“حماس” تُكن احتراما خاصا للملك
أثارت كلمة خالد مشعل، رئيس حركة حماس الفلسطينية بالخارج، على هامش “المهرجان الوطني طوفان الأقصى وواجب النصرة”، الذي نظمته حركة التوحيد والإصلاح، الأحد الماضي، والتي دعا من خلالها الشعب المغربي إلى مخاطبة قيادته من أجل وقف التطبيع مع إسرائيل، (أثارت) غضب عدد من المغاربة رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين اعتبر بعضهم الأمر “تدخلا في الشؤون الداخلية المغربية والقرارات السيادية للمملكة”.
من جهتها، أصدرت الأمانة العامة لحزب الحركة الشعبية بيانا قالت فيه إنها “تلقت باستغراب ودهشة كبيرين التصريحات الأخيرة للقيادي في حركة حماس المتنكرة بشكل صارخ لموقف المغرب، ملكا وشعبا، المؤيد للشعب الفلسطيني”، معتبرة أن تصريحات الرجل “تُشكل علاوة على افتقادها لأدنى شروط اللباقة والأعراف الدبلوماسية، تحريضا مباشرا على الفتنة ومحاولة لفرض إملاءات على دولة مستقلة”.
وكان خالد مشعل قال في كلمته التي بُثت مباشرة من العاصمة القطرية الدوحة، إن “ما يجري اليوم والذي انطلق في السابع من أكتوبر أعادنا إلى الحقائق، لأن الكثير كان يعيش في الأوهام أو كان مبتعدا عن واجبه ومسؤولياته”، مسجلا أن “السابع من أكتوبر أعادنا كذلك إلى جوهر الصراع وروح قضية كاد العالم أن ينساها، بل كان العالم الغربي يسعى إلى نسيانها وجعلها في مجاهل التاريخ مع بعض العرب والمسلمين الذين تجاهلوها وتخاذلوا إزاءها عن قصد أو غير قصد، وبعضهم طعنها في ظهرها والبعض سعى لمصالحة ولو كانت في مصادمة مع حقوق الشعب الفلسطيني وبنى أوهاما وروج لثقافة مهزومة، كما أن البعض حولها إلى تفاصيل حتى من أبناء شعبنا الفلسطيني وبعض القيادات التي حولتها إلى ملفات باردة وإلى مجرد مفاوضات ومشاريع تسوية وسلام زائف يتلهى بها الناس”.
وأضاف رئيس حركة حماس بالخارج أن “معركة طوفان الأقصى أعادت لنا الثقة بقدرتنا على النصر وبقدرتنا على هزيمة الاحتلال، وأن ذلك ممكن عن طريق المقاومة والجهاد، وليس التوسل ولا التسول ولا المفاوضات ولا الضعف، لأن هذا الأخير لا يصنع خيرا ولا نصرا ولا يحقق أهدافا”، مسجلا أنه “لا يكفي التعاطف والبكاء والألم”، متسائلا في الوقت ذاته: “إلى متى نترك أهل غزة يتحملون نيابة عن الأمة كلها هذه المسؤولية تجاه فلسطين والأقصى وتجاه أمانة محمد صلى الله عليه وسلم ووديعة عمر بن الخطاب وإرث الصالحين والفاتحين من أمتنا؟”.
وشدد القيادي الفلسطيني ذاته على أن “معركة السابع من أكتوبر عرت إسرائيل وكشفتها على حقيقتها كما لم تنكشف من قبل، وأقول هذا لأمتنا جميعا، خاصة المُطبعين، ولمن استمرؤوا التطبيع والعلاقات واللقاءات والاتصالات مع الصهاينة، ولمن سوقوا لثقافة الهزيمة وثقافة التطبيع وراهنوا عليه وسوقوا له وظنوا أن ذلك يخدم مصالحهم في حين إنما خدموا أهواءهم ومزاجهم المنكوس حين تخلوا عن ثقافة الأمة الأصيلة ومسؤوليتها التضامنية تجاه فلسطين وأهلها”، موردا: “اليوم كلنا لدينا عواطف، لكننا نريد أفعالا”.
ونادى مشعل في المغاربة قائلا: “أخاطبكم في المغرب… هناك خطوة تستطيع المملكة المغربية أن تقوم بها، وأنا أدعو إخواني في المغرب وكل الجماهير والقوى الإسلامية والوطنية بكل اتجاهاتها الفكرية والسياسية أن تخاطب قيادة البلد غيرة على المغرب وعلى مصالحه وأمنه، وغيرة على فلسطين، أن تُقطَع العلاقات وأن يتوقف التطبيع وأن يُطرد السفير وأن تُطوى هذه الصفحة التي جاءت خارج السياق الطبيعي لدولة محترمة كالمغرب”، لافتا إلى أن “الورقة في يد المغرب، وإذا وقف الشعب سندا لحاكمه تستطيع المملكة أن تخطو هذه الخطوة لتصحح بذلك خطأ وتقوم بواجب”.
