اخبار المغرب

حكومة “الميدان” تستعد “للمونديال” منذ الآن

تناسلت في الآونة الأخيرة مجموعة التصريحات والمقالات الصحفية المتهافتة التي يزعم أصحابها تسابق أحزاب الأغلبية لرئاسة ما سمي إعلاميا بــ “حكومة المونديال” في أفق الانتخابات التشريعية لسنة 2026.

ورغم أن ذلك غير حاصل بالشكل الذي يحاول البعض تصويره انطلاقا من تضخيم تصريحات معزولة لا تمثل مؤسسات وهياكل هذه الأحزاب، فإن الواقع الميداني يفنده في ظل انشغال مكونات الأغلبية بانسجام تام، بقيادة رئيس الحكومة على تنزيل الأوراش المتبقية في البرنامج الحكومي.

كما يدحض هذه المزاعم كذلك بلاغ الأغلبية الحكومية الأخير، الذي عبر عن عزمها الثابت في مواصلة تقوية التعاون بين مختلف مكوناتها الحكومية، والبرلمانية، والحزبية، من أجل الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنات والمواطنين، مع مواصلة التجاوب مع الانتظارات الداخلية، والوفاء بالتزامات البرنامج الحكومي بكل سلاسة في ما تبقى من عمر هذه الولاية الحكومية.

وإن كان التنافس بين الأحزاب السياسية أمرًا مشروعًا، بل وضروريا، وتسليط الضوء عليه من قِبَل المتابعين والإعلاميين يعكس حيوية المشهد السياسي، وإن كان كذلك استيقاظ بنكيران المتأخر مع مُرِيدَيْه الذَيْن تَبقَّيَا معه للدخول في هذه الجوقة، بادعاء قيادة حكومة “المونديال”، يضفي نوعًا من السخرية التي تكسر روتين النقاش السياسي، فإن الترويج لعبارة “حكومة المونديال” وربطها بانتخابات 2026 يُعَدّ تضليلًا للمعطيات وتشويهًا للحقائق، إذ يمكن لأي متابع يملك الحد الأدنى من الوعي والتفكير النقدي أن يطرح تساؤلات مشروعة حول ما إذا كان الاستعداد لهذا الحدث العالمي سيتم في ثلاث أو أربع سنوات بعد الاستحقاقات المقبلة، وحول ما إن كان تطوير البنية التحتية وتأهيل المرافق السياحية وتشييد الملاعب الرياضية يتم في هذه المدة القصيرة ؟

هي أسئلة مشروعة، خاصة إذا علمنا الأشواط المتقدمة التي قطعتها الحكومة في الإعداد لهذا الحدث الدولي الهام، بفضل التوجيهات الملكية السديدة والعمل الميداني لوزراء الحكومة، وكذلك بفضل إدارة وتدبير رئيس الحكومة عزيز أخنوش وكفاءته العالية في تتبع وتدبير الملفات بجدية وفعالية وحرصه الشديد على قيادة الحكومة في جو من التضامن والتعاون والانسجام.

هذا كله يجعل كل التعليقات والتحليلات التي تصف حكومة 2026 بــ “حكومة المونديال” متسرعة ومغلوطة، في ظل تقدم معظم الأوراش والمشاريع التي تم إطلاقها ويتم العمل على تنزيلها في الميدان، ليكون معظمها جاهزاً في “البروفا” الأولية لتظاهرة كأس إفريقيا التي ستحتضنها بلادنا نهاية السنة الجارية.

ويمكن أن نستعرض هنا جزءاً من الأوراش والمشاريع التي تبرز بالمعطيات والأرقام تقدم حكومة عزيز أخنوش في الاستعداد للمونديال في الميدان منذ الآن. إذ عملت الحكومة منذ تنصيبها على إطلاق مشاريع كبرى، وفي مقدمتها تأهيل البنيات التحتية في إطار رؤية شمولية تهدف إلى تحقيق التنمية المنشودة في أفق 2030. حيث عملت على تنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى تشمل مختلف القطاعات الحيوية.

