خطة “تسديد التبليغ”: المجلس العلمي الأعلى يستمع لآراء الخبراء لتطوير التوعية الدينية

أطلق المجلس العلمي الأعلى مبادرة للاستماع إلى مجموعة من الخبراء من مختلف التخصصات، في إطار خطة “تسديد التبليغ” التي أطلقها مؤخرًا. وقد استفاض الكاتب العام للمجلس، سعيد شبار، في شرح المنطلقات التي يجب أن يُفهم من خلالها هذه المبادرة، مشيرًا إلى أن الحقيقة تكمن في أن الدين يشمل كل ما ينفع الناس، وفقًا لفهمهم الفطري المتعارف عليه منذ العهد النبوي.
وأضاف شبار في لقاء تواصلي نظمه المجلس العلمي الأعلى، الأحد، بالرباط، أن هذه الخطة تقوم على أن أول ما ينفع الناس هو أن يعلموا بما أمر الله به لغاية هذا النفع، وهو ما جاء في الكتاب والسنة وينتظر تبليغه من العلماء، مبرزا أن جدوى التبليغ تقاس بكيفية منطقية لأثره في حياة الناس اليومية وفي مختلف مناحي الحياة الفردية والجماعية، بالنسبة للمؤشرات السلبية التي تظهرها الإحصائيات.
ولفت إلى أن تحسين هذه الجدوى هو ما دفع العلماء إلى الإعلان عن خطة بعنوان “تسديد التبليغ”، وهم يقصدون الحرص على الاستمداد من المنهج النبوي في الإقناع، الذي يقتضي البيان والتيسير والقدوة الحسنة والقرب وتوضيح الأولويات وربط التوجيه بالنفع في الحياة، والتنبيه إلى الفوائد الدنيوية والأخروية من الاستجابة والاتباع.
وأكد حرص العلماء على أن يبلغوا الناس أن أمر الدين هو شأن المتدينين، وأمر كل من يتدخل في الحياة من أجل خدمتها وتجويدها بكيفية من الكيفيات ومن أي منطلق من المنطلقات، وأن هذه الحقيقة تقتضي ما هو مقرر في الدين من الدعوة إلى التعاون على البر والتقوى.
ومن المنطلقات التي تحدث عنها شبار، اقتناع العلماء بأنه بقدر ما يتحقق التبليغ المسدد ويتم التعامل مع تقويم التدين الأخلاقي بمجهود الجميع، بقدر ما ستخف الكلفة المادية والنفسية على الأفراد والجماعات والدولة، وأيضا اقتناعهم بأن النجاح التدريجي لهذا التعاون من شأنه أن يبني نموذجًا تتوفر شروطه السياسية والمعنوية في المملكة المغربية.
وأبرز المتحدث، أن هذا اللقاء تجربة أولى لاستماع العلماء للخبراء، وهم يتحدثون من منطلق السؤال المطروح عليهم حول دورهم في التبليغ، لذلك فإن العلماء بعد الاستماع والنظر المتفحص في الأفكار سيقترحون الكيفيات التي يمكن أن يستمر بها هذا الحوار غير المسبوق.
وسجل شبار حرص العلماء على استحضار الإقناع، لأن المقصود سواء من التبليغ أو الحوار مع الأطراف الأخرى هو الآثار العملية المحسوسة وليس المجادلات النظرية مهما كان نوعها، ولذلك حرص المجلس على حضور فعاليات إعلامية للشهادة على هذا القصد المشترك، لا للتعليق على ما يمكن أن يكون قد عبر عنه هذا المتدخل أو ذاك، لأن هؤلاء المتدخلين تحلوا بشجاعة كبرى للكلام في سياق غير مألوف، وأعانهم في ذلك حسن ظنهم بالعلماء ورغبتهم في تشجيعهم.
كما لفت إلى أن التبليغ المسدد يكون من الآن فصاعدًا في الميدان، وانطلاقًا من المساجد، وبتدخل المبلغين في مختلف الفضاءات التربوية والاجتماعية عبر خطب الجمعة، والوعظ والإرشاد، والتواصل المباشر، والإعلام المسموع والمرئي الذي تشرف عليه المجالس العلمية المحلية بتأطير العلماء والعالمات، والمرشدين والمرشدات، والوعاظ والواعظات، والأئمة.
وأشار الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى أن الفرق بين التأطير الديني في سياق تسديد التبليغ وبين التأطير قبل هذه الخطة هو أن الخطباء والوعاظ كانوا يختارون موضوعات تدخلهم ويتناولونها حسب أساليبهم في الإقناع، وأن التدخل الميداني المباشر للمؤطرين كان شبه منعدم.
أما في إطار خطة تسديد التبليغ، فالعمل يتم، بحسب شبار أولا: اقتراح خطاب مهيكل من طرف المجلس العلمي الأعلى ينصب على المضمون الأخلاقي النفعي للعبادات، مثل شرح الإيمان على أنه قبل كل شيء هو التحرر من الأنانية، وشرح العمل الصالح حسب الأولويات، مثل التضامن وأكل الحلال، أي الإخلاص في الخدمات والمعاملات.
وبخصوص خطب الجمعة، أوضح شبار أن المجلس كان قد عزم على تعميمها، فواجه التشويش من بعض العناصر، فقرر جعل الخطبة مقترحة على موقع المجلس والوزارة كل يوم أربعاء. والذي تحقق هو إبطال محاولات التشويش، وأن الخطبة المقترحة يأخذ بها أكثر من 95 بالمائة من الخطباء.
وثانيا بالمتابعة الميدانية من جهة المؤطرين الدينيين لمدى مطابقة التدين لقيم الدين وخلق علاقات تفاعل إيجابية بين المبلغين والمبلغ لهم، وثالثا بالتركيز على أن الدين كامل، وأن المطلوب هو تحسين التدين في حياة الناس، ورابعا بتعبئة الإعلام الديني مؤطَّرًا بفكر مستنير.
وشدد شبار على أن العلماء مقتنعون بأهمية مؤسستين أساسيتين في البحث عن جدوى التدين ويتعلق الأمر بمؤسسة الأسرة ومؤسسة المدرسة، مؤكدا أنه ينبغي أن يستمد الجميع قوة التعبئة المطلوبة من وعد الله المؤكد في القرآن الكريم بالحياة الطيبة بشرطي الإيمان والعمل الصالح، وذلك انطلاقًا من الآية الكريمة:”من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة”.
ومضى مستطردا: “مع تفسير الإيمان على أنه إخلاص العبادة لله، والتحرر من نوازع الأنانية، فتصبح الأمانة في عنق الجميع هي الشرح والإقناع، وتنزيل الحكم من جهة العلماء، والإسهام من كل الفرقاء الآخرين، سواء كانوا من موقع الخدمة أو الرقابة أو النصيحة أو الإعلام. وهي أمانة ثقيلة يجازي عليها الله تعالى ويحاسب عليها كذلك”.
واعتبر أن هذا المشروع المتكامل مستند إلى أساس التبليغ، وهو الكتاب والسنة كما فهمها وعمل بهما السلف، فلا يُتصور أن يكون لأحد في هذا البلد مشروع باسم الدين غير هذا، مبرزا أن العلماء، انطلاقًا من هذا اللقاء، يريدون الإعلان عنه، وتقرير الاقتناع بأنه مسؤولية الجميع.
وخلص الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى إلى أن المأمول في الإعلام الصادق أن يواكب هذا المشروع، وأن يساعد في حمايته من الأصناف التي بشرت النبوة بأن العلماء سيحمون منها الدين، وهم: الجاهلون الذين ليس لهم فقه هذا العصر، والمبطلون الذين ينكرون كل شيء ولا يشكرون، والمتطرفون الذين يدعون إلى الفتنة باسم الدين.
المصدر: العمق المغربي