خبير يبرز تحديات رحلة تدريس الأمازيغية في المدارس المغربية
منذ عام 2003، أصبح تدريس اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية أحد الأهداف الاستراتيجية الرئيسية التي سعت وزارة التربية الوطنية لتحقيقها، بهدف الحفاظ على الهوية الحضارية للمغرب وزرع بذور الاعتزاز بالثقافة المغربية المتنوعة، فضلا عن تمكين المتعلمين المغاربة من لغة اعتبرها دستور المملكة لسنة 2011 لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.
وبالرغم من المكانة التي أولاها دستور المملكة للغة الامازيغية، فقد عرفت مسألة تدريسها وتعميمها تقلبات عديدة في ظل التغيرات الحكومية والمقاربات المتبعة من قبل الوزارات المتعاقبة، قبل أن يأتي القانون الإطار 51.17 الذي نص صراحة على إكساب القدرة على التواصل باللغة الأمازيغية للحاصلين على شهادة الباكالوريا بالمغرب.
وكشفت وزارة التربية الوطنية عن التقدم الذي حققته في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مجال التعليم، بالإضافة إلى الخطوات المستقبلية التي تهدف إلى تعزيز تدريسها في المدارس المغربية. وأوضح وزير التربية الوطنية، محمد سعد برادة، في رده على سؤال كتابي كان النائب البرلماني إدريس السنتيسي قد توجه به في وقت سابق حول الموضوع، أن الوزارة قد قطعت شوطا كبيرا في إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التعليمية، حيث تم تعميم تدريس اللغة في حوالي 40% من مؤسسات التعليم المدرسي الابتدائي مع بداية الموسم الدراسي 20242025.
ويرى متخصصون أن تباين تصورات المؤسسات المعنية بتنفيذ هذا المشروع واختلاف مقارباتها أدى إلى نتائج متفاوتة، حيث ساهمت هذه التباينات في إضعاف الجهود الرامية إلى تعميم تدريس الأمازيغية في المدرسة المغربية، مما جعل الكثير من المغاربة يرون أن بلوغ هذا الهدف قد أصبح أمرا مستحيلا.
وفي هذا السياق، قال الباحث في قضايا التربية والتكوين والسياسيات التربوية، سعيد أخيطوش، إن المؤسسات التي كلفت بالتنزيل الميداني لهذا الورش تجاذبتها عدة تصورات وعدة مقاربات ومصالح انعكس سلبا على تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية، بل وجعلت المغاربة يجزمون باستحالة ذلك.
وأشار إلى أن من أهم المسائل التي تجعل الشك يدب في النفوس بخصوص التعميم المأمول هو غياب أي دور للجامعة المغربية للمساهمة في تكوين متخرجين قادرين على ولوج المدرسة المغربية لتدريس اللغة الأمازيغية، فجل الطلبة لا يزاولون دراساتهم الجامعية بحرف تيفيناغ في كل المواد والمجزوءات التكوينية الخاصة بالجامعة بل يتم اعتماد الفرنسية والحرف اللاثيني وهو ما يفسر ولوج مهنة تدريس الأمازيغية من قبل أصحاب التخصصات الأخرى وعدم تمكن حاملي الإجازة في الدراسات الأمازيغية من ذلك وهو ما يفسر أيضا تنظيم المباراة الخاصة بهذه الفئة مرتين كل سنة لبلوغ العدد المطلوب.
وأضاف المتحدث في تصريح لجريدة العمق أنه بالنظر لانخراط هذه المؤسسات المكلفة بتنزيل ورش تدريس اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية ومدى مساهمتها أو تأثيرها في مسار التعميم المأمول، نجد بأننا قد تدرجنا وفق ثلاث مراحل تختلف فيعا الإسهامات وتتغير فيها المواقع.
وأشار إلى ان المرحلة الأولى التي امتدت من سنة 2001 إلى 2003 اتسمت بالإعداد واستكمال النصوص القانونية المتيحة للتنزيل وفقا للظهير الملكي السامي 1.01.299 المحدث للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وتحديد أدواره خصوصا في جانب تهيئ اللغة والمساهمة في إنتاج الوثائق اللازمة لتدريسها.
