حزب الله بين مقاومة المشروع الصهيوني والتماهي مع المشروع الإيراني
“المقاومة والكفاح ضد التناقض الرئيسي؛ تختفي أمامها التناقضات الثانوية المذهبية والعرقية والسياسية، ونصبح أمام خندقين فقط: خندق الأمة والمقاومة، وخندق المحاربين للمقاومة ولمصالح الأمة”.
هذه المقولة كانت صالحة قبل قرون إبان الحروب الصليبية، حين كانت منطقة العراق والشام غارقة في الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة الإمامية، ولكنها توحدت ضد الغزو الصليبي، وهو ما يعبر عنه د. الشنقيطي بقوله: “اكتشاف وحدة المصائر: السنة والشيعة في مواجهة الفرنجة”.
فهذا أمير إمارة طرابلس “فخر الملك بن عمار” الشيعي الإمامي وبعد تحالف مؤقت مع الصليبيين ضد “دقاق بن تتش” أمير “دمشق” السني، اكتشف وحدة المصير بين السنة والشيعة فعاد للتحالف مع دقاق ضد الفرنجة، وذهب ليطلب يد العون من الخليفة العباسي في بغداد.
وذاك القاضي الشيعي الإمامي “ابن الخشاب”؛ ظهر كشخصية حلبية (من إمارة حلب في الشام التي كانت خاضعة لحكم السنة آنذاك(، ولعب دورا مهما في استنهاض المقاتلين المسلمين ضد الغزو الصليبي عام 513 هــ في معركة “سمردا” أو “ساحة الدم”، وأعاد الكرّة عام 518 مما مهد الطريق فيما بعد لضم إمارة حلب لإمارة الموصل تحت قيادة عماد الدين زنكي وابنه نور الدين زنكي.
وهذا “طلائع بن رزيك” الوزير الإمامي في دولة الفاطميين بمصر، والذي كان يسعى بشكل حثيث للتحالف مع نور الدين زنكي ويستنهضه بالرسائل والشعر لتحرير بيت المقدس.
تلك المقولة التي صدرنا بها مقالتنا؛ صالحة في وقتنا الحالي أيضا لفهم الواقع العربي والإسلامي المشرذم.
فقبل طوفان الأقصى كان حزب الله اللبناني بزعامة السيد حسن نصر الله، قد أوغل في دماء السوريين على إثر تورطه في قمع الثورة السورية التي كانت جزءا من ثورات الربيع العربي، وكان الدافع الإيديولوجي والعقائدي حاضرا بقوة لدى الحزب في مناصرته للنظام السوري الذي ينتمي رئيسه بشار الأسد للمذهب الشيعي، لا سيما مع اعتراف الحزب وإقراره بأنه يوالي نظام الولي الفقيه في إيران.
لكن ما كان يتم إغفاله من طرف المحللين، أو كان يتم التعامل معه باستهزاء واستهتار وسخرية؛ فهو الدافع السياسي الذي دفع الحزب إلى التورط في الحرب السورية، فالحزب الذي كان رمزا من رموز المقاومة والصمود في نظر الشارع العربيالإسلامي في العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، لدرجة جعلت الشعوب العربية تنزل للشوارع آنذاك ملوحة بصور السيد حسن نصر الله، وتعتبره رمزا من رموز الأمة الإسلامية جمعاء بغض النظر عن كونه شيعيا إماميا، قد انقلبت عليه وبات عدوا لها، لا يختلف عن الكيان الإسرائيلي وحلفائه في المنطقة، الذين عملوا على إسقاط ثورات الربيع العربي، ودعموا الثورات المضادة بالمال والسلاح، وقدموا لها الدعم السياسي والإعلامي.
لكن طوفان الأقصى الذي أطلقته حركة حماس يوم السابع من أكتوبر 2023، قد أعاد الحزب اللبناني وأمينه العام إلى المشهد السياسي والعسكري، فالحزب قد تجاوب مع الطوفان منذ اليوم الثاني (08 أكتوبر( وفتح جبهة لبنان كجبهة إسناد لغزة.
ونعود هنا للحديث عن الدافع السياسي الذي دفع حزب الله لمناصرة النظام السوري، والذي كانت له تداعياته على الحزب في نظر الشعوب العربيةالإسلامية. فالأمين العام للحزب كان دائما يعتبر أن تدخله جاء لمنع سقوط النظام السوري المنتمي لمحور المقاومة، وأنه لو سقط النظام السوري لسقطت سوريا في يد أمريكا وإسرائيل وحلفائهما.
وبالرجوع للكتابات التي أعقبت حرب 2006، يتبين أن قرار الحزب بعد 2011 كان مؤسسا على العديد من المعطيات، ففي كتاب صادر عام 2007 بعنوان: “حسن نصر الله: الوعد الصادق وملحمة النصر الإلهي المقدس”؛ يؤكد مؤلفه “رفعت سيد أحمد” أن العدوان الإسرائيلي على لبنان كان مقررا أن يحدث في شتنبر 2006 ولكن عملية الفجر الصادق التي أسر على إثرها جنديان صهيونيان على يد حزب الله؛ قد عجلت بالعدوان الإسرائيلي بنحو شهرين.
هذا الطرح هو ما كان السيد حسن نصر الله قد أشار إليه في أول خطاب له بعد عملية “الوعد الصادق” يوم 14072006. وأعاد التأكيد عليه في خطاب 24072006 إذ أكد أن أمريكا كانت تعد مؤامرة للشرق الأوسط الجديد تهدف من خلالها إلى استهداف المقاومة، ولكن عملية الوعد الصادق أفشلت المخطط وأفقدته عنصر المفاجأة.
ومما يؤكد صحة هذا المخطط فعليا، فهو إصدار قانون محاسبة سوريا بتاريخ 01122003 وثورة الأرز 14032005، وإخراج الجيش السوري من لبنان 26052005.
ومن جملة ما جاء به قانون محاسبة سوريا هو أن سوريا تتحمل مسؤولية كل الهجمات التي يشنها حزب الله وباقي التنظيمات التي لها مكاتب في دمشق (بما في ذلك حماس(.
وأن واشنطن ستواصل إدراج سوريا على لائحة الدول التي ترعى الإرهاب إلى أن توقف دعمها لحزب الله والجماعات الإرهابية الأخرى، وتتخلى عن استضافة تلك المنظمات في دمشق.
أما ثورة الأرز فهي احتجاجات أعقبت مقتل رفيق الحريري عام 2005 وكان من أهدافها:
- تكوين لجنة تحقيق دولية للتحقيق في اغتيال الحريري، واستقالة الأجهزة الأمنية في البلاد، وإقامة انتخابات برلمانية حرة.
- توحيد اللبنانيين باختلاف أحزابهم وفصائلهم وتوجهاتهم تحت راية وطنية واحدة.
- إسقاط كل الموالين للنظام السوري داخل لبنان، وإقالة الأجهزة الأمنية وانسحابها بالكامل مع قوات الجيش السوري وحلفائها.
وقد صدر القرار (1559) من مجلس الأمن الدولي يطالب بخروج الجيش السوري من لبنان، ونُفذ يوم 26 أبريل 2005، وخرجت القوات السورية، بعد وجود عسكري دام منذ عام 1976. (وكان دخول الجيش السوري إلى لبنان قد تم وفق اتفاق الطائف وبعد تفويض من الجامعة العربية لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية(.
وبعد تقديم هذه المعطيات التي استند عليها الحزب، يبقى السؤال المطروح هو: هل كانت الثورة السورية جزءا من هذا المخطط كما يشير الحزب والمحللون المقربون منه؟
الجواب حتما لا، وليس هذا محل التفصيل في هذه النقطة، ولا محل الرد عن هذه الشبهة التي أطلقت على الثورة الليبية كذلك، والأكيد أن ثورات الربيع العربي جزء لا يتجزأ، وأنها كانت تنتقل من بلد إلى بلد على شاكلة: “سقوط أحجار الدومينو” كما يعبر محللو علم السياسة.
وما يمكن قوله هنا هو أن حزب الله قد بنى قراره على معطيات مؤسسة على أساس هش وضعيف؛ إلا أن لها جانبا من الصحة، وأن الحزب قد أخطأ في حساباته، فالربيع العربي لم يكن ليأتي بحلفاء للكيان الصهيوني، ومصر شاهدة على ذلك عقب فوز الإسلاميين في انتخابات 2012، وكذلك جل البلدان التي تأثرت بموجة الربيع العربي عرفت صعود تيارات وقوى شعبية معادية لإسرائيل.
وباستحضار تداعيات الثورات المضادة وكيف أنها أعادت إنتاج النظام القديم في العديد من الدول، وأعني خصوصا مصر التي يعتبر فيها حماية الأمن الإسرائيلي والحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد عنصران أساسيان في السياسة الخارجية، فهل كان سيكون بديل النظام السوري أفضل من النظام الحالي، وهل كان سيتم السماح بصعود تيار يعادي إسرائيل؟ أم أنه كان سيكون أكثر تماشيا وتماهيا مع المشروع الصهيوني؟
ولا يسعنا هنا إلا أن نختم باستعارة القاعدة الفقهية المعروفة التي تقضي بأن للمجتهد أجران إن أصاب، وأجر واحد إن أخطأ وهو أجر اجتهاده، لنقول إن الحزب قد أخطأ في الملف السوري، ولكن حين آن أوان الجد، استعاد دوره كشوكة في حلق المشروع الصهيوني في المنطقة، وأنه قد اكتشف وحدة المصائر بين السنة والشيعة في مواجهة العدو الخارجي الذي يتربص بهم وهو العدو الصهيوني، وأن الحزب دفع ثمن مساندته لغزة، وهذا ما تأكد مؤخرا من خلال اغتيال إسرائيل لقيادات الحزب الأساسية وعلى رأسهم أمينه العام السيد حسن نصر الله.
المصدر: العمق المغربي