أحمد والزهراءالسبت 16 غشت 2025 15:41

أن يخرج المئات في قلب السويداء رافعين شعار “حق تقرير المصير” هو مشهد لا يمكن قراءته إلا بوصفه محاولة خطيرة لجرّ المحافظة السورية نحو المجهول. رفع أعلام إسرائيل في ساحة الكرامة لم يكن تعبيرًا عن غضب محلي مشروع، بل انكشافًا فاضحًا لمدى اختراق مشروع الاحتلال، الذي يلبس عباءة “حماية الأقليات” ليزرع فتنة تقسيمية تُهدد وحدة سوريا من بوابتها الجنوبية.

كيف يمكن لأبناء محافظة قدّمت عبر التاريخ رجالاً للكرامة والمقاومة أن ينزلق بعضهم إلى رفع رايات العدو فوق رؤوسهم، في لحظة نزيف داخلي دامٍ راح ضحيته أكثر من 1600 إنسان؟ هل بات الدم السوري يُستثمر كورقة في بازار الاستقلال الوهمي؟

المفارقة المرة أن المتظاهرين يطالبون بـ”الاستقلال التام”، وكأن السويداء يمكن أن تُحكم بمعزل عن جغرافيا الوطن، وكأن الحصار المفروض بفعل الحرب والأزمات هو ذريعة كافية لإعلان الطلاق مع الدولة السورية. الاستقلال الذي يُرفع اليوم على المنصات ليس سوى وصفة للفوضى، وتذكرة مجانية لمزيد من الدماء، وإغراء صريح لإسرائيل كي توسّع تدخلها بذريعة “حماية الدروز”.

إن رفع شعار “حق تقرير المصير” في السويداء لا يعني سوى تقسيم سوريا، وتحويل الجرح المحلي إلى ورقة إقليمية. من يراهن على واشنطن أو تل أبيب لفتح المعابر وتزويد الناس بالماء والغذاء، ينسى أن هاتين العاصمتين كانتا شريكتين في خنق سوريا بالعقوبات والحصار، وأن الاستنجاد بالجلاد ليس خلاصًا بل استعبادًا جديدًا.

السويداء التي صمدت في وجه العثماني والفرنسي، والتي قاومت محاولات التدجين والتقسيم، تستحق أن تكون جزءًا من حل وطني جامع، لا أن تُستخدم كمنصة لمشاريع انفصالية أو رهانات خارجية. الحق في الكرامة والعيش الكريم لا يتحقق بتمزيق الأوطان، ولا بحرق راية الدولة السورية مقابل رفع أعلام المحتل.

الذين يرفعون شعار “تقرير المصير” اليوم يفتحون الباب واسعًا أمام تكرار سيناريوهات مأساوية، من العراق إلى ليبيا، حيث دُمّرت الدول باسم “الحرية” ثم تُركت شعوبها نهبًا للفوضى. سوريا التي تنزف منذ أكثر من عقد لا تحتمل مغامرات جديدة على مقاس طموحات أمراء الحرب أو حسابات الخارج.

السويداء السورية بحاجة إلى ماء وغذاء ودواء، لا إلى أعلام إسرائيلية. بحاجة إلى مصالحة وطنية حقيقية، لا إلى خطابات استقلالية فارغة. وبحاجة قبل كل شيء إلى تذكير نفسها أن الكرامة لا تُبنى بالارتهان للمحتل، بل بالصمود داخل وطن واحد، مهما كان جريحًا.

إسرائيل السويداء سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا

يرجى التحقق من البريد الإلكتروني

لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.

لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.

المصدر: هسبريس

شاركها.