اعتبر محمد طارق، الأستاذ الجامعي والخبير في قانون الشغل، أن السياسات العمومية في مجال التشغيل تعاني من غياب رؤية استراتيجية واضحة، مشددًا على أن البرامج الحكومية الحالية لا ترقى إلى مستوى التحديات البنيوية التي تواجه الشباب المغربي، خاصة في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة.
جاء ذلك في مداخلة له خلال ندوة نظمها المكتب الجهوي للجمعية المغربية لتربية الشبيبة بجهة الرباط سلا القنيطرة، مساء السبت 31 ماي 2025، بمركز المنصور للشباب بحي يعقوب المنصور بالرباط، بحضور عدد من الأكاديميين والخبراء والفاعلين الجمعويين.
وأشار طارق إلى أن المبادرات الحكومية في مجال التشغيل، من قبيل برنامجي “فرصة” و”أوراش”، تمثل ردود فعل ظرفية أكثر منها سياسات ممنهجة، حيث تفتقر إلى أفق استراتيجي طويل المدى.
واعتبر أن هذه البرامج، رغم ما توفره من فرص مؤقتة، تظل محدودة من حيث الأثر والاستدامة، كونها تعتمد على عقود غير مستقرة ولا تؤمن الحماية الاجتماعية أو الأفق المهني الواضح للشباب المستفيدين منها.
وانتقد الخبير في قانون الشغل الأهداف الكمية التي ترفعها الحكومة، مثل خلق 1.5 مليون منصب شغل ورفع نسبة نشاط النساء إلى 30%، واصفًا إياها بغير الواقعية في ظل غياب قاعدة معطيات دقيقة حول سوق الشغل.
كما أشار إلى التراجع المقلق في عدد المصرحين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ما يعكس هشاشة القطاع غير المهيكل وضعف منسوب الثقة في السياسات العمومية المرتبطة بالشغل، وفق تعبيره.
“شتات حكومي”
وسجل الأستاذ الجامعي أيضًا ضعف التنسيق بين مختلف القطاعات الحكومية المعنية بتدبير قضايا التشغيل، حيث يتم تنفيذ البرامج بشكل متشتت ومن دون قيادة موحدة أو مقاربة منسجمة.
ولفت إلى أن إعداد خارطة الطريق الوطنية للتشغيل تم في غياب مقاربة تشاركية حقيقية، تُشرك الفاعلين المحليين والمجتمع المدني، وهو ما يضعف من فعالية هذه الخارطة وقدرتها على تحقيق الأثر المنشود.
وأوضح المتحدث أن سوق الشغل المغربي يفتقر إلى الجاذبية والاستقرار، لاسيما في القطاع الخاص، الذي تطغى عليه مظاهر العمل غير اللائق مثل العقود المؤقتة، الأجور المتدنية، وساعات العمل الطويلة، وهو ما يساهم في تفشي البطالة المقنعة واتساع دائرة الهشاشة الاجتماعية، خاصة لدى الشباب.
وفي سياق الحديث عن التحديات المستقبلية، شدد طارق على ضرورة اعتماد الحكومة لرؤية استشرافية في مجال التشغيل، تأخذ بعين الاعتبار التحول الرقمي العالمي والمتغيرات التكنولوجية المتسارعة.
وحذر من أن 85% من المهن الحالية قد تختفي أو تتغير جذريًا خلال السنوات المقبلة، داعيًا إلى إصلاح شامل لمنظومة التعليم والتكوين المهني بهدف إعداد الشباب لمهن المستقبل وتيسير اندماجهم في سوق الشغل المتغير.
وختم طارق مداخلته بالدعوة إلى تبني سياسة تشغيلية دامجة وواقعية، ترتكز على بلورة استراتيجية وطنية شاملة، وتعزيز مشاركة الفاعلين المحليين والمجتمع المدني، مع التركيز على التحول الرقمي وضمان شروط العمل اللائق وفق المعايير الدولية المتعارف عنها .
كما شدد على أهمية إصلاح المدرسة العمومية والجامعة، لتمكينهما من الاضطلاع بدورهما كمحركين أساسيين للإدماج المهني والتنمية الاقتصادية.
المصدر: العمق المغربي