خبير يسلط الأضواء على المسارات التصاعدية في الأوضاع الاقتصادية المغربية
سلّط محمد العربي الهراس، دكتور الدولة في العلوم الاقتصادية، في مقال له حول الاقتصاديات “المتخلفة” و”السائرة في طريق النمو” و”الصاعدة” و”المتقدمة”، الضوء على وضع الاقتصاد المغربي من حيث مسار الصعود الاقتصادي، محاولا الإجابة عن سؤال: متى سيلتحق الاقتصاد المغربي بمجموعة الاقتصاديات الصاعدة؟
هذا نص المقال:
على ضوء الأدبيات الاقتصادية من مختلف التيارات يمكن اعتماد التصنيف التالي للاقتصاديات الوطنية: الاقتصاديات المتخلفة، الاقتصاديات في طريق النمو، الاقتصاديات الصاعدة، الاقتصاديات المتقدمة. لكن من الواضح أن الاقتصاديات الموجودة ضمن كل فئة من هاته الفئات الثلاث ليست على نفس مستوى التنمية، وبالتالي يمكن تصنيفها في ثلاث فئات فرعية تتراوح بين الأضعف تقدما والأكثر تقدما داخل كل فئة.
السؤال المطروح في هذا المقال: في أية فئة يمكن تصنيف الاقتصاد المغربي، علما أن جميع المؤشرات تدل على أنه ليس في فئة الاقتصاديات المتخلفة ولا ضمن الاقتصاديات المتقدمة؟
مقاربة مفهوم الاقتصاديات الصاعدة
ظهر مفهوم الاقتصاديات الصاعدة خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي. يمكن القول بصفة عامة إن بلدا صاعدا هو بلد يكون فيه نصيب الفرد من الناتج الداخلي الإجمالي أقل من مثيله في اقتصاد متقدم، لكنه يشهد نموا سريعا، تتقارب هياكله الاقتصادية والاجتماعية مع تلك الموجودة في البلدان المتقدمة، ويتميز بانفتاح على بقية العالم، وإمكانات نمو قوية.. وبالتالي ألا يظل تعريف الاقتصاد الصاعد غير مضبوط، حيث إن معيار الناتج الداخلي الإجمالي لوحده هو معيار من بين معايير أخرى:
التحولات المؤسساتية والانفتاح الاقتصادي والتي تنطوي على إدماج أحسن في الاقتصاد العالمي،
نمو اقتصادي أعلى من المتوسط العالمي، مما يسمح ببعض أشكال اللحاق بالركب،
نصيب الفرد من الناتج الداخلي الإجمالي (على أساس معيار تعادل القوة الشرائية) بين 10 و75 في المائة من متوسط هذا الناتج للبلدان المتقدمة.
تجدر الإشارة إلى أن البلدان التي يعتبر حاليا اقتصادها من الاقتصاديات الصاعدة هي: الصين، روسيا، الهند، البرازيل المكسيك، إندونيسيا، تركيا، إفريقيا الجنوبية، العربية السعودية…
وضع الاقتصاد المغربي من حيث مسار الصعود الاقتصادي
خلال فترة الحماية عرف المغرب تحولات اقتصادية وإدارية كبيرة تجلت بشكل خاص في إنجاز تجهيزات جماعية هامة (إنشاء مدن عصرية، موانئ، مطارات…)، ظهور قطاعات إنتاجية جديدة، خلق هياكل إدارية نسبيا عصرية في زمانها…
ألا تسمح هذه الإنجازات بتصنيف الاقتصاد المغربي ضمن الاقتصاديات النامية (أكيد مستوى أدنى) خلال فترة الاستقلال في سنة 1956. منذ ذلك الوقت استمر بناء العديد من البنى التحتية، تطوير عدد من القطاعات الإنتاجية، إنشاء مؤسسات سياسية، اقتصادية، تعليمية، اجتماعية… بنقط قوتها وكذلك العديد من نقط ضعفها.
وهكذا أصبح الناتج الداخلي الإجمالي الفردي 3795 دولارا (القيمة الاسمية لسنة 2021) و7826 دولارا (بحساب تعادل القوة الشرائية لسنة 2019) نتيجة تحقيق متوسط معدل نمو مسجل 34 في المائة سنويا. هذا المعدل لا يسمح حاليا بدمج الاقتصاد المغربي في مجموعة الاقتصاديات الصاعدة.
لقد سلطت العديد من الأبحاث والدراسات التي أجرتها مؤسسات وطنية ودولية الضوء على التقدم الذي أحرزه الاقتصاد المغربي في عدة مجالات، ولكن على نقط الضعف كذلك، من بينها:
ضعف النسبة المتوسطة للنمو الاقتصادي ولمكاسب مستوى الإنتاجية،
عدم ملاءمة التكوين وحاجيات التشغيل في عدة مجالات،
حالات الاحتكار والريع في بعض القطاعات،
ضعف مستوى التنافسية في بعض القطاعات الإنتاجية وفي مستوى نسبة المعامل المضاعف للاستثمار.
في هذا الإطار ذي الصبغة الاقتصادية، ألا يجب التذكير بأن المغرب يتحمل منذ سنة 1975 أعباء ثقيلة جدا ملازمة لاستعادة الأقاليم الصحراوية والدفاع عن الوحدة الترابية.
النموذج التنموي الجديد وآفاق الصعود الاقتصادي
أمام تراخي عطاءات الاستراتيجية الاقتصادية والاجتماعية المتبعة، دعا الملك محمد السادس إلى إعداد نموذج تنموي جديد تم تقديمه خلال سنة 2021. وقد رسم هذا النموذج المعيقات الأربعة الأساسية التي تعد مصدر هذا التراخي (ص 29):
غياب تناسق عمودي بين الرؤية والسياسات العمومية المعلنة وغياب الالتقاء الأفقي بين هذه السياسات،
بطء في التحول البنيوي للاقتصاد،
محدودية قدرة القطاع العمومي فيما يخص تصور وتنفيذ السياسات العمومية والخدمات العمومية ذات الجودة.
الشعور بضعف الحماية وعدم القدرة على التنبؤ الذي يحد من المبادرات.
انطلاقا من هذه المعيقات، قدم هذا النموذج التنموي الجديد (الذي يحمل العنوان الفرعي: “تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع”) مقترحات اختيارات استراتيجية في أربعة محاور (ص 73):
نحو اقتصاد منتج ومتنوع يخلق القيمة المضافة ومناصب شغل ذات جودة،
نحو رأس مال بشري أقوى وأحسن استعدادا للمستقبل،
نحو فرص إدماج للجميع وتعزيز الرابط الاجتماعي،
نحو مجالات ترابية مستدامة وقادرة على التكيف: فضاءات لترسيخ التنمية.
يهدف هذا النموذج التنموي الجديد إلى رفع الناتج الداخلي الخام للفرد من 7826 دولارا (على أساس المعادل للقوة الشرائية 2019) إلى 16.000 دولار سنة 2035 على أساس فرضية تحقيق نسبة نمو اقتصادي يساوي 6.5 بالمائة خلال هذه الفترة (ص:53).
على ضوء ما سبق ألا يجدر القول بأن الاقتصاد المغربي يمكن تصنيفه بأنه في الظروف الحالية: اقتصاد دائما في طريق النمو، لكن في مرحلة جد متقدمة مقارنة بغداة الاستقلال، وبالتالي من المرجح أن يؤدي تنفيذ وتحقيق أهداف هذا النموذج التنموي الجديد الى ولوجه مجموعة الاقتصاديات الصاعدة بحلول سنة 2035.
المصدر: هسبريس