فعلى مستوى البنية التحتية الطرقية، تعمل الحكومة على تسريع وتيرة إنجاز الطرق السيارة على غرار محور برشيدتيط مليل، الذي ينجز بكلفة 2.5 مليار درهم، وتثليث محور الدار البيضاءبرشيد، إضافة إلى الطريق السيار القاري بين الرباط والدار البيضاء، الذي تبلغ تكلفته 6 مليارات درهم، والطريق السيار كرسيفالناظور بكلفة تصل إلى 7 مليارات درهم. حيث تسعى الحكومة من خلال هذه المشاريع إلى تعزيز الترابط بين مختلف جهات المملكة وتحسين منظومة النقل والخدمات اللوجستية.

ولا يقتصر الطموح الحكومي، على شبكات الطرق، بل يمتد إلى النقل السككي، حيث يتم العمل على تمديد الخط فائق السرعة من القنيطرة إلى مراكش، وهو مشروع يمتد على طول 430 كيلومتراً بتكلفة تقدر بـ 53 مليار درهم، ليشمل ربط مطاري الرباط والدار البيضاء. كما تطمح الحكومة إلى مد هذا الخط نحو أكادير على طول 240 كيلومتراً، مع وضع رؤية مستقبلية لربط مدن جنوب المملكة مثل العيون والداخلة، مما يرسخ مكانة النقل السككي كقاطرة للتنمية المستدامة.

أما على مستوى قطاع النقل الجوي، فقد عملت الحكومة على إطلاق مخطط استراتيجي يهدف إلى مضاعفة السعة في قطاع النقل الجوي بشكل غير مسبوق. فقد تم إطلاق أكثر من 32 خطاً جوياً جديداً، مما يتيح إضافة 250,000 مقعد إضافي، مع التركيز على توسيع الطاقة الاستيعابية للمطارات الوطنية لتصل إلى 80 مليون مسافر بحلول عام 2030، مقارنة بـ 38 مليون مسافر حالياً.

وتشمل هذه المبادرة تحديث وتجهيز مجموعة من المطارات المهمة، مثل الرباطسلا، تطوان، الحسيمة، فاس، طنجة، مراكش، بني ملال، وزاكورة، إضافة إلى تعزيز قدرة مطار محمد الخامس الدولي لتصل إلى 23.3 مليون مسافر.

وفي نفس السياق، تسعى الحكومة إلى رفع أسطول الطائرات التابع للخطوط الملكية المغربية من 50 إلى 200 طائرة بحلول عام 2037، لتلبية الطلب المتزايد وتواكب التطورات الكبرى التي يشهدها القطاع، خاصة في ما يتعلق بالتظاهرات الرياضية القادمة، في إطار دينامية تعكس هذه الرؤية الاستراتيجية التي تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة على الخريطة الجوية العالمية وتسريع التنمية في هذا القطاع الحيوي.

وترافق هذه الجهود الجبارة خطوات حثيثة لتطوير البنية التحتية الرياضية، حيث يتم تأهيل وتجديد 45 ملعباً وموقعاً للتدريبات، إلى جانب بناء ملعب الحسن الثاني الكبير ببنسليمان، الذي يستوعب 115,000 مقعد، ليصبح محوراً رئيسياً لاستضافة الفعاليات الرياضية والثقافية الكبرى.

فضلاً عن ذلك، برمجت الحكومة إطلاق برنامج خاص لإعادة تهيئة ست مدن رئيسية ستستضيف هذه الفعاليات، وهي الرباط، طنجة، فاس، مراكش، أكادير، والدار البيضاء، إضافة إلى المدون المجاورة لها، والتي ستبلغ 32 مدينة مقسمة على 6 جهات. حيث سيشمل هذا البرنامج العديد من المحاور الأساسية، بدءاً من التهيئة الحضرية وتطوير البنى التحتية الطرقية، وصولاً إلى تحسين وسائل النقل الحضري. كما سيتم تعزيز التجهيزات العمومية والبنية التحتية السياحية، بالإضافة إلى تطوير المنشآت الرياضية والصحية والثقافية والاجتماعية، مع تعزيز آليات الأمن لضمان بيئة مريحة وآمنة للزوار والمواطنين على حد سواء.

من جهة أخرى، حرصت الحكومة على تأهيل وتطوير البنية التحتية السياحية لتكون بلادنا قادرة على استقطاب ملايين السياح بالتزامن مع هذا الحدث العالمي الضخم. وفي هذا الإطار، عملت الحكومة على تطوير وتجويد جميع روافع السياحة المغربية، من خلال إطلاق “خارطة الطريق السياحية”، بغلاف مالي يقدر بـ6 ملايير درهم، بهدف تحفيز آليات تنمية النشاط السياحي، اعتماداً على التسويق والترويج الجيد للوجهة المغربية، وهو ما مكن من استقطاب 17.4 مليون سائح في عام 2024، كإنجاز تاريخي غير مسبوق يعكس بشكل لا جدال فيه نجاعة الإدارة والتدبير الحكومي. وهو ما يؤكده التقييم المتميز للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الذي منح المغرب تقييماً إيجابياً في أفق تنظيم كأس العالم 2030.

وعلى صعيد آخر، رفعت الحكومة بشكل غير مسبوق من مجهود الاستثمار العمومي، حيث انتقل من 230 مليار درهم في سنة 2021 إلى 335 مليار درهم سنة 2024، مع تخصيص 340 مليار درهم في قانون المالية لسنة 2025، كطموح يعكس التزام الحكومة الراسخ بمواكبة مختلف الأوراش الكبرى المفتوحة وتعزيز البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، في إطار مجهود استثماري ضمن رؤية تنموية شاملة تهدف إلى تأهيل بلادنا لتحقيق تنافسية اقتصادية إقليمية ودولية، والاستعداد الأمثل لاستضافة تظاهرات رياضية وثقافية عالمية عبر تحسين البنية التحتية وتطوير القطاعات الاستراتيجية.

واستناداً إلى كل هذه المعطيات والأرقام، يمكننا القول إن هذه الحكومة هي بالفعل حكومة “المونديال” التي تشتغل في “الميدان” بدون ضجيج أو صخب استعدادا لهذا الحدث الدولي الهام، محققة خطوات جد متقدمة في إطار مسار تنموي طموح في أفق 2030. وهو ما يجعل طموح استمرار تنزيل هذه المشاريع والأوراش التي تم إطلاقها بعد 2021 وفق نفس النهج والمسار طموحاً مشروعاً بل وواجباً لما تقتضيه المصلحة الفضلى لاستمرار نفس الدينامية وفق الفعالية والنجاعة التي تم تكريسها والتي تثبت المعطيات ونسب التقدم نجاحها بعيداً عن لغة المزايدات.

وما يعزز هذا الطرح هو مجموع البرامج التي تم إطلاقها لإرساء معالم نموذج اجتماعي واقتصادي جديد في إطار رؤية تنموية شاملة تتجاوز الزمن الحكومي الحالي، وتستهدف بناء نموذج اقتصادي واجتماعي مستدام في أفق 2030، خاصة وأن هذه البرامج شملت العديد من الاستراتيجيات الإصلاحية الجذرية في مجالات حيوية كالتعليم والصحة والتشغيل والسياحة والانتقال الطاقي والرقمي والفلاحي، إلى جانب تدبير استدامة الموارد المائية. حيث تستدعي هذه البرامج توفير الإطار الزمني الملائم لضمان تنفيذها الكامل، مع الحفاظ على استدامة الدينامية التي تم إرساؤها عبر مختلف القطاعات، من أجل استكمال هذه الأوراش بما يتماشى مع الأهداف المحددة، لتحصد بلادنا ثمار هذه الجهود في مغرب المستقبل مغرب 2030 .

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *