اخبار المغرب

حصيلة “الدورة الخريفية” تسائل تجويد التشريع والرقابة وتقوية قدرات النواب

أسدل البرلمان المغربي، بمجلسيه النواب والمستشارين، الستار على أعمال الدورة التشريعية الخريفية التي انطلقت منتصف أكتوبر الماضي بخطاب ملكي أولى اهتماماً لافتا وأسبقية للقضايا الاجتماعية.

ويشكل اختتام دورة أكتوبر، الذي يتزامن مع حصيلة منتصف الولاية التشريعية الحالية، لحظة فارقة في المسار التشريعي والرقابي لكلا المجلسين، ما يطرح ضرورة التوقف عند تقييم الحصيلة.

مجلس النواب

مجلس النواب صادق على ما مجموعه 111 مشروع قانون وستة مقترحات قوانين برسم منتصف الولاية التشريعية الحالية (20212026)، منها 18 مشروع قانون خلال “دورة أكتوبر 20232024”.

وبمناسبة اختتام أشغال الدورة التشريعية الأولى من السنة الحالية، اعتبر راشيد الطلبي العلمي، رئيس مجلس النواب، أن “العنصر الأساس هو طبيعة وأبعاد القوانين المصادق عليها”، مبرزا أن 30 نصاً هي قوانين تأسيسية تتعلق بالقطاعات الاجتماعية (خاصة الصحة، والدعم الاجتماعي، والقضاء والاستثمارات والفلاحة والمالية)، “مع ما يعنيه ذلك من تأطير تشريعي وتنظيم للتدخلات المركزية والمجالية للدولة وتوطين الخدمات والاستثمارات”.

وبرسم منتصف الولاية، فقد ناقشت اللجان النيابية الدائمة 366 موضوعا كانت محلّ 781 طلبا من جانب الفرق والمجموعة النيابية، منها 53 موضوعاً، عقدت اللجان بشأنها 32 اجتماعا خلال دورة أكتوبر 20232024.

وبخصوص المهام الاستطلاعية للجان البرلمانية الدائمة، فإن مكتب المجلس رَخَّص، خلال النصف الأول من الولاية التشريعية، لإنجاز عشر مهام استطلاعية ذات علاقة بقضايا راهنة، من قبيل الوقوف على واقع شبكات التوزيع وتسويق المنتجات الفلاحية، وحالة مصب أم الربيع وتراجع صبيب هذا النهر المهم، وهما المهمتان اللتان تمت مناقشة تقريريْهما في جلستيْن عموميتين.

وعن جلسات مساءلة رئيس الحكومة خلال النصف الأول من الولاية البرلمانية الحالية، فقد توزعت على 12 جلسة، أجاب خلالها عن 60 سؤالا حول السياسات العامة في مجالات الرعاية الاجتماعية، والاستثمار، والصحة، والتعليم، والثقافة والتمكين الاقتصادي والسياسي للنساء، وحالة الاقتصاد الوطني في السياق الدولي، وغيرها من القضايا التي استأثرت باهتمام أكبر من جانب الرأي العام ومن جانب الحكومة وباقي المؤسسات.

عدد الجلسات العامة الأسبوعية المخصصة لأسئلة أعضاء المجلس وأجوبة أعضاء الحكومة عليها بلغ 62 جلسة، تمت خلالها برمجة 1849 سؤالا، أجابت عنها الحكومة، وتمت برمجة الأسئلة الشفوية في الجلسة الدستورية الأسبوعية محكومة بعامليْ الزمن والمحاصصة، ما يجعل اعتماد الأجوبة كمؤشر لتقييم الأداء لا يفي بمعيار الموضوعية مادام أعضاء المجلس وجّهوا أكثر من 9 آلاف سؤال إلى الحكومة.

مجلس المستشارين

مجلس المستشارين بدوره صادق خلال الدورة الأولى من السنة التشريعية الحالية على 23 نصا تشريعيا، كان أبرزها مشروع قانون المالية لسنة 2024، ونصّان يتعلقان بالمساعي الوطنية لمواجهة آثار زلزال الحوز، “يتضمنان الإطار القانوني لتنزيل التعليمات الملكية المتعلقة بالتكفل بالأطفال ضحايا زلزال الحوز ومَنحهم صفة مكفولي الأمة، وإحداث وكالة تنمية الأطلس الكبير”.

كما اعتُمد نصان تشريعيان يتعلقان بتطوير المنظومة الصحية بالمملكة، وآخَران يهمان تنزيل ورش الدعم الاجتماعي المباشر، يتعلق أحدهما بنظام الدعم الاجتماعي المباشر، والآخر بإحداث الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، إلى جانب أربعة نصوص أخرى تهم مجال الحماية الاجتماعية، ونصين يهمان قطاع التعليم، وسبعة نصوص تتعلق بالمصادقة على اتفاقيات دولية في مجالات مختلفة تهم التعاون الإفريقي والإسلامي، والتعاون الثنائي مع عدد من الدول الصديقة.

“ترتيب الأولويات” أثناء التشريع

تعليقاً على هذه المعطيات، قال العباس الوردي، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “وتيرة التشريع في البرلمان بغرفتيْه تبقى متقاعسة شيئا ما”، مبرزاً أن “الاستجابة للأوراش الكبرى، خاصة ورش الحماية الاجتماعية وقوانين ناظمة لإصلاح الصحة، لم تكن كافية، لأن هناك أوراشا اقتصادية واجتماعية أخرى لها راهنيتها التي وجب الانتباه إليها، مع مواءمة التشريع مع مهام الرقابة”.

وسجل الوردي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “تجويد النص القانوني وتحديثه” مع ترتيب الأولويات وتحديدها، أصبح ضرورة ملحة، لا سيما مع انتصاف الولاية التشريعية الحالية”، داعيا إلى “عدم حصر التشريع في قضايا الصحة؛ لأن تقرير مجلس الحسابات أثار إشكاليات استعجالية يعاني منها المغاربة في معيشهم اليومي (التضخم، الطاقة، تأخر مشاريع الماء…)”.

وأثار المحلل السياسي ذاته أهمية استمرار التشريع بين الدورتين، موردا: “هناك لجان دائمة يجب بناء لُحمة مع السياسات العامة من خلال عملها، عبر عقد دورات استثنائية كما حدث في كورونا وسياق الأزمات المتتالية”، مشددا على أن “المؤسسة التشريعية وأعضاءها يجب أن يشتغلوا بمنطق تدبير الآني والاستعجالي، خاصة في موضوع الماء كمادة حيوية تمر من منعطف خطير”.

تبعاً لذلك، شدد الوردي على أن “مطلب إحداث قطاع تدبير الأزمات على المستوى المركزي واللامركزي أضحى مُلحًّا فارضا نفسه أكثر في السنوات الثلاث الأخيرة”، مسجلا أهمية تجنب “كثير من اللغط السياسي الذي رافق جلسات رئيس الحكومة حول السياسة العامة؛ لأن أطياف المعارضة النيابية بدت متخبطة في رحلة البحث عن موطئ قدم في مسؤوليات التدبير الحكومي”، منادياً بـ”تعزيز دور العلاقات مع البرلمان والتنسيق بين الوزارات والبرلمان”.

“أداء إيجابي كمّياً”

من جانبه، يرى يونس التايب، باحث متخصص في حكامة السياسات العمومية والترابية وسياسات الإدماج، أن “قراءة في الأداء التشريعي للمجلسين خلال منتصف الولاية التشريعية الحالية تُسفر عن تقييم إيجابي على المستوى الكمّي”، مفسرا ذلك بكون “ما تم إنتاجه من مشاريع قوانين ومناقشته ومصادقته يظل عدديا مهماً حول قضايا ورد أغلبها في خطاب افتتاح الدورة”.

كما نوه التايب، في إفاداته لهسبريس حول الموضوع، بـ”تفعيل أدوار اللجان النيابية الدائمة التي تفاعلت مع عدد من الطلبات”، مستحضرا “إيجابية اللجوء إلى تفعيل مهام اللجان الاستطلاعية التي كانت مواضيعها مهمّة، فضلا عن جلسات عامة”.

وأجمل بأنها “ولاية تشريعية حافلة تعرف دينامية كبيرة”، قبل أن يستدرك بأن “هوامش تجويد الإنتاج التشريعي مازالت قائمة وتستدعي التحرك على جميع المستويات والأصعدة المتاحة في قادم الدورات”.

هوامش التجويد

وأكد التايب على “الالتزام بشكل أكبر لجميع النواب بحضور أقوى في مختلف الجلسات والمساهمة عبر إغناء النقاش بمختلف وجهات النظر”، داعيا بالموازاة إلى “تعزيز أدوار الأحزاب في ما يخص دعم نوابها لكي يظل ذلك التفاعل بين فعل إنتاج التشريع والترابط بالواقع الترابي الذين يمثلون مجالاته ويترافعون عن مشاكل تنموية تنبعث من كل جهة وتطرح تحديات بخصوصيات متنوعة”.

“لا بد من تعزيز وتجويد التواصل وتقوية قدرات أعضاء البرلمان حول هذا المجهود التشريعي بما يرفع من منسوب تتبُّع الرأي العام لمخرجات الفعل التشريعي”، يقول التايب، واصفا التفاعل مع الرأي العام بأنه “أقل من المطلوب”.

كما أشار محلل السياسات ذاته إلى “تحديات مطروحة على النواب والأحزاب السياسية معاً في الرقي بالممارسة الرقابية والتشريعية بشكل متسق ومتوازن”، مشددا على أهمية “دينامية البرلمان الذي يجب أن يصير أكثر ارتباطاً بالمواضيع والقضايا الراهنة وأكثر انفتاحاً على تجارب برلمانية مقارنة ناجحة”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *