خريطة المغرب و”فخاخ السيادة” .. لمسات فرنسية تخدم المستعمرة الجزائرية
قال الباحث الجيلالي العدناني إن مبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار لا معنى له، مضيفا أن فخاخ السيادة انطلاقا من منطق اللاحدود الذي تتبناه الجزائر باسم تقرير المصير تتمثل ستة أو سبعة مبادئ.
وأوضح العدناني، ضمن مقال معنون بـ”الخريطة وفخاخ السيادة .. الجزائر ومقابلة ما قبل النهاية”، أن فرنسا لم تحدد نهائيا الحدود الشرقية اللهم ما تم توقيعه في معاهدة لالة مغنية سنة 1845، موردا أن الحدود لم ترسم انطلاقا من المغرب في اتجاه الجزائر كما كان الشأن إلى حدود القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، بل انطلاقا من الجزائر في اتجاه المحيط الأطلسي عبر خطوط حدودية.
نص المقال:
هل سقطت الجزائر في فخ السيادة الذي لا يتماشى مع مفهوم المحافظة على الحدود الموروثة عن الاستعمار المستوحى من ظروف حرب الرمال وإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1963؟ وتؤكد بشكل لا يدعو إلى الشك أن مبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار لا معنى له وأن مبدأ اللاحدود هو الذي تتبناه الجزائر الوريثة الوحيدة للإمبراطورية الكولونيالية على اعتبار أن فرنسا لم تحدد نهائيا الحدود الشرقية اللهم ما تم توقيعه في معاهدة لالة مغنية سنة 1845 على اعتبار أن اتفاقيتي 1901 و1902 لم تحترم بنودهما وهي التي تضمن حدودا مغربية على وادي غير والساورة وتفتح الباب أمام المجال المغربي في ارتباطه التاريخي مع إفريقيا الغربية.
تتمثل فخاخ السيادة انطلاقا من منطق اللاحدود (l’afrontière) الذي تتبناه الجزائر باسم تقرير المصير في ستة أو سبعة مبادئ.
إن الحدود لم ترسم انطلاقا من المغرب في اتجاه الجزائر كما كان الشأن إلى حدود القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر؛ بل انطلاقا من الجزائر في اتجاه المحيط الأطلسي عبر خطوط حدودية وهي خط اتفاقية لالة مغنية 1845، وخط 1910 فارنيي Warnier وخط Trinquet 1938 ثم خط 1957 الذي ضمت فرنسا من خلاله منطقة كلكم والزمول وأم العشار.
للتحقق من أمر الحدود، يكفي الرجوع إلى رسائل الأمير عبد القادر بأرشيف إكسبروفنس أو كتابات التجاني محمد بن المشري صاحب كتاب “الجامع” الذي لم يكن يتردد في الإشارة إلى وصوله مدينة مشيرية “ببلدنا المغرب”؛ وهي بالمناسبة مدينة الرئيس الحالي عبد المجيد تبون. فالطريقة التجانية لا تعطي فقط الأوراد؛ بل ترسم خرائط الطرقان والبلدان، كما كان يقال آنذاك. ومن أراد التحقق فما عليه سوى تتبع خطوات المستعمر حين ترجم رحلات أبي سالم العياشي وأحمد الناصري إلى معرفة جغرافية وخرائطية تثبت ما نقول.
ـ الخرائط التي نشرنا في كتابنا “الصحراء على المحك.. من أجل رؤية جديدة للقضايا الترابية” أو تلك التي لم تنشر بعد تبين أن السيادة الجزائرية تضرب مبدأ المحافظة عن الحدود الموروثة عن الاستعمار وأنها تتبنى الوصول إلى المحيط عبر استعمال كيان انفصالي تبلورت فكرته مع استرجاع المغرب لإقليم طرفاية لدى المستعمر الذي أراد معاقبة المغرب ورفض المغفور له محمد الخامس فكرة انضمام المغرب إلى مشروع التنظيم الموحد للمناطق الصحراوية OCRS وكذا فكرة تسوية الحدود الشرقية. وقد تضمن المشروع الفرنسي فكرة خلق خط سككي يسهم في التعاون الاقتصادي عوض تبني خط سيعتمد لاحقا في المشروع الانفصالي.
ـ أن الخرائط السرية والتي أصبحت متوفرة تبين بشكل دقيق أن أي توجه استرجاعي للخطوط يتجه عبر المجال والزمان إلى مجالات مغربية أصبحت بقدرة المستعمر تابعة لمستعمرة الجزائر. ومن ثم، فمبدأ السيادة هو بمثابة غربال يخفي حدود السيادة المغربية التاريخية. ومن هنا، يتبين أن مبدأ المحافظة على الحدود الموروثة عن الاستعمار يتناقض مع الاتفاق السري لسنة 1961 والذي تلته تصريحات فرحات عباس وأحمد بن بلة بأن الثورة الجزائرية واستقلال البلاد لن يرضى بأن يلطخ باستعماره لأراض مغربية ضمتها القوات العسكرية الفرنسية إلى المستعمرة الجزائر (انظر الخريطة أسفله).
ـ كون مبدأ الاقتطاع الترابي للمغرب قد اعتمد على منطق خاص: الجزائر تراب وطني فرنسي والمغرب بلد أجنبي خاضع لنظام الحماية. الجزائر حاليا ما زالت تمجد الموروث الاستعماري (الجزائر القارة) وتعتمد مبدأ المغرب بلدا أجنبيا بالنسبة للصحراء المغربية.
ـ السيادة الجزائرية عوضت مبدأ الخلاء الذي تبنته فرنسا بمبدأ اعتبار المغرب أجنبيا عن الصحراء الشرقية وكذا الصحراء الغربية؛ وهو ما بيناه في كتابنا منذ 2014، أي باعتبار أن الصحراء الشرقية والغربية كانت خريطة ومجالا واحدا يسمى الصحراء الغربية، وكون محاصرة المغرب من الجنوب عبر خلق نظام حماية بموريتانيا من طرف كوبولاني قبل تحويله إلى مستعمرة سنة 1920 أو خلق قيادة التخوم سنة 1933 وإلى حدود 1955 كان الهدف منه انتظار تغير موقف اسبانيا وخاصة انسحابها من الصحراء، لتضم فرنسا كل الجنوب المغربي في اتجاه المحيط الأطلسي لفائدة مستعمرة الجزائر؛ وهو المشروع أو الحلم الذي لطالما راود Jules Cambon ، واضع الخط الحدودي لطرفاية لهذا الغرض. وبعدما استرجع المغرب إقليم طرفاية لم يعد لفرنسا من أمل سوى تمرير خط سككي نحو المحيط الأطلسي؛ وهو المقترح الذي رفضه المغرب أملا أن يتحقق ذلك مع الجارة الشرقية. وهو الأمر الذي حصل أو تم على الورق بين المغرب والجزائر سنة 1972. وشتان ما بين مشروع خط سككي ينشد السلم والتعاون وخط ترابي ذي نوايا انفصالية لم يسجل على المجال الصحراوي طوال أزيد من 12 قرنا.
ـ كون الجزائر لم تكن تعترف بوجود شعب صحراوي، وكانت تطالب انطلاقا من تندوف أن تصبح طرفا مهتما ثم أصبحت تطالب بالاعتراف بها كطرف معني.
انطلاقا من 1966، أصبحت طرفا معنيا وخاصة بالوصول إلى الأطلسي ولو عبر منفذ خاص بها. هذا أحد أهم فخاخ وأوهام السيادة الجزائرية التي يخترقها خط المحافظة على الموروث الاستعماري بهدف الانقضاض على أراض محررة شملتها عمليات المقاومة من 1900 إلى 1958 قبل أن تصبح مجالا للعمل السياسي والدبلوماسي الذي حقق مكاسب رائعة بعيدا عن العنف اللفظي والإيديولوجي والعسكري. وشتان ما بين من يريد المحافظة على ما تبقى من تراب الامبراطورية الشريفة وبين من تبنى مبدأ المحافظة على اأاراضي المقتطعة من المغرب. فأين تكمن حدود السيادة الجزائرية؟ أهي المحافظة على الأراضي الموروثة عن الاستعمار أم تصفية الأراضي التي استرجعها المغرب من الاستعمار؟ فشتان ما بين المحافظة داخل حدود المستعمر وتبني تصفية الاستعمار خارج الحدود وباسم السيادة التي تتوق إلى أمواج الأطلسي الذي شكلت سواحله آخر طريق يحتفظ به المغرب بعد ضم تندوف وتوات ووادي الساورة إلى مستعمرة الجزائر بغرض ربطها بإفريقيا الغربية. ليس لدينا الوقت للرجوع إلى تاريخ العلاقات المغربية الإفريقية؛ ولكن سرد نموذج استقرار تجار الصوصو Soninke بسجلماسة مقابل استقرار تجار مغاربة باودغشت بمملكة غانة لدليل على وجود مقاربة رابح رابح أو تعاون جنوب جنوب منذ الزمن الموحدي.
إن مفهوم اللاحدود الذي تبنته فرنسا عبر نقل الحدود من مشيرية وتافنا إلى لالة مغنية وفكيك، ومنها في اتجاه وادي درعة والمحيط الأطلسي، لم يكن سوى حيلة لمد مجال المستعمرة في اتجاه المحيط؛ وهو المعنى الخفي الذي تعبر عنه الجزائر تحت اسم السيادة ولتلعب في الواقع معركة رمزية لا ترقى إلى مستوى ما قبل النهائي.
لقد استغل الأبطال الأفارقة والزنوج الأمريكيون الرياضة لنبذ العنصرية والاحتقار؛ ولكن أن تستغل خريطة المغرب لتدافع عن السيادة الجزائرية وفق معايير ومفاهيم ونوايا استعمارية، فتلك فضيحة تستدعي من كل القوى الحية إعادة الاعتبار في أصل وحقيقة ثنائية الاستعمار وطرق تصفيته. ولنا في أرشيفات فرنسا، وخاصة بمركز ما وراء البحار باكس بروفانس، ما يكفي لتصفية الموروث الاستعماري عوض الاستثمار في المزايدات التي تتناسل عن طريق حروب الذاكرة.
إن المجال هو حدود وحركة وإرادة مهما كانت نواياها، ولكم أن تقرؤوا الخريطة أسفله على ضوء نقل الحدود في اتجاه المحيط، كما يجب أن تؤولوا المواقف الجزائرية التي أخذت الاتجاه نفسه وفق وضعية قانونية في الأمم المتحدة موثقة وجد رسمية تسمي الجزائر حسب ما تطلبه هي: بالطرف المهتم/ الطرف المعني/ الطرف المباشر والمسؤول؛ وهو ما تحاول الجزائر أن تتملص منه حين تستدعى إلى موائد الحوار والتفاوض، لتتحول “السيادة الجزائرية” إلى كيان يتخبط بين قاع وعنق الزجاجة.
المصدر: هسبريس