إملاءات خارجية و”ظاهرة صوتية”
تفاعلا مع هذا الموضوع، قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتدبير المخاطر وتحليل الصراع، إن “تطاول زعيم ميليشيا حماس بالخارج خالد مشعل على الاختيارات الاستراتيجية للدولة المغربية وتجرؤه على مخاطبة الشعب المغربي بصيغة الأمر، يندرج في سعي إيران لتنفيذ أجنداتها العابرة للشعوب العربية والإسلامية باستخدام أدواتها من الجماعات والميليشيات الوظيفية في العراق واليمن وفلسطين ولبنان لتمرير رسائلها ومواقفها عن طريق استغلال الارتباط الوجداني للشعب المغربي بالقضية الفلسطينية وحالة التعاطف الإنساني مع المدنيين ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”.
وأضاف البراق أن “المملكة المغربية دولة ذات سيادة ومواقفها مستقلة مرتبطة بالمصالح العليا للشعب المغربي ومتطلبات الأمن القومي المغربي، ولا تقبل بأي حال من الأحوال الإملاءات الخارجية من أي طرف، بل إن المملكة المغربية هي من طليعة الدول العربية والإسلامية التي سارعت إلى شجب العدوان على مدنيي غزة وتقديم المساعدات الطبية والإنسانية، ودعمها الدائم للجهود السياسية لوقف الحرب وإعادة المسار التفاوضي إلى سكته الحقيقية للبحث على حل مستدام يضمن العيش الكريم والآمن لكل شعوب المنطقة”.
وشدد المتحدث عينه، في تصريح لهسبريس، على أن “الموقف الطفولي لزعيم ميليشيا حماس باعتباره ظاهرة صوتية، وإملاءاته إلى الشعب المغربي بحضور قيادات من العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح وهم في حالة من الانبهار والذهول، يعكس الفهم الضيق للجماعات الإسلاموية لطبيعة التوازنات الداخلية في المغرب، ويؤكد ضعف الشخصية السياسية لهذه القيادات، حيث يعبر عن خطها النضالي المستلب فكريا، في حضور خالد مشعل، حيث قام بالتطاول على مؤسسات الوطن وقياداته وتمرير مغالطات ملغومة دون أي توجيه أو تعقيب من هذه القيادات، مما يطرح العديد من الأسئلة حول مدى التزامها بالأولويات الوطنية على حساب مواقفها التجارية من القضية الفلسطينية”، بتعبير البراق.
وأشار البراق في هذا الصدد إلى أن “قادة حركة التوحيد والإصلاح ومعها حزب العدالة والتنمية، هم اليوم خارج السياق السياسي، وكل محاولاتهم الفاشلة للاستغلال المفضوح للقضية الفلسطينية وجثث الأطفال والنساء لا تعدو أن تكون نوعا من المزايدة على الشعب المغربي ومؤسساته بادعاء حب فلسطين وبالموافقة على إملاءات غبية”، مسجلا أن “الشعب المغربي اليوم على وعي متقدم بطبيعة التحديات الجيوسياسية المطروحة، وبصدق المواقف الملكية التي تعكس التزامه بدعم القضايا العادلة في الملف الفلسطيني وزيف المواقف السياسوية الضيقة والانتخابية العابرة لبعض التنظيمات السياسوية الأخرى باستخدام هذه القضية كأصل تجاري لتحقيق مكتسبات سياسية، لذلك فمداخلة خالد مشعل المتلفزة تبقى صيحة في وادي الثقة الجارف بين المؤسسة الملكية والشعب المغربي”.
مبدأ ثابت ومشروع إسلامي
تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال سعيد بركنان، محلل سياسي، إن “مبدأ المغاربة في رفض مثل هذه التدخلات ثابت وله محددات أساسية؛ أولها أن قرارات المغرب سيادية يتم التشاور حولها مع المؤسسات المؤهلة لذلك داخليا، بما فيها الأحزاب السياسية، لتكون بذلك قرارات سيادية تتعلق بالدولة المغربية، وثانيا أن المغاربة يرفضون الإملاءات والتدخلات الخارجية، سواء من دول عظمى أو هيئات دولية كالبرلمان الأوروبي، أو من زعماء مثل ما قام به خالد مشعل”.
وأضاف بركنان، في تصريح لهسبريس، أن “هذا التدخل من جماعة حماس في القرارات السيادية للمملكة لا يمكن أن يكون مقبولا من طرف المغاربة لاعتبارات عدة؛ أهمها أن المغرب لا يعتبر حماس ممثلة للفلسطينيين، بل إن الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطينية بالنسبة للرباط هو السلطة الفلسطينية في شخص رئيسها السيد محمود عباس”، لافتا في الوقت ذاته إلى أن “المغرب سبق ووضح موقفه للسلطة الفلسطينية من استئناف العلاقات مع إسرائيل في اتصال مباشر من الملك مع ممثل السلطة الفلسطينية”.
أما الاعتبار الثاني، يسجل المتحدث ذاته، فيتجلى في أن “المغاربة عبروا عن موقفهم الإنساني تجاه سكان غزة من أطفال ونساء وشيوخ وتجاه كل الضحايا، وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن هذا التضامن يعكس موقفهم الإيديولوجي تجاه مشروع حماس الإسلامي بغزة والمنطقة باعتبارها أحد بقايا مشروع الإخوان المسلمين وأحد بؤر الأمل لتحقيق الثورة الإسلامية بالتصور الإيراني”.
وأشار المحلل السياسي ذاته إلى أن “مواقف خالد مشعل من خلال قناة الإصلاح والتوحيد، الجناح المؤيد لحزب العدالة والتنمية الذي وقع رئيسه السيد العثماني وثائق سيادية للدولة المغربية تقرر فيها إعادة العلاقات المغربية الإسرائيلية، لا يمكن أن تكون محل ترحيب؛ ذلك أن حماس تبحث عن تأييد المغاربة والدولة المغربية لمشروعها الإسلامي في غزة، ولا تبحث عن دعم إنساني”، مضيفا أن “هذا الخطاب هو امتداد لمشروع طهران الذي ترعاه في منطقة الشرق الأوسط بقيادات سياسية إسلامية من حزب الله وحماس، والتي حاولت التغلغل أيضا في شمال إفريقيا من خلال جماعة البوليساريو”.
التوحيد والإصلاح ترد
ردا على ذلك، قال أوس رمال، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “خالد مشعل الذي تمت دعوته من طرف حركتنا، كان يتحدث للمغاربة بشكل طبيعي، لأن المغاربة هم الذين دعوه، وبالتالي فمن الطبيعي أن يتوجه إليهم دون غيرهم من العالم وأن تكون مداخلته موجهة وقاصدة لهم”.
وأضاف أومال أن “حركة حماس، ومشعل على وجه الخصوص، يكنون للمغرب والشعب المغربي وللملك محمد السادس احتراما خاصا وتقديرا فائقا، لأنهم يعتبرون أن دعم المملكة لقضيتهم هو دعم خاص ومتميز عبر العالم العربي والإسلامي”، مشيرا في هذا الصدد إلى زيارة إسماعيل هنية إلى المغرب مباشرة بعد إعادة استئناف الرباط لعلاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل في دجنبر من العام 2020.
وأوضح رئيس حركة التوحيد والإصلاح أن “خالد مشعل من موقعه كزعيم مقاومة وفي هذه المرحلة الفارقة الصعبة التي تشهد تصعيدا من طرف العدو، من من الطبيعي جدا أن يخرج بهكذا خطابات ينادي فيها الأمة العربية والإسلامية من أجل نصرة القضية الفلسطينية، وإذا لم يفعل ذلك لا يصبح زعيما للمقاومة”، لافتا في الصدد ذاته إلى أن “المغاربة ملكا وشعبا لا يقفون عند محاولات الشيطنة هذه، التي ينتجها أنصار الكيان المحتل الغاصب”.
وزاد شارحا: “المقاومة فعلت ما يجب أن يُفعل وأعادت القضية الفلسطينيين إلى الواجهة، ثم إن المغاربة كانوا وما زالوا وسيظلون مع المقاومة، وحتى إذا كانت هناك بعض التجاوزات في كلام الأستاذ مشعل، فالأكيد أن المغاربة سيتجاوزونها وسيعذرونه لأنهم يعرفون أنهم يستمعون إلى زعيم مقاومة يُدّعى أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، وبالتالي من الطبيعي أن يكون كلامه قويا ومحفزا لحشد النصرة والدعم للقضية الفلسطينية. وفي اعتقادي، فإن كل ما يمكن أن يقوله الرجل مقبول انطلاقا من دوره في هذا الصدد ومن الموقع الذي يتحدث منه”.
وأشار أومال إلى أنه “لا يوجد شخص بعقل سليم يمكن أن يتصيد الهفوات في كلمة زعيم المقاومة ليصطف إلى جانب المحتل ولشيطنة المقاومة بهذا الشكل”، معتبرا أن “حركة التوحيد والإصلاح لم يثبت في يوم من الأيام أنها تصرفت بدفع أو بدعم من أي جهة في الخارج، وهي حركة متفاعلة مع واقعها ولا يحركها شيء، كما أنها لا ولم ولن تتصرف إلا بما فيه مصلحة الوطن وقضاياه”، مسجلا في الوقت ذاته أن “موقفنا من التطبيع كان واضحا منذ البداية؛ ذلك أنه لا يخدم مصالح المغرب، كما أنه لم يعد يشرف بلدنا أن تكون له أدنى علاقة بهذا الكيان المجرم”.
المصدر: هسبريس