خبراء يراقبون توظيف البيانات المناخية في صمود المجتمعات أمام الكوارث
أوضحت دراسة للباحثة كارولين جورج، وآخرين، أن مجال تحليلات المناخ قد يسهم في اتباع الحكومات المحلية نهجا أكثر استباقية، من خلال تحديد المخاطر وطبيعتها وتطوير خطط العمل المناخية وتنفيذ الإستراتيجية التي تحد من هذه الأضرار.
ورصد العرض المنشور في موقع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، بعنوان “توظيف بيانات المناخ في صمود المجتمعات أمام الكوارث”، وجود اختلالات بيئية نتيجة تصاعد ضغوط موجات الحر أو الفيضانات أو حرائق الغابات، كما قدم استراتيجيات للتكيف، مبرزا أن القيود المفروضة على هذه البيانات تمثل تحدياً لدى الجمهور.
وشدد المصدر ذاته على أن عملية رسم خرائط المخاطر المناخية تشكل وسيلة إيجابية لتعزيز قدرات المجتمعات المحلية على استيعاب التغيرات البيئية والتكيف معها، مشيرا إلى تحديات تواجه ذلك، منها صعوبة إيصال مخاطر المناخ إلى الجمهور، خاصة أنه موضوع تقني ومعقد بطبيعته.
نص المقال:
تعددت الأبعاد والانعكاسات السلبية الناجمة عن الأحداث المناخية، ليرتفع متوسط الأضرار السنوية الناتجة عن الكوارث المرتبطة بالطقس والمناخ من 18 مليار دولار في الثمانينيات إلى 81 مليار دولار في بداية العقد الأول من القرن الحالي، الأمر الذي يستدعي ضرورة تحمل الحكومات مسؤولية دعم ومساعدة المجتمعات للتكيف مع المخاطر المناخية المتزايدة.
إلا أن العبء الأكبر من تلك الأضرار يقع على الحكومات المحلية التي تعمل على تنظيم وتحفيز مواقع الإسكان الجديد، وتطوير وتشغيل البنية التحتية للنقل والمياه، والإشراف على الاستجابة لحالات الطوارئ. لذلك تأتي أهمية هذه الدراسة للباحثة كارولين جورج، وآخرين في مؤسسة بروكنغز في ديسمبر 2023، التي تناقش كيف تساعد بيانات المخاطر المناخية المجتمعات على أن تصبح أكثر قدرة على الصمود؟.
توضح الدراسة أن مجال تحليلات المناخ قد يسهم في اتباع الحكومات المحلية نهجا أكثر استباقية، من خلال تحديد المخاطر وطبيعتها وتطوير خطط العمل المناخية وتنفيذ الإستراتيجية التي تحد من هذه الأضرار؛ كما تحدد السبل المُثلى لاستخدامات الحكومات المحلية بيانات المخاطر المناخية، ووضع الخطط الإستراتيجية للتكيف، مع التطبيق على نموذج مدينة سان دييغو في الولايات المتحدة.
اختلالات بيئية
مع تصاعد ضغوط موجات الحر أو الفيضانات أو حرائق الغابات على الأحياء والمدن التي تقع في بيئات مناخية مضطربة تتزايد أهمية العمل على حماية الأشخاص والممتلكات من قبل الحكومات المحلية، إذ أصبحت المخاطر المرتبطة بالطقس اختباراً لقدرة هذه الحكومات على الاضطلاع بهذه المسؤوليات. ويرجع ذلك إلى الاختلال البيئي، إذ يوجد السكان في المناطق الخطرة، كما أن العديد من الأحياء والمدن مثل: مدينة سان دييغو في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تم بناؤها في العقود السابقة، ليست مستعدة بشكلٍ جيد للتخطيط والتخفيف من الأحداث المناخية، مثل: الأعاصير في جنوب كاليفورنيا أو الصقيع في الجنوب الشرقي.
وأسهمت سياسات تنمية الأراضي داخل مدينة سان دييغو لمجابهة تسارع وتيرة النمو السكاني في مواقع محفوفة بالمخاطر المناخية في زيادة احتمالية تعرض سكان تلك المناطق لأزمات بيئية مختلفة. وتقتصر استجابة الحكومات الفدرالية لهذه الأزمات على إعادة بناء المنازل والمباني والبنية التحتية بالطرق نفسها، وفي الأماكن نفسها، دون وضع إستراتيجية استباقية للاستيعاب والتكيف مع المناخ.
ومع تزايد التغيرات البيئية والتعرض النسبي من الأحياء المختلفة لمخاطر تلك التغيرات تتزايد أهمية وفاعلية توافر البيانات الخاصة بالمخاطر المناخية للحكومات المحلية، للاستفادة القصوى منها في تقليل كلفة تلك المخاطر، من خلال تخطيط إستراتيجيات التكيف المجتمعية، بحيث تكون أكثر قدرة على توقع الصدمات واستيعابها وسرعة التعافي منها.
واستجابة لهذه المخاطر المتزايدة تنفذ العديد من الحكومات المحلية سياسات جديدة تركز على المرونة، بالإضافة إلى خطط التخفيف أو إزالة الكربون، إذ تتبنى العديد من البلديات والحكومات الإقليمية خطط عمل المناخ وقياس احتياجات التكيف، علاوة على استخدام المرافق وإدارات النقل والوكالات الأخرى التي تركز على المعايير المحدثة لتصميم بنية تحتية أكثر مرونة مثل: مظلات الأشجار الحضرية، والحواجز النباتية، والأسطح القابلة للاختراق. وبدأ مطورو ومالكو الإسكان المدعوم في تقييم المخاطر المناخية بشكل منهجي عبر ممتلكاتهم ودمج المرونة المناخية في كل من التطويرات الجديدة والتعديلات التحديثية للمباني القديمة.
إستراتيجيات التكيف
تحتاج كل حكومة محلية داخل الولايات المتحدة إلى مصادر موثوقة لمعلومات مخاطر المناخ لتصميم إستراتيجيات فعَّالة ومرنة في مواجهة التحديات البيئية، مثل: خرائط الفيضانات وتقارير هطول الأمطار وخرائط حرائق الغابات؛ التي تكون مُحدثة ودقيقة لكونها مدخلاً أساسياً لإدارة المناخ. ويُعد رسم خرائط مخاطر المناخ هدفاً للحكومات المحلية وشركات القطاع الخاص التي تعتمد على البيانات التي تتيح لها الاستعداد بشكلٍ أفضل للأحداث المناخية، فشركات التأمين على الممتلكات والعقارات المؤسسية وشركات الخدمات المالية من أبرز الجهات التي قامت بدمج بيانات مخاطر المناخ على نطاق صغير في ممارساتها التجارية.
واتبعت ولاية كاليفورنيا نمط تقييم المخاطر المناخية ووضع مؤشرات لها، فيما عملت مدينة سان دييغو على تجميع البيانات الخاصة بكافة الأراضي بها وتحليلها، بحيث يمكن إنشاء مؤشرات متعددة تتعلق بمستوى قطع الأرض، وذلك على غرار سجلات قطع الأراضي الرقمية التي يحتفظ بها مقيمو الضرائب المحليون، التي توضح بالتفصيل استخدامات الأراضي وأنواع المباني، وربط ذلك بالتعداد السكاني؛ كما وضعت مقاييس ترصد المخاطر المادية وتكاليفها، وذلك لحساب التأثيرات الاقتصادية الملموسة، بما في ذلك تكاليف التشغيل المستمرة التي تدفعها الأسر والشركات.
إن الأنماط المكانية والبيانات الجغرافية المختلفة تساعد الحكومات المحلية على التخطيط والاستثمار من أجل التكيف وفهم كيفية تداخل مخاطر المناخ مع نقاط الضعف الاجتماعية والاقتصادية، إذ إن الأسر والمجتمعات ذات الدخل المنخفض تعاني عادة من اضطراب الأحداث المناخية. لذلك تُعد الموارد المالية والحصول على الائتمان والمعلومات والموارد الأخرى أمراً بالغ الأهمية لمجموعة واسعة من إستراتيجيات التكيف. إلا أن القيود المفروضة على هذه البيانات تمثل تحدياً لدى الجمهور، ولاسيما في إطار مخاطر الحرائق والفيضانات. ويمكن توضيح مقاييس المخاطر من خلال نموذج مدينة سان دييغو في النقاط التالية:
درجات الحرارة: تُمثل درجة الحرارة أبرز المخاطر المناخية داخل سان دييغو، إذ تهدد الصحة العامة وتقلل إنتاجية العمال، بل وتزيد الطلب على الخدمات المدنية مثل التبريد. وتعاني كافة أحياء المدينة قدراً من مخاطر الحرارة. ومع ذلك تعتمد درجة الخطر على طبيعة الموقع، فالأحياء الساحلية تواجه عدداً أقل من الأيام التي تتعرض لها المدينة لدرجة حرارة مرتفعة مقارنة بالأحياء الداخلية؛ وكذلك يواجه ما يقرب من 17% من المناطق أكثر من 20 يوماً شديدة الحرارة مقارنة بحوالي 12% من الأحياء، أي إن بعض مجموعات الكتل ذات المخاطر المعتدلة على مستوى الحي تحتوي على قطع أرض ذات مخاطر عالية، كما أن موجات الحرارة المرتفعة ترتبط بالعوامل الجغرافية أكثر من العوامل الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يتطلب الحاجة إلى النظر إلى مناطق جغرافية صغيرة لرسم خريطة للأماكن التي قد توجد فيها المخاطر، كما يتطلب كذلك من صناع السياسات النظر إلى أنواع مختلفة من الإستراتيجيات التكيفية للأحياء المعرضة لمخاطر الحرارة العالية بناءً على الخصائص الديمغرافية والاقتصادية والمادية الأساسية.