هذه المرحلة أيضا شهدت نقاشا حول التعبير الخطي الذي سيتم اعتماده لتدريس اللغة وفقا للمادة 3 من نفس الظهير ومساهمة المعهد إلى جانب الوزارة في تسطير خطة التنزيل وإقرار اللغة الأمازيغية مادة من مواد المدرسة المغربية مع كل ما يستلزمه ذلك من تجريب وتكوين وإنتاج للكتب المدرسية، وفق ما صرح به أخيطوش.
ومن اهم ما شهدت المرحلة الثانية التي استمرت إلى غاية 2020، يضيف الإطار بوزارة التربية الوطنية، نجد ذلك اللقاء الأول للمتعلمين المغاربة مع حرف تيفيناغ الذي تم إقراره حرفا رسميا لتدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية. كما شهدت أيضا تكوين عدد مهم من المدرسين الذين كانوا متحمسين بشكل كبير لتدريس الأمازيغية علما أنهم في الأصل أساتذة مزدوجون تم تكليفهم بناء على رغبتهم في ذلك، لكن اعتماد التخصص ابتداء من سنة 2012 تجاوز ونسف بشكل غير مفهوم ما تم تحقيقه قبل ذلك. ومنه تمت العودة إلى نقطة الانطلاق بتوظيفات ضئيلة جدا لا تتجاوز في الغالب العدد خمسة أو ستة بكل مديرية.
وقال إن هذا كله يحدث بالرغم من وجود اتفاقية سارية المفعول بين الوزارة الوصية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي يفترض فيه التأثير في مخططات التنزيل لصالح تدريس اللغة الأمازيغية بالنظر للإمكانيات التي منحت له خصوصا في جانب الدراسات والبحوث والتكوين مع الاستمرار في تهيئة اللغة. مشيرا إلى أن هذه المرحلة شهدت أيضا إخراج مجموعة من النصوص المبهمة والملتبسة خصوصا قبل اعتماد التخصص تتعلق بمدة عمل المدرس المكلف بتدريس اللغة الأمازيغية وعدد الأقسام التي يدرسها وكيفية توطين الأمازيغية ضمن استعمالات الزمن الخاصة بالمتعلمين، كل هذه القضايا لم يتم الحسم فيها إلى اليوم وتشكل مسائل خلافية تبعث العديد من المشاكل مع بداية كل موسم دراسي وتجعل اليأس متسللا إلى نفوس كل المهتمين بتعميم تدرس اللغة الأمازيغية باستحالة بلوغ الهدف.
وبخصوص المرحلة الثالثة التي انطلقت سنة 2021 وتستمر إلى اليوم، فقد عرفت تزكية واضحة وبدون أي التباس لمكانة اللغة الأمازيغية خصوصا بعد إصدار القانون الإطار 51.17 والقانون التنظيمي 26.16 المتعلق بإدراج وتعميم اللغة الأمازيغية في مختلف القطاعات ذات الأولوية والمؤسسات العمومية التابعة للدولة وضمنها التعليم، على حد تعبير المتخصص بالشأن التعليمي، سعيد أخيطوش.
ولفت المتحدث إلى أن هذه المرحلة عرفت بروز سقف زمني لتعميم تدريس اللغة الأمازيغية وتم تحديده في بلوغ سنة 2030 وفقا لمجموعة من العمليات المتعاقبة المرتبطة بتحيين وثيقة المنهاج الدراسي الخاص بتدريس اللغة الأمازيغية أبريل 2021، وانضمام اللغة الأمازيغية لنفس طريقة تدريس باقي اللغات بالمدرسة المغربية في إطار التكامل الداخلي لتدريس اللغات، وتحيين دفاتر التحملات الخاصة بتأليف وإصدار الكتاب المدرسي وتحقيق توافقه ومختلف المشاريع التي تنزلها الوزارة الوصية بالمدرسة المغربية (التربية الدامجة كمثال)
ينضاف إلى ما سبق إصدار كتب مدرسية محينة ومطابقة لوثيقة المنهاج الجديدة، وإصدار المذكرة 28 بتاريخ 23 ماي 2023 في شأن التعميم التدريجي لتدريس اللغة الأمازيغية في السلك الابتدائي، والتي تعتبر أول نص في تاريخ تدريس اللغة الأمازيغية يضع سقفا زمنيا محددا لبلوغ التعميم وفق عدد من الإجراءات والأهداف المرحلية المضبوطة، فضلا عن إصدار المذكرة 152 بتاريخ 19 أبريل 2024 في شأن تنفيذ مخطط التعميم التدريجي لتدريس اللغة الأمازيغية في السلك الابتدائي، وهي المذكرة التي حددت كيفيات التعيين والاستعمال الأمثل والمساعد على بلوغ التعميم والرفع من مؤشرات الأهداف المرحلية لذلك، كما عززت البنيات المحلية لتدارس سبل التجويد وحل المشاكل المرصودة.
وتميزت المرحلة أيضا بالرفع من عدد الأساتذة القادرين على تدريس اللغة الأمازيغية وفق مقاربتين: مقاربة التخصص للتدريس في المؤسسات الكبرى المتيحة لذلك (600 مدرس سنويا)، ومقاربة تكوين المزدوج لتدريس اللغة الأمازيغية بشكل مندمج داخل باقي المكونات خصوصا في المناطق التي لا تتيح إمكانية التخصص خصوصا الفرعيات والمؤسسات الصغيرة (دفعة أولى 4500 مدرس سنة 2024).
كما تم خلال هذه المرحلة إصدار المذكرة 200 بتاريخ 05 يوليوز 2024 في شأن تدريس اللغة الأمازيغية بسلك التعليم الابتدائي بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي برسم الموسم الدراسي 2024/2025 وهي وثيقة تصدر لأول مرة في تاريخ تدريس اللغة الأمازيغية بالمغرب، مع تكوين فوج أول من مدرسي المدارس الخصوصية خلال الصيف المنصرم. هذا بالرغم من اعتبار تدريس هذه اللغة بالمؤسسات المعنية أمرا اختياريا في مرحلته الأولى إلا أنها تبقى بادرة غير مسبوقة، وأشار أخيطوش إلى أن اعتبار الأمر اختياريا في مرحلته الأولى مسألة مفهومة من خلال استحضار وزن الضغط الذي يعرفه قطاع التعليم الخصوصي من قبل اللوبي المستثمر في القطاع.
وتميزت المرحلة، بحسب المصدر ذاته، باعتماد سلك تكوين المفتشين المتخصصين في مراقبة وتأطير أساتذة اللغة الأمازيغية لأول مرة في المغرب (الفوج الأول سيباشر العمل مع مطلع الموسم القادم)، والعمل على تنزيل ما ذهبت إليه خارطة الطريق 22/26 بخصوص اعتماد منصات لتعلم اللغات بالمغرب والشروع منذ الموسم الدراسي الفارط في إعداد أول منصة من هذه المنصات وهي خاصة باللغة الأمازيغية بغلاف مالي مهم جدا بتعاون مع وزارة الانتقال الرقمي وتحديث الإدارة التي أعلنت عن الصفقة وإشراف مديرية المناهج على تنزيل الجانب البيداغوجي والمصادقة على الموارد الرقمية المعدة للمنصة.
فعلى سبيل الختم تجعلنا المراحل المشار إليها سابقا نتأرجح، كمهتمين وباحثين في السياسة التربوية بالمغرب، بين ثنائية الممكن والمستحيل في بلوغ هدف تعميم تدريس اللغة الأمازيغية بالمغرب، خصوصا ما تعلق بالعشرين سنة الأولى أو ما طبع المرحلتين الأولى والثانية والذي يوحي باستحالة الأمر نظرا لعدم كفاية الإجراءات المتخذة وغياب الرغبة الحقيقة لتنزيل تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية. وهو عكس ما قد يصل له نفس المهتم والباحث بالنظر لما تعرفه المرحلة الثالثة من تدابير وإجراءات جاءت بعد عدة أحداث كان الأساسي منها هو إقرار دستور 2011 برسمية اللغة الأمازيغية ليبقى
وخلص المتحدث إلى أن العائق الحقيقي الحالي لبلوغ التعميم المأمول للغة الأمازيغية في كل أقسام المدرسة المغربية هو نظرة الأشخاص وخصوصا من يوكل لهم تدبير الأمر داخل الإدارات والمؤسسات التعليمية. فتسجيل تعيين المدرسين المتخصصين في مناطق يصعب فيها تطبيق التخصص لازال مستمرا وعدم تتبع مآل المدرسين المزدوجين المستفيدين من التكوين أيضا أمر واقع يجب الالتفات إليه. كما شدد على ضرورة تحسيس المستثمرين في القطاع بأهمية تدريس اللغة الامازيغية وجعله ضمن الشروط الأساسية للحصول على التراخيص اللازمة للاشتغال.
المصدر: العمق المغربي