نظمت جمعية مساندة الأشخاص المعاقين، بشراكة مع ائتلاف الجنوب للنهوض بحقوق ذوي الإعاقة، أمس الخميس، يوما دراسيا بمدينة العيون حول موضوع “الإعاقة وتحديات الرقمنة والذكاء الاصطناعي”.
وأبرز المشاركون من خبراء ومختصين خلال اللقاء الدور المزدوج للتكنولوجيا المتقدمة في حياة الأشخاص في وضعية إعاقة، مؤكدين أن الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقًا جديدة للاستقلالية الذاتية والإدماج المهني.
في المقابل، حذروا من المخاطر المرتبطة بالتحيّز، وانتهاك الخصوصية، وتعميق الفجوة الرقمية، مشددين على ضرورة وضع ضوابط قانونية وأخلاقية صارمة لضمان استخدام هذه التكنولوجيا بشكل آمن ومنصف.
وفي هذا السياق، دعا سيدي الأَشكل، المدير المساعد بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالعيون، إلى ضرورة الانتقال من الشعارات إلى التطبيق الفعلي لتحقيق “الولوجيات الرقمية” لخدمة كافة المواطنين وعلى رأسهم الأشخاص في وضعية إعاقة وكبار السن، موضحا أن البرنامج الحكومي الحالي ورغم تضمنه لهذه النقطة إلا أن تطبيقها يبقى بعيد المنال.
وانتقد الأَشكل استمرار معاناة هذه الفئة قائلا: “لا يعقل أننا ما زلنا نرى أشخاصا من ذوي الإعاقة أو كبار السن يقفون في طوابير طويلة في وكالات البريد أو الإدارات المختلفة للحصول على وثيقة بسيطة في حين أننا نرفع شعار الولوج الرقمي منذ سنة 2021”.
واستعرض المتحدث ذاته نماذج دولية رائدة في هذا المجال مشيدا بتجربة دولة قطر التي اعتبرها من الأوائل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وسلط الضوء على مبادرات مبتكرة كتطبيق “محادثة” لترجمة لغة الإشارة إلى اللهجة القطرية وتطبيق “أزاريو” لإرشاد ذوي الإعاقات البصرية.
كما أشار إلى التجربة التركية المتمثلة في تطوير عصا ذكية تساعد المكفوفين على استشعار محيطهم وتفادي المخاطر.
من جانبه، أكد محمد الزهو، الخبير في قضايا التشغيل والتكوين، أن الذكاء الاصطناعي بات يخلق فرصا ملموسة لإدماج الأشخاص في وضعية إعاقة اقتصاديا ومهنيا معتبرا أن التكنولوجيا تزيل العوائق التي كانت تستخدم كأعذار لعدم تشغيلهم.
وأوضح الزهو أن العمل لا يمثل مصدرا للدخل فحسب بل هو مفتاح الاندماج المجتمعي الكامل وأساس الروابط الاجتماعية مشيرا إلى أن الشخص يفقد جزءا كبيرا من حياته عند التقاعد لارتباطها الوثيق بالعمل.
وفصل الخبير الاقتصادي في الفرص التي تتيحها التكنولوجيا مبينا أن شخصا بإعاقة حركية يمكنه العمل عن بعد كمطور برمجيات وآخر بإعاقة سمعية كمحرر محتوى باستخدام أدوات تحويل الصوت إلى نص بينما يستطيع ذوو الإعاقة البصرية العمل في اختبار إمكانيات الوصول بفضل برامج قراءة الشاشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
وأشار في السياق ذاته إلى الفجوة القائمة بين القوانين التي تخصص نسبا لتشغيل هذه الفئة في القطاعين العام والخاص والواقع العملي متسائلا عن مدى وجود إرادة سياسية حقيقية لتفعيلها.

وشدد الزهو على ضرورة الالتزام ب “نقاط يقظة” أخلاقية لضمان إدماج حقيقي وعلى رأسها تصميم أدوات ذكاء اصطناعي شاملة وتدريبها على بيانات غير متحيزة لتجنب تكريس التمييز.
وخلص إلى أن نجاح هذه المقاربة يرتكز على إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في تصميم الحلول التكنولوجية لضمان تلبيتها لاحتياجاتهم الفعلية مع حماية خصوصية بياناتهم.
وفي مداخلة له، أكد لحبيب اجلودة، الأستاذ بالكلية المتعددة التخصصات بالسمارة، أن الذكاء الاصطناعي ثورة تكنولوجية يجب تسخيرها لتعزيز الاستقلالية الذاتية للأشخاص في وضعية إعاقة، داعيا إلى تجاوز المخاوف التي تصور هذه التكنولوجيا كمهدد للوجود الإنساني.
وأوضح اجلودة أن الوضع الحالي يشبه ما حدث مع بداية ظهور الحاسوب في التسعينيات حين ساد الخوف من فقدان الوظائف قائلا “الذكاء الاصطناعي هو تكنولوجيا جاءت لتخدم البشرية تماما كالحاسوب فمن تفاعل معه استثمره وتطور ومن قاومه تجاوزه الزمن”.
وأبرز الأستاذ الجامعي أن تقنيات قد تعد “كماليات” للأسوياء مثل السيارات ذاتية القيادة هي “ضروريات ملحة” للأشخاص في وضعية إعاقة لأنها تمنحهم استقلالية كاملة.
وتابع المصدر أن التحدي الأبرز يكمن في كون معظم الأدوات المتطورة مدربة على بيانات وخوارزميات خاصة بمجتمعات أخرى مما يستدعي التفكير في إنتاج أدوات محلية تتماشى مع الثقافة ونمط العيش المحلي.
واختتم اجلودة مداخلته بتوصيات عملية وجهها للوزارات المعنية لوضع إطار وطني يدعم الابتكار المحلي ويطور معايير ولوج رقمية ملزمة ولجمعيات المجتمع المدني لتنظيم حملات توعية وبناء شراكات مع الجامعات وللشركات لتبني مبدأ الولوج الشامل وتكوين موظفيها والاستثمار في الحلول المبتكرة.
وفي المقابل، حذر المهندس حمزة الأنصاري الطالب المتخصص في هندسة البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي من المخاطر الكامنة في هذه التكنولوجيا مؤكدا أنها تحمل جوانب سلبية تتطلب حذرا شديدا خاصة ما يتعلق بالتحيز والخصوصية ومعضلة “الصندوق الأسود” التي تجعل قرارات الخوارزميات غامضة.
وأوضح الأنصاري أن التحيز يعد من أبرز الأخطاء مستشهدا بنظام توظيف آلي لشركة “أمازون” كان يفضل الذكور لأن بياناته التاريخية كانت تحتوي على عدد أكبر منهم.

وسلط المهندس الضوء على مخاطر الخصوصية الناجمة عن تدريب النماذج على كميات هائلة من البيانات الشخصية وخطر الأنظمة الذاتية كسيارات القيادة الذاتية التي لا تزال تسجل هامش خطأ قاتلا.
وأشار المتحدث ذاته إلى خطورة “التزييف العميق” (الديب فيك) في نشر الأخبار الكاذبة وتأثير بعض التطبيقات على الصحة النفسية كما تطرق إلى تهديد الذكاء الاصطناعي للوظائف التقليدية.
وكشف الأنصاري في ختام مداخلته عن مشروع تخرج يعمل عليه مع زملائه لتطوير نموذج ذكاء اصطناعي باللهجة الحسانية بهدف سد الفجوة الرقمية التي تعاني منها هذه اللهجة وجعل التكنولوجيا أكثر شمولية وملاءمة للواقع المحلي.
المصدر: العمق المغربي