حرائق الغابات: تُعد حرائق الغابات ثاني أكثر المخاطر المناخية انتشاراً في مدينة سان دييغو. ورغم أن تلك الحرائق ليست منتشرة على نطاق واسع مثل المخاطر المتعلقة بالحرارة فإن احتمالية حدوثها يكون أعلى في الجزء الشرقي من المدينة، بسبب قربه من المساحات المفتوحة والأودية، إذ تسمح التضاريس الوعرة والنباتات المعرضة للحرائق بانتشار الحرائق بسهولة. مع ذلك فهناك ما يزيد عن 40% من قطع الأراضي في المدينة لديها نموذج لاحتمالية الحرائق، كما عززت المدينة الاستثمارات المتعلقة بإدارة حرائق الغابات بعدما شهدت حوادث من هذا النمط عامي 2003 و2007.
مخاطر الفيضانات: تُعد مخاطر الفيضانات الناجمة عن العواصف الشديدة أقل بروزاً في مدن كاليفورنيا مقارنة بالمناطق الساحلية على طول سواحل المحيط الأطلسي والخليج. ومع ذلك فإن اندلاع إعصار هيلاري في أغسطس 2023 قد يكون نذير خطر في المستقبل. وتستخدم الوكالة الفدرالية لإدارة الطوارئ داخل مدينة سان دييغو تقدير السهول الفيضية لمدة 100 عام لتحديد المناطق شديدة الخطورة. إلا أن المدينة تعاني من غياب جودة قدرة أنظمة الصرف؛ إذ إن الكثير من الأحياء القديمة تم بناؤها وفقاً لمعايير التصميم القديمة، وتؤثر في زيادة التأثيرات المختلفة للفيضانات التي تؤدي إلى تآكل السواحل، ما يؤثر في المنازل والشركات والبنية التحتية.
تحديات أساسية
تشكل عملية رسم خرائط المخاطر المناخية وسيلة إيجابية لتعزيز قدرات المجتمعات المحلية على استيعاب التغيرات البيئية والتكيف معها. مع ذلك فهنالك تحديات تواجه ذلك، منها صعوبة إيصال مخاطر المناخ إلى الجمهور، خاصة أنه موضوع تقني ومعقد بطبيعته. ولمعالجة هذا التحدي قامت الشركات المتخصصة في تقييم مخاطر المناخ بتطوير مجموعة من المؤشرات لها، تتمثل في “حرائق الغابات، الفيضانات، الرياح، الحرارة الشديدة”؛ وذلك بهدف تبسيط المخاطر النسبية للجماهير. وفي الوقت نفسه تواجه عملية رسم مخاطر المناخ تحدياً آخر يتعلق بإيجاد طرق لتحليل البيانات المناخية وتفسيرها بشكل فعال في ضوء كونها معقدة للغاية، وتحتاج إلى مزيج من المهارات الإحصائية والخبرة الموضوعية لتفسيرها بدقة.
بشكل عام، يتطلب دمج البيانات المناخية مع المعلومات الجغرافية والتركيبة السكانية والسمات الاقتصادية وغيرها للوصول إلى نتائج فعالة تدعم صمود المجتمعات المحلية عدة أمور منها:
توفير بيانات المخاطر المناخية التفصيلية جغرافياً، بحيث تسترشد بها إستراتيجيات التكيف في المجتمعات المحلية، كما ينبغي على حكومات الولايات أن تأخذ زمام المبادرة في إدارة بيانات المخاطر المناخية الجغرافية، مع تطوير القدرات لدى الموظفين المحليين للتفاعل مع البيانات المتعلقة بالمناخ، عبر تعزيز “الوظائف الخضراء”، وتقديم البرامج التدريبية الخاصة بالجوانب الفنية لتحقيق الاستفادة من البيانات.
تشكيل مكتب مركزي لبيانات المناخ، بحيث يكون وكالة إقليمية لمستودع بيانات مخاطر المناخ، بما يسهل تبادل المعلومات حول البرامج التي تساعد الأسر والمجتمعات على بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ.
الاستفادة من السجلات المختلفة التي تحتفظ بها المدن والمقاطعات، بحيث تجعل البيانات المناخية أكثر فائدة في حدود قدراتها المتاحة، مع التأكد من دقة قواعد بيانات الممتلكات داخل المحليات.
ختاماً، بات هناك وعي عام متزايد بالتكاليف الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المترتبة على عدم حماية المجتمعات بشكلٍ كاف من التغيرات المناخية، الأمر الذي يتطلب اتباع المسؤولين في الحكومات المركزية والمحلية وقادة الأعمال والمنظمات المدنية كل الأدوات، ومنها بيانات وتحليلات المناخ لتصميم وتنفيذ إستراتيجيات فعالة لصمود المجتمعات المحلية.
المصدر: هسبريس