اخبار المغرب

خسارة ابنتي لا تُعوض

قضت المحكمة الإدارية بالرباط، بتغريم وزارة الصحة مبلغا يصل إلى مليون درهم (100 مليون سنتيم)، كتعويض عن خطأ طبي لعائلة الطفلة سلمى اليسيني التي توفيت بمستشفى سانية الرمل بتطوان، بعد 80 يوما قضتها بين قسم الإنعاش وقسم الأطفال، بسبب عملية جراحية بسيطة لاستئصال اللوزتين بالمستشفى الإقليمي بالمضيق.

وينص الحكم على أداء الدولة، عبر وزارة الصحة في شخص ممثلها القانوني، لفائدة المدعين تعويضا معنويا يبلغ مليون درهم، موزعة ما بين 400 ألف درهم للأب أصالة عن نفسه، و200 ألف درهم نيابة عن ابنه القاصر شقيق الضحية، و400 ألف درهم لفائدة الأم، مع تحميل المدعى عليها الصائر ورفض باقي الطلب.

وجاء في الحكم الصادر قبل أسابيع، أن الطفلة سلمى تعرضت لخطأ جسيم من طرف الفريق الطبي المكلف بالتخدير أثناء عملية إزالة اللوزتين (الحلاقم)، مما نتج عنه مضاعفات أدت إلى وفاتها لاحقا، وهو ما تسبب لذوي حقوقها في أضرار نفسية ومعنوية تمثلت في فقدان شخص يعتبر بالنسبة لأسرته بنتا وأختا، وهي البنت الوحيدة لأبويها والأخت الوحيدة لأخيها القاصر.

وأشارت المحكمة في انتظار جاهزية نسخ الحكم إلى أن والدي وشقيق الضحية تألموا وهم يشاهدون الطفلة الهالكة تعاني خلال 3 أشهر قبل وفاتها بعد إجراء العملية، من فقدان جميع الحواس وإصابتها بحالة الصرع بسبب الخطأ الطبي المذكور، معتبرة أن ذلك يستحق تعويضا عادلا لذوي الحقوق.

غير أن سعيد اليسيني، والد الطفلة سلمى، رفض هذا الحكم واعتبره غير منصف، مشيرا إلى أنه لا يوجد أي مبلغ يمكن أن يعوضه ابنته الراحلة، حيث قرر استئناف الحكم، وهو ما تم عبر وضع مقال استئنافي في الموضوع لدى المحكمة الإدارية، أول أمس الثلاثاء.

وقال والد الطفلة في اتصال لجريدة “العمق”، إن الإنصاف لم يتحقق بعد في ملف ابنته، مشيرا إلى أن جبر الضرر يتطلب تعويضا ماديا محترما ينسي الأسرة ولو جزءا يسيرا من معاناتها طيلة 3 أشهر وهي ترى ابنتها تموت دون أن تستطيع القيام بأي شيء لإنقاذها.

وأضاف المتحدث: “الأمور واضحة في الملف، ومسؤولية الوزارة ثابتة بالأدلة وبالخبرة الطبية، ومع ذلك جاء هذا الحكم غير المنصف”، وتابع: “المؤلم أكثر هو أننا كنا نرى ابنتنا نموت أمامنا يوما بعد يوم، لحوالي 80 يوما دون أن نستطيع إنقاذها. وغليلنا لم يُشفى بعد”.

ولازال الأب المكلوم يتذكر لحظات الفاجعة بكل تفاصيلها المؤلمة. يضيف لـ”العمق”: “لازلنا نعيش تحت وقع الصدمة إلى اليوم، وكأن الوفاة وقت فقط بالأمس”، مشيرا إلى أن زوجته أسقطت طفلين أثناء حملها في فترتين منفصلتين منذ وفاة الطفلة سلمى.

