دخل اليوم الإثنين 8 دجنبر 2025، القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية حيز التنفيذ، في خطوة وصفها المشرع المغربي بأنها محورية لمواكبة تطورات العدالة الجنائية الوطنية بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، لا سيما التوصيات الصادرة في إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل والتقارير الأممية.
حذّرت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان من أن القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، والذي سيدخل حيز التنفيذ يوم 8 دجنبر 2025، قد يظل غير كافٍ في مواجهة الجرائم الاقتصادية والفساد المالي، إذا لم تصاحبه إجراءات عملية فعّالة.
ويأتي القانون الجديد ضمن مسعى المغرب لتحديث السياسة الجنائية الوطنية وتعزيز الضمانات الإجرائية للأشخاص في تماس مع العدالة، من خلال تنظيم الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، وضمان الحق في الاطلاع، ومراجعة مسطرة التسليم بما يتوافق مع مبدأ المحاكمة العادلة. ويهدف النص، وفق ما أكدت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، إلى تحقيق توازن بين حماية الحقوق والحريات من جهة، ومقتضيات الأمن العام وحماية المجتمع من جهة ثانية.
رغم المقتضيات الإصلاحية التي يتضمنها القانون، تشير الملاحظات الحقوقية إلى تحديات كبيرة على مستوى التطبيق. وتشمل أبرز الإشكالات محدودية آليات مكافحة الفساد والجرائم المتعلقة بالمال العام، وتقليص إمكانية انتصاب الجمعيات كطرف مدني في القضايا الزجرية، وضعف إدماج مقاربة النوع، إلى جانب قصور واضح في حماية الضحايا والجرائم البيئية. كما تطرح المادة الخاصة بالعدالة التصالحية تساؤلات حول مدى تكريس هذا النوع من العدالة كركيزة أساسية ضمن السياسة الجنائية.
وتسلط الإحصاءات الرسمية الضوء على الضغط الكبير الذي تواجهه المنظومة القضائية، إذ بلغ عدد القضايا بالمحاكم الابتدائية سنة 2024 نحو 2.550.636 قضية، تمثل نسبة 60% من مجموع القضايا الرائجة، فيما سجلت محاكم الاستئناف حوالي 386.578 قضية زجرية، أي ما يعادل 70% من مجموع القضايا، كما قدم نحو 640.000 شخص أمام النيابة العامة، أحيل منهم 90.000 على الاعتقال الاحتياطي.
وفي هذا السياق، أكدت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان على ضرورة ضمان الحقوق الأساسية للمتقاضين، مثل الحق في الولوج إلى العدالة، والمساواة أمام القضاء، وحق الدفاع، والمحاكمة في أجل معقول، والحكم العلني والتحليل المنطقي للأدلة. واعتبرت المنظمة ضمن مذكرة ترافعية بشأن رؤية حقوقية لقانون رقم 03.23 القاضي بتغير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، أن هذه المبادئ هي جوهر دولة الحق والقانون، وأن أي إصلاح في العدالة الجنائية يجب أن يضمن حماية المتقاضين ويصون حرياتهم.
وأشارت المنظمة إلى أن إعداد مذكرة ترافعية مصاحبة لدخول القانون حيز التنفيذ، يأتي لتأطير تطبيقه وفق المعايير الحقوقية الدولية، ووفق دستور يوليوز 2025، الذي يكرس مجموعة من الحقوق الأساسية. وأضافت أن المذكرة تهدف أيضاً إلى متابعة أي ثغرات أو قصور أثناء التنفيذ، لتقديم توصيات قد تسهم في تحسين النص وتشجيع التطبيق الفعلي لمبادئ العدالة الجنائية الحديثة.
ويُنظر إلى القانون رقم 03.23 كخطوة مهمة ضمن إصلاح العدالة الجنائية بالمغرب، لكنه يطرح ضرورة العمل على شمولية الفعالية والآليات العملية، خصوصاً في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على معدل الجريمة. وتؤكد المنظمة المغربية لحقوق الإنسان أن متابعة هذا القانون منذ دخوله حيز التنفيذ ستسهم في تعزيز الثقة في العدالة وتطوير السياسات الجنائية بما يحقق توازنا بين حماية الحقوق الفردية والمصلحة العامة.
بالنظر إلى ما سبق، تؤكد المنظمة المغربية لحقوق الإنسان أن تفعيل مضامين القانون لن يحقق أهدافه إلا من خلال تنزيل متدرج وواعٍ يراعي الإكراهات الواقعية، ويستحضر الحاجة إلى توجيه التشريع نحو خدمة العدالة، لا الاكتفاء بتحديث شكلي للنصوص. إذ أن إعادة بناء عدالة جنائية تستجيب لتحديات العصر وتطلعات المواطنين، تتطلب تخطيطًا مؤسساتيًا محكمًا، وتعبئة للإمكانيات المادية والبشرية، واعتماد آليات للرصد والتقييم المستمر تسهم في تقويم المسار وضمان الأثر الإيجابي للإصلاح.
وترى المنظمة أن التوصيات المعروضة في هذا السياق تشكل مدخلاً عمليًا لبناء منظومة جنائية حديثة، تنسجم مع المقتضيات الدستورية، وتترجم التزامات المملكة الحقوقية، وتستجيب لتطلعات المجتمع في عدالة ناجعة، منصفة وفعالة. وأشارت إلى أن المذكرة الترافعية ستظل ذات أهمية خاصة لحظة تطبيق القانون على أرض الواقع، حيث سيتعين على القطاع الحكومي المسؤول عن التنفيذ استحضار جميع الملاحظات والتوصيات الواردة فيها لتجويد الممارسة ودعم السياسة الجنائية وأهدافها الكبرى، بما يضمن حماية حقوق وحريات الأفراد.
المصدر: العمق المغربي
