حصار داخل حصار.. إسرائيل تعزل شمال غزة بشكل تام ونتنياهو يدرس خطة “غير مسبوقة”
عزلت قوات الاحتلال فصلت شمال القطاع عن مدينة غزة، بشكل تام، باستخدام آليات عسكرية مدعومة بغطاء من الطائرات المسيرة، ونسفت عشرات المنازل في مخيم جباليا بروبوتات متفجرة.
كما وضعت القوات الإسرائيلية سواتر ترابية في الشوارع الرئيسية بين مدينة غزة وشمال القطاع، ولم تسمح بدخول المساعدات الغذائية لسكان شمال قطاع غزة الذين يرفضون مغادرته.
وتقول الأمم المتحدة إن 400 ألف فلسطيني لا يزالون يعيشون في مناطق شمال غزة، وإن نقاط العبور إلى شمال القطاع مغلقة أمام حركة الإمدادات الإنسانية والتجارية، ولا يتم السماح سوى بقدر ضئيل من الحركة الإنسانية إلى الشمال.
وأثار إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعد أكثر من عام على حربه بقطاع غزة، شن عملية عسكرية جديدة شمال القطاع وفصله عن مدينة غزة، تفاعلا واسعا بمنصات التواصل الاجتماعي.
وقال جيش الاحتلال إنه حصل على معلومات استخبارية بوجود مسلحين وبنى تحتية وصفها بالإرهابية، وأصدر أوامر للسكان بالمغادرة نحو جنوب قطاع غزة.
خطة “الجنرالات”
في نفس السياق، يدرس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطة لقطع المساعدات الإنسانية عن شمال غزة ومحاصرة مئات الآلاف من الفلسطينيين غير الراغبين في مغادرة منازلهم ومنعهم من الحصول على الطعام أو الماء، وفقا لنسخة من الخطة حصلت عليها وكالة أسوشيتد برس.
ومن شأن الخطة التي اقترحتها مجموعة من الجنرالات المتقاعدين على نتنياهو والبرلمان الإسرائيلي، إلى منح الفلسطينيين أسبوعا لمغادرة الثلث الشمالي من قطاع غزة، بما في ذلك مدينة غزة، قبل إعلانه منطقة عسكرية مغلقة.
أما أولئك الذين سيبقون فسيتم اعتبارهم مقاتلين، مما يعني إمكانية استهدافهم وقتلهم، ويُحرمون من الغذاء والماء والدواء والوقود، وفقا لنسخة من الخطة قدمها كبير مهندسيها لوكالة أسوشيتد برس، والذي يعتقد أن الخطة هي السبيل الوحيد لكسر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الشمال والضغط عليها لإطلاق سراح المحتجزين المتبقين.
ونقلت الوكالة على موقعها الإلكتروني عن أحد المسؤولين المطلعين على الأمر أن أجزاء من الخطة يجري تنفيذها بالفعل، دون تحديد الأجزاء. وقال مسؤول ثان، وهو إسرائيلي، إن نتنياهو “قرأ ودرس” الخطة “مثل العديد من الخطط التي وصلت إليه طوال الحرب”، لكنه لم يذكر ما إذا كان قد تم تبني أي منها. وتحدث المسؤولان شريطة عدم الكشف عن هوياتهما لأنه ليس من المفترض أن تتم مناقشة الخطة علنا.
أوامر بالإخلاء
وأصدرت إسرائيل بالفعل أوامر إخلاء للشمال أكثر من مرة طوال العدوان المستمر على قطاع غزة منذ عام، كان آخرها اليوم الأحد، لكن حتى الآن، لم يستجب سوى عدد قليل جدا من الفلسطينيين لأمر الإخلاء الأخير.
وبعض الذي يرفضون أوامر الإخلاء من كبار السن أو المرضى أو يخشون مغادرة منازلهم، لكن الكثيرين يخشون عدم وجود مكان آمن يذهبون إليه وأنه لن يُسمح لهم بالعودة أبدا، حيث منعت إسرائيل بالفعل أولئك الذين نزحوا في وقت سابق من الحرب من العودة.
وقالت جومانا الخليلي، وهي عاملة إغاثة فلسطينية تعمل لدى منظمة أوكسفام وتعيش في مدينة غزة مع عائلتها: “جميع سكان غزة خائفون من الخطة”، ومع ذلك، فإنهم لن يهربوا.
وأضافت “لن يرتكبوا الخطأ مرة أخرى.. نحن نعلم أن المكان ليس آمنا”، في إشارة إلى جنوب غزة حيث يتجمع معظم السكان في مخيمات كئيبة وغالبا ما يطالها القصف الإسرائيلي. “لهذا السبب يقول الناس في الشمال إن الموت أفضل من المغادرة”.
قتلٌ وجوغ
واقع مرير بين جوع وعطش وغياب خدمات صحية تحت وطأة القصف والدمار، هذا ما يعانيه أهالي شمال قطاع غزة منذ بدء العملية العسكرية الأخيرة مساء الخامس من أكتوبر الحالي، في ظل حملة إبادة جديدة وحصار خانق، تنفذهما القوات الإسرائيلية في شمال القطاع.
وتفرض القوات الإسرائيلية حصاراً شديدا على تلك المنطقة، يتركز في بيت حانون وبيت لاهيا ومخيم جباليا، في محاولة لإفراغها من السكان، تمنع بموجبه دخول المساعدات الإغاثية وشاحنات المياه الصالحة للشرب للسكان.
ومع دخول العملية العسكرية يومها التاسع يناشد الأهالي جميع المؤسسات الدولية للتحرك من أجل إنقاذ حياتهم قبل فوات الأوان، وردع إسرائيل عن ارتكاب جرائم جديدة.
والأربعاء، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” أن الجيش الإسرائيلي يحاصر على الأقل 400 ألف فلسطيني شمال القطاع.
وهذه العملية البرية الثالثة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في مخيم جباليا منذ بداية حرب الإبادة الجماعية على غزة في 7 أكتوبر 2023.
نسف للمباني
ولا يزال الجيش الإسرائيلي يتواجد في مناطق غرب وشرق مخيم جباليا ويحاصر كل مناطق الشمال بالنار ويمنع الخروج أو الدخول إليها.
وشهدت الليلة الماضية، تفجير الجيش لمبانٍ وعمارات سكنية، في محيط منطقة الفالوجا غربي مخيم جباليا، بحسب شهود عيان تحدثوا لوكالة الأناضول.
وقال الشاب غازي المجدلاوي في حديث للأناضول: بعد تواصلي مع عدد من أقاربه الذين لا يزالون محاصرين في منطقة الفالوجا وبئر النعجة غرب مخيم جباليا قالوا إن آليات الاحتلال تتمركز في الشوارع الرئيسية وقرب مفترق أبو شرخ وعلى مدخل حي الصفطاوي وفي قلب حي بئر النعجة.
وفجر الجيش عدد من الروبوتات الإلكترونية في عدة مربعات سكنية غربية مخيم جباليا وفي قلبه ما أدى لتدمير عشرات منازل المواطنين، وفق الشاب.
وأضاف المجدلاوي أن جثت المواطنين لا تزال متواجدة في بعض الشوارع وتحت الأنقاض بسبب عدم تمكن طواقم الإسعاف والدفاع المدني من التحرك لانتشالهم لخطورة الأوضاع والاستهدافات.
وأوضح أن المتواجدين بالمنطقة أفادوا بأن قوات الاحتلال تجري بين ساعة وأخرى مناورات تتقدم فيها الآليات وتتراجع وتزيد من الكثافة النارية.
اعتقال للرجال ومصير مجهول للنساء
في شرق مخيم جباليا ما زال الخمسيني رائد الخطيب داخل منزله في “ِشارع السكة”، ويتحدث للأناضول عن خطورة الأوضاع الميدانية.
واقتحم الجيش خلال الأيام الماضية كثير من المنازل واعتقل الرجال وترك النساء في مصير مجهول وأمرهن بالتوجه لجنوب القطاع، وفق حديث الخطيب .
وتابع الخطيب أن القصف الإسرائيلي والاستهدافات في كل مكان ولا تهدأ حتى لدقيقة واحدة، وأن عشرات العائلات المحاصرة لا تزال داخل منازلها في شارع السكة ومناطق مخيم جباليا رغم فظاعة القصف والتفجيرات.
نقص الغذاء والمياه
خلال العملية العسكرية الإسرائيلية، توقفت جميع محطات تحلية المياه في محافظة شمال قطاع غزة عن العمل، وكان آخر تطور هو إعلان شركة “إيتا” لتحلية المياه، في بيان السبت الخروج عن الخدمة.
وإيتا هي أكبر رافد للمياه الصالحة للشرب في شمال القطاع وجاء خروجها عن الخدمة بسبب أوامر الإخلاء الجديدة التي وزعها الجيش الإسرائيلي.
مراسل الأناضول يتحدث لعائلة أيمن الكحلوت المحاصرة في بلدة بيت لاهيا، وقد نفذت المياه لديها منذ يومين.
يقول الأب أيمن إنهم كانوا يحصلون على المياه من خلال بئر زراعي كان يتم تشغيله كل يومين مرة قريب من منزلهم لكن منذ بدء العملية العسكرية لم يتم تشغيله ولا مرة بسبب الخوف من الاستهدافات.
ويذكر أن قوات الاحتلال تتعمد استهداف أي شخص يتحرك لجلب المياه أو تشغيل الآبار في المنطقة، ولذلك معظم العائلات تعاني اليوم من قلة مياه الشرب المياه ومن عندهم كمية فلن كفيهم ليوم أو يومين.
وينبّه إلى أن الغذاء أيضاً مهدد بالنفاذ لديه ولدى جميع المحاصرين في شمال القطاع.
ويشير الحكلوت إلى أن الأهالي يعتمدون حاليا على بعض المعلبات والبقوليات فقط ولا يوجد أي أنواع طعام أخرى تسد رمق الناس.
ويدعو المسن الغزي لضغط دولي فوري من كل الجهات للسماح بإنقاذ الناس وإدخال الطعام والماء والعلاج لهم، لأنهم إذا لم يموتوا بالقصف فسيموتون بنقص المستلزمات الأساسية.
واقع صحي مرير
يعيش القطاع الصحي في شمال قطاع غزة منذ بداية العملية العسكرية الإسرائيلية حالة صعبة للغاية.
وتعمد الجيش الإسرائيلي إطلاق النار صوب طواقم الإسعاف والطواقم الطبية، سيما في مستشفى “كمال عدوان” الواقع في بلدة بيت لاهيا.
وهدّد الجيش الإسرائيلي، المستشفيات الثلاثة العاملة في شمال قطاع غزة (كمال عدوان والعودة والإندونيسي)، منذ أيام بالإخلاء الفوري للمرضى والطواقم الطبية، وإلا سيكون مصيرهم التدمير، بحسب ما قال مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية.
وأضاف أبو صفية للأناضول أنه “رغم التهديدات الإسرائيلية لا تزال المستشفيات الثلاثة تعمل حالياً لإنقاذ أرواح المواطنين الصامدين في شمال قطاع غزة”.
وتابع أن المستشفى الإندونيسي يعمل حاليا وفيه 28 حالة مرضية و17 من الطواقم الطبية ولا يستطيع استقبال حالات جديدة بسبب عدم وجود أطباء بشكل كافي للتعامل معها”.
وذكر أبو صفية أن “العودة” يعمل بكامل طاقته ومستشفى كمال عدوان كذلك، سيما مع نجاح المنظمات الدولية بالضغط على الاحتلال وإدخال شاحنة وقود واحدة له يوم أمس السبت”.
لكن حسام أبو صفية، قال السبت إن الكميات المحدودة من الوقود التي دخلت في ذات اليوم، للمستشفيات الثلاثة الرئيسية في المحافظة الشمالية لا تكفي سوى لأيام.
ومنذ بدء عمليته العسكرية الحالية على شمال القطاع حاول الجيش الإسرائيلي إطباق الحصار على منطقة جباليا ومنع الأهالي من النزوح إلى مدينة غزة المجاورة، وأمرهم بالنزوح فقط عبر شارع “صلاح الدين” الممتد على طول شرقي القطاع من شماله إلى جنوبه.
وفي 7 أكتوبر الجاري، وبالتزامن مع مرور عام على اندلاع حرب الإبادة بغزة، بدأ الجيش الإسرائيلي تهجير سكان بلدات بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا إلى جنوبه، ما عدّته وسائل إعلام تطبيق غير معلن لـ”خطة الجنرالات”.
و”خطة الجنرالات” كشف عنها موقع “واي نت” العبري، في 4 سبتمبر الماضي، وتهدف إلى “تحويل كامل المنطقة الواقعة شمال ممر نتساريم (وسط القطاع)، أي محافظتي غزة والشمال، لمنطقة عسكرية مغلقة”.
الخطة أعدها عسكريون إسرائيليون سابقون، وتقضي بـ”إجلاء السكان خلال أسابيع قليلة، وفرض حصار على المنطقة، لدفع المسلحين بمدينة غزة للاستسلام أو الموت”، وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية في 22 سبتمبر الماضي.
وخلفت الإبادة الجماعية الإسرائيلية المتواصلة في غزة بدعم أمريكي منذ أكثر من عام، ما يزيد عن 140 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، وأكثر من 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
* الأناضول / الجزيرة
المصدر: العمق المغربي