تفاصيل المأساة

تحولت العملية استئصال اللوزتين التي خضعت لها الطفلة سلمى (8 سوات)، إلى مأساة وصدمة كبيرة لدى الرأي العام المحلي، بعدما فقدت الطفلة مختلف وظائف الدماغ، قبل أن تفارق الحياة بعد 80 يوما، فيما وصل الملف للبرلمان، بينما طالب والدها بفتح تحقيق معمق.

وبدأت الواقعة يوم 21 دجنبر 2022، حينما دخلت الطفلة إلى غرفة العمليات بالمستشفى الإقليمي للمضيق، من أجل استئصال اللوزتين، غير أن الطاقم الطبي احتفظ بالطفلة لأزيد من 3 ساعات داخل غرفة العمليات بسبب عدم استفاقتها من التخدير.

وعقب ذلك، قرر الطاقم الطبي نقلها على وجه السرعة إلى المستشفى الإقليمي“ سانية الرمل ”بتطوان في حالة غيبوبة، ليكتشف الأطباء تعرضها لشلل حركي، وتوقف وظائف الدماغ، وفقدان القدرة على السمع والنطق، وهو الوضع الذي استمر منذ ذاك التاريخ وإلى غاية وفاتها يوم 8 مارس 2023.

وبعد حوالي شهر من الواقعة، أصدر وزير الصحة والحماية الإجتماعية، خالد أيت الطالب، أول قرار له في الموضوع، وأوفد لجنة تفتيش مركزية إلى كل من مستشفى محمد السادس بالمضيق، ومستشفى سانية الرمل بتطوان، للبحث العاجل في ظروف وملابسات المضاعفات التي تعرضت لها الطفلة.

وتكونت اللجنة الوزارية من المفتش العام لوزارة الصحة، ومفتشين اثنين (طبيب وصيدلاني)، وأستاذ مبرز في التخدير والإنعاش بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا بالرباط، وذلك للوقوف عن كتب عن ظروف وملابسات التكفل بالطفلة سلمى اليسيني.

غضب واستغراب

وفي تصريح سابق لجريدة “العمق” قبيل تشييع جثمان الطفلة سلمى، كشف والدها أنه توصل بوثيقة من إدارة مستشفى “سانية الرمل” بتطوان، تفيد بأن ابنته توفيت بشكل “طبيعي”، لافتا إلى أن الوثيقة وقعها الطبيب الشرعي للمستشفى، ولا تشير إلى أن العملية الجراحية كانت هي السبب، وفق تعبيره.

وقال والد الطفلة، حينها، إن “المغاربة جميعا يعرفون أن ابنتي لم تمت بشكل طبيعي، بل بجرعة زائدة من التخدير أثناء عملية جراحية بسيطة بمستشفى المضيق، وهو ما تسبب لها في نزيف بالدماغ، ولم يتم إنقاذها”، حسب قوله.

وتابع قوله: “كيف يُعقل أن عملية لاستئصال اللوزتين لا تتعدى ساعة على أقصى تقدير، استمرت 4 ساعات مع ابنتي”، مشيرا إلى أن ابنته خرجت من مستشفى المضيق “مشلولة تماما إلا من دقات القلب والتنفس”.

وأوضح أن طفلته تعرضت أثناء العملية الجراحية المذكورة، إلى “سكتة قلبية وشلل دماغي، وفقدت على إثرها السمع والبصر والنطق بعد وفاة خلايا الدماغ”، لافتا إلى أنها ظلت بقسم الإنعاش بتطوان لأسابيع، قبل أن يتم نقلها إلى قسم الأطفال بنفس المشفى، إلى أن فارقت الحياة أمس.

وبخصوص اللجنة الوزارية التي أوفدها وزير الصحة للتحقيق في الموضوع، قال والد الطفلة ضمن التصريح ذاته، إنه استبشر خيرا بهذا التحرك، مردفا: “لكن اللجنة جاءت إلى المستشفى وغادرت دون أن نرى منها أي شيء، باستثناء هذه الوثيقة التي تقول إن الوفاة طبيعية”.

واتهم المتحدث مسؤولي الصحة بالمضيق وتطوان، والجهة ككل، بتعريض طفلته لـ”الإهمال والتقصر” على حد قوله، مضيفا: “كل من قصَّر أو فرَّط في ملف ابنتي، أدعو الله تعالى أن يحاسبهم في الدنيا والآخرة”.

احتجاجات ومطالب بالتحقيق

وكان نشطاء حقوقيون من العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، قد نظموا وقفة أمام المستشفى الإقليمي محمد السادس بمدينة المضيق، بحضور والدي الطفلة، مباشرة بعد الواقعة، تنديدا بما تعرضت له الراحلة، معتبرين أن ما وقع “مهزلة وفضيحة طبية”.

ولاحقا في الرباط، نظمت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، ندوة صحفية لتسليط الضوء على هذه القضية، بحضور والدي الطفلة سلمى.

وفي سرده لتفاصيل الحادث، قال الأب خلال الندوة التي حضرتها جريدة “العمق”، إن ابنته كانت بكامل قواها العقلية والجسدية، وفي هدوء تام قبل إدخالها إلى غرفة العمليات بمستشفى المضيق لإجراء العملية، كما لم تكن تعاني من أي أمراض أو أعراض جانبية.

وأضاف أنه بعد الحادثة، قام باستصدار تقرير من مدير المستشفى الإقليمي بالمضيق، وآخر من مدير مستشفى سانية الرمل بتطوان، ليتقدم بشكاية لدى نائب وكيل الملك بتطوان، غير أنه تم رفض الشكاية بدعوى أن القضية لا ترقى إلى مستوى الجريمة.

وخلص التقرير الطبي الأول الصادر من مشفى المضيق، إلى أن قلب الفتاة توقف عن العمل لثلاث دقائق قبل إجراء العملية الجراحية، أما التقرير الثاني من مشفى تطوان فأوضح أن الفتاة دخلت مستشفى سانية الرمل بعدما توقفت وظائف دماغها وتعرض جسدها لشلل شبه تام.

الملف يصل البرلمان

ووجه البرلماني عن دائرة المضيق الفنيدق، محمد العربي المرابط، سؤالا كتابيا إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، للمطالبة بفتح تحقيق حول ما تعرضت له الطفلة سلمى داخل مستشفى محمد السادس بالمضيق، مشيرا إلى أن أسرتها تعيش كابوسا حقيقيا.

وقال عضو فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، إن عملية استئصال اللوزتين تحولت إلى كارثة صحية، فقدت على إثرها الطفلة المعنية حاستي البصر والسمع وأصيبت بشلل في الحركة، مطالبا بفتح تحقيق في هذه النازلة التي قلبت حياة الطفلة وأسرتها رأسا على عقب، وذلك لتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات.

https://www.youtube.com/watch?v=qYzLIMyPr0

من جانبه، وجه البرلماني عن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، عبد النور الحسناوي، سؤالا كتابيا إلى وزير الصحة في نفس الموضوع،، مسائلا الوزير عن الإجراءات العاجلة التي ستتخذها وزارته لإنقاد الطفلة سلمى اليسيني.

واعتبر أن “الوضعية الكارثية لمستشفى محمد السادس بالمضيق، فضلا عن اللامبالاة التي يتعامل بها مسؤولو المستشفى، ساهما في كارثة صحية غير مسبوقة، بعدما فقدت الطفلة سلمى اليسيني لِحاستي البصر والسمع فضلا عن إصابتها بشلل في الحركة”.

وقال الحسناوي في سؤاله، إنه “في ظل هذا الاستهتار الذي أصبح يميز خدمات هذا المستشفى، من المتوقع أن تسجل حالات مماثلة”، مشددا على أن هذا الأمر يتطلب إيفاء لجنة خاصة لمعاينة الوضع وتحديد المسؤوليات مع ترتيب الجزاءات.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *