعزز وظيفته التقييمية، خاصة وأن هذا الجانب المهم في أدوار المجلس شهد بعض التراجع خلال فترة رئاسة المالكي.
كما يُنتظر، حسب الخبير التربوي، أن ينفتح المجلس أكثر على المجتمع، من أجل تعزيز التواصل واعتماد مقاربة تشاركية تمهّد للتفكير الجماعي حول مستقبل المدرسة المغربية ما بعد 2030، وهو الأفق المحدد لتفعيل الإصلاح المستند إلى الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار.
وأشار المتحدث إلى أن أنه من المتوقع أن يفتح ورش تقييم تطبيق هذا الإصلاح، لا سيما ونحن في الثلث الأخير من المدة الزمنية المحددة له (20152030). وأكد في هذا الصدد أن إصلاح التعليم يظل مسؤولية الحكومة، إذ إنها الجهة المخولة بتنفيذ السياسات العمومية، في حين أن المجلس يقتصر دوره على تقديم الاقتراحات ذات الطابع الاستشاري، مما يجعل العديد من توصياته، رغم وجاهتها، تظل مجرد حبر على ورق.
وأبرز ناجي أن تعيين رحمة بورقية قد يمنح المجلس زخما جديدا وحضورا أقوى، خاصة إذا أعادت تفعيل الأداة التقييمية الصارمة التي استُعملت مرة واحدة عام 2018 عندما كانت على رأس الهيئة الوطنية للتقييم، والتي تمثّلت في “إطار الأداء”، وهو نظام يعتمد على مؤشرات دقيقة لتقييم تنفيذ الرؤية الاستراتيجية.
كما أشار إلى أن توجه الحكومة الحالي يسير نحو النأي بنفسها عن القانون الإطار للتعليم، مما يجعل استعادة المجلس لوظيفته التقييمية، بما في ذلك إعادة تفعيل البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات، الذي نُظمت آخر دوراته سنة 2019، أمرا قد يعيد طرح سؤال الشرعية القانونية للإصلاحات التي تتبناها الحكومة.
المصدر: العمق المغربي