تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين حول رقائق (شرائح) الحوسبة المصممة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي عالية الأداء، في سباق تقني يتحول سريعا إلى صراع جيوسياسي.

هذا الصراع لا يقتصر على الشركات وحدها بل امتد ليشمل سياسات تصدير وقيودا تنظيمية وتحرّكات صناعية تهدف إلى بناء سلاسل توريد مستقلة.

لماذا الرقائق مهمّة جداً؟

تعد شرائح المعالجة المتقدمة، قلب البنية التحتية لأي نموذج ذكاء اصطناعي حديث، وتحكم هذه الشرائح سرعة التدريب والتكلفة والقدرة الحسابية وهي نفس العوامل التي تحدد تفوق دولة أو شركة في تطبيقات اقتصادية وعسكرية وسيادية.

وقفز الطلب العالمي على هذه الشرائح، بقوة مع انتشار تطبيقات مولدة للمحتوى والحوسبة السحابية، والبحث العلمي.

أمريكا: تحكّم في التصدير ومحاولات كبح تدفّق التكنولوجيا

في السنوات الأخيرة، اعتمدت الولايات المتحدة سياسة قيود تصديرية متزايدة تستهدف تقليل انتقال قدرات شرائح وتقنيات تصنيع متقدمة إلى الصين، مستهدفةً منع استخدام تلك القدرات لأغراض عسكرية أو تعاظم تفوّق تكنولوجي محتمل.

ورصدت التقارير توسيعًا في نطاق القيود، بما في ذلك ضوابط على أدوات تصنيع وذاكرة عالية النطاق (HBM) وتقنيات التعبئة المتقدمة، مع مشاركة حلفاء في إجراءات مماثلة، ويرى المحللون أن هذه القيود تهدف إلى تعطيل سلسلة التوريد لكن فعاليتها تبقى موضع جدل.

الصين: تسريع الاكتفاء الذاتي والدفع بالمصنعين المحليين في مواجهة القيود

تبنّت الصين مسارًا مزدوجًا، الضغط على تطوير شرائح محلية (مثل جهود هواوي وغيرها لتسريع إنتاج رقائق Ascend) وتقييد استخدام رقائق أجنبية في مرافق حكومية.

وبرغم الاستثمارات الكبيرة، ما زالت القدرة المحلية متأثرة بنقص أدوات تصنيع متقدمة، وقدرت مصادر أميركية أن قدرة بعض الشركات (مثل هواوي) على إنتاج شرائح متقدمة ستظل محدودة نسبيًا في 2025، ومع ذلك، تزداد قدرة الصين بسرعة عبر دعم حكومي هائل واستثمارات في سلسلة التوريد.

هل عطّلت واشنطن التقدّم الصيني أم سرّعته؟

تشير بعض التقارير إلى أن القيود أعاقت تقدم شركات صينية وأجبرت على تبنّي حلول محلية أبطأ، بينما ينتقد قادة صناعيون (مثل رئيس نيفيديا) هذه القيود باعتبارها “فاشلة” لأنّها حفّزت جهود الاستبدال المحلية وأضرّت بمبيعات الشركات الأميركية.

في المقابل، تفيد تقارير أخرى إلى أن القيود نجحت في تعقيد سلسلة التوريد وتقليل الوصول إلى أحدث التقنيات، لكنها أطلقت أيضًا ردة فعل صينية قوية للاستثمار الذاتي.

اللاعبون الآخرون

تتنافس كثير من الدول والشركات أو تتعاون مع أحد المعسكرين أو تسعى لاستقلالية تكنولوجية مستقلة، بحيث تسيطر شركة تصنيع حسب الطلب مثل TSMC بالتيوان، على جزء حاسم من إنتاج رقائق التصنيع المتقدم، وتُعدّ شريكًا أساسيًا لعملاقَين مثل نيفيديا وآبل.

وجعلت استثمارات TSMC الكبرى في توسعات ومشروعات تعبئة متقدمة، منها لاعبًا محوريًا لا تستطيع أي استراتيجية دولية تجاهله.

كما تملك كوريا الجنوبية تفوقًا في مجال ذاكرة الحوسبة (HBM/DRAM) والقدرة التصنيعية، وشهدت شراكات وتجهيزات لمزودي خدمات الذكاء الاصطناعي الكبرى.
ودفعت سياسات الدول الكبرى تجاه الذكاء الاصطناعي، سيول، لتعزيز موقعها كمورد ذاكرة أساسي لمراكز البيانات.

أما اليابان والاتحاد الأوروبي، فكلاهما يضخّ تمويلًا وبحثًا لتقليل اعتمادهما على سلاسل توريد خارجية، مع برامج أوروبية لتعزيز التصنيع المتقدم والبحوث في المواد والتغليف المتقدم، ويسعى الاتحاد الأوروبي لخلق منظومة متكاملة للدفع التقني والأمن السيبراني.

في خضم الصراع الدائر، تