اخبار المغرب

حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي بالمغرب

في ظل انتشار التقنيات الحديثة وتزايد الوسائل التكنولوجية وتطورها، أضحت إشكالية حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي تطرح أكثر من سؤال، لاسيما ما يتعلق بإيجاد ترسانة قانونية تواكب تطور هذه التقنيات الحديثة، فضلا عن مدى القدرة على صياغتها بالصيغة الفعالة والملائمة.

لن يكون مفيدا القول أن حماية المعطيات الشخصية عموما، ينحصر في وسائل المعلوميات، بل يشمل إلى جانب ذلك مجموعة من العناصر الأخرى، كمواقع التواصل الاجتماعي، الأنشطة الاقتصادية والتجارية الالكترونية، انتحال صفة، العمل عن بعد، إفشاء أسرار شخصية، السرية، الحماية المادية للمعطيات، وجود أعطاب في المعدات الالكترونية، الإشاعات، الاتهامات الكاذبة…الخ، ومن هنا يمكن التساؤل عن ما المقصود تحديدا بالمعطيات ذات الطابع الشخصي في النموذج القانوني المغربي لاسيما بعد صدور القانون رقم رقم 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه المعطيات ذات الطابع الشخصي الصادر بتاريخ 18 فبراير 2009؟  وما هي أهم المقتضيات التي جاءت في القانون المتعلق بحماية المعطيات ذات الشخصي؟ وهل سيتم التفكير في مواجهة التحديات الراهنة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في علاقته بحماية هذه المعطيات؟

إن المطلع على هذا القانون، سيلاحظ  أنه حدد العديد من التعاريف وبين من جهة ثانية نطاق التطبيق من خلال المادة الأولى التي نقرأ فيها أن ” المعلوميات في خدمة المواطن، وتتطور في إطار التعاون الدولي ويجب ألا تمس بالهوية والحقوق والحريات الجماعية أو الفردية للإنسان، وينبغي ألا تكون أداة لإفشاء اسرار الحياة الخاصة للمواطنين”.

كما نص القانون على أنه من بين أهم اللجن التي تقوم عليها حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، لجنة وطنية تسمى “اللجنة الوطنية لمراقبة المعطيات ذات الطابع الشخصي”، تماشيا مع ما تم اعتماده على المستوى الاتحاد الأوروبي، وهي اللجنة التي تسهر على تنفيذ ما تم إقراره بمقتضى القانون، وقد تم تنصيب أعضائها، المعينون منهم والمقترحون من قبل مجلس النواب ومجلس المستشارين.

ومن بين المهام الرئيسية التي يعهد بها للجنة بالمغرب، أنه تقوم اللجنة الوطنية بمهمة دائمة لإخبار العموم والأشخاص المعنيين بحقوقهم والتزاماتهم التي ينص عليها هذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه،  والتعاون مع هيئات مراقبة معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي المماثلة في الدول الأجنبية، وتختص اللجنة الوطنية كذلك في؛ تلقي شكايات كل شخص معني يعتبر نفسه تضرر بنشر معالجة معطيات ذات طابع شخصي والتحقيق بشأنها والاستجابة لها والرد عليها بالأمر بنشر تصحيحات أو إحالتها على وكيل الملك قصد المتابعة أو هما معا، فضلا عن الإدلاء برأيها أمام السلطة المختصة بشأن مشاريع النصوص التنظيمية الصادرة بإحداث ملفات متعلقة بالمعطيات ذات الطابع الشخصي المجمعة والمعالجة من أجل الوقاية من الجرائم والجنح وزجرها. ويعتبر الرأي المطلوب في هذه الحالة بمثابة تصريح، وكذلك الإدلاء أمام الحكومة أو البرلمان بشأن مشاريع أو مقترحات القوانين أو مشاريع النصوص التنظيمية ذات الصلة بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي التي تعرض عليها؛ التبليغ عن هوية الممثل المستقر في المغرب الذي يحل محل المسؤول عن المعالجة القاطن بالخارج؛ وفق ما يفهم من مضامين القانون ومرسومه التطبيقي المشار إليهما سابقا.

وتقوم اللجنة بمختلف هذه المهام، حيث تشير النصوص القانونية المنظمة لها، أنها تكون اللجنة مؤهلة للقيام بالعديد من العلميات، من بينها؛ الإذن بحفظ المعطيات لمدة أطول من المدة المنصوص عليها؛ منح المسؤول عن المعالجة أجلا إضافيا للإجابة على طلبات الإيصال المقدمة من قبل الشخص المعني؛ والعمل على إجراء التصحيحات المبررة في حالة رفض المسؤول عن المعالجة القيام بذلك بطلب من المعني بالأمر.

وبالرغم من المجهودات التي تبذلها اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، في مجال التحسيس والتوعية والتواصل، فإنه لازالت اكراهات عديدة تكتنف التطبيق السليم لأحكام ومقتضيات القانون الجاري به العمل فيما يتعلق مجال حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.

ومن جهة أخرى، استثنى القانون شمول مقتضياته لبعض المؤسسات، حيث أشار إلى أنه لا يطبق هذا القانون على المعطيات ذات الطابع الشخصي المحصل عليها والمعالجة لمصلحة الدفاع الوطني والأمن الداخلي أو الخارجي للدولة، ولا يطبق على المعطيات ذات الطابع الشخصي المحصل عليها والمعالجة لأغراض الوقاية من الجرائم والجنح وزجرها إلا وفق الشروط المحددة بالقانون أو النظام الذي تحدث بموجبه الملفات المعنية؛ ويبين هذا النظام المسؤول عن المعالجة وشرط مشروعيتها والغاية أو الغايات المتوخاة منها، وفئة أو فئات الأشخاص المعنيين والمعطيات أو أصناف المعطيات المرتبطة بها ومصدر المعطيات والأغيار أو فئات الأغيار الموصلة إليهم هذه المعطيات والإجراءات الواجب اتخاذها لضمان سلامة المعالجة. ويعرض هذا النظام مسبقا على اللجنة الوطنية من أجل إبداء رأيها.

وقد أضاف القانون مسألة في غاية الأهمية تتعلق أساسا، بالحق في الإخبار أثناء تجميع المعطيات يجب على المسؤول عن المعالجة أو من يمثله إخبار كل شخص تم الاتصال به مباشرة قصد تجميع معطياته الشخصية إخبارا مسبقا وصريحا ولا يحتمل اللبس بالعناصر التالية، ما عدا إذا كان على علم مسبق بها : ‌هوية المسؤول عن المعالجة وعند الاقتضاء هوية ممثله؛ ‌غايات المعالجة المعدة لها المعطيات.

ولا يطبق حق الإخبار في هذا الإطار وفق ما أورته القانون السالف الذكر، ‌على المعطيات ذات الطابع الشخصي التي يكون جمعها ومعالجتها ضروريين للدفاع الوطني والأمن الداخلي أو الخارجي للدولة أو للوقاية من الجريمة أو زجرها، وإذا اتضح أن إخبار الشخص المعني متعذر ولاسيما في حالة معالجة المعطيات لأغراض إحصائية أو تاريخية أو علمية. في هذه الحالة، يلزم المسؤول عن المعالجة بإشعار اللجنة الوطنية باستحالة إخبار الشخص المعني وبأن يقدم إليها السبب الداعي لهذه الاستحالة.

وقد تابع القانون الحديث عن الحق في الولوج ضمن فقرات المادة 7 منه، حيث يحق بمنطق هذا المقتضى، للشخص المعني بعد الإدلاء بما يثبت هويته أن يحصل من المسؤول عن المعالجة في فترات معقولة وعلى الفور ودون عوض على ما العديد من الحقوق نذكر بعضها :

1.تأكيد على أن المعطيات ذات الطابع الشخصي المتعلقة به تعالج أو لا تعالج وكذا على معلومات مرتبطة على الأقل بغايات المعالجة وفئات المعطيات التي تنصب عليها والمرسل إليهم أو فئات المرسل إليهم أو فئات المرسل إليهم الذين أوصلت إليهم المعطيات ذات الطابع الشخصي؛

‌2.إحاطة، وفق شكل مفهوم، بالمعطيات التي تخضع للمعالجة وكذا بكل معلومة متاحة حول مصدر المعطيات؛

ويحق للمسؤول عن المعالجة أن يطلب من اللجنة الوطنية تحديد آجال الإجابة على طلبات الولوج المشروعة كما يمكنه التعرض على الطلبات التي يكون شططها بينا، ولاسيما من حيث عددها وطابعها التكراري.

وفي الجانب الزجري نصت مقتضيات المادة 56 على أنه، يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنة وبغرامة من 20.000 درهم إلى 200.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من قام بمعالجة معطيات ذات طابع شخصي خرقا لأحكام المادة 4  من القانون. وفي نفس الاتجاه شدد المشرع المغربي العقوبة على إنجاز ملفات المعطيات الشخصية دون التصريح بذلك أو الحصول على الإذن، أو واصل نشاط معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي رغم سحب وصل التصريح أو الإذن، ويعاقب مرتكب هذا الفعل،  بغرامة من 10.000 درهم إلى 100.000 درهم كل من دون المساس بالمسؤولية المدنية تجاه الأشخاص الذين تعرضوا لأضرار نتيجة هذه المخالفة.

وختاما، ينبغي الإشارة إلى مسألة مدى تأطير القانون للتحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي الذي غزى العالم خلال الآونة الأخيرة، حيث تطرح إشكالية استخدام الذكاء الاصطناعي للمعطيات ذات الطابع الشخصي، وهو ما جعل اللجنة الوطنية مؤخرا تولي اهتماما بالغا لموضوع الذكاء الاصطناعي في علاقته بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، وأعلنت في مارس الجاري أنها ستشتغل على هذه التيمة من خلال الجلسات التي سيتم تنظيمها مع خبراء دوليين ووطنيين، فضلا عن الهيئات العلمية وجمعيات المجتمع المدني وبعض المؤسسات ذات الاهتمام المشترك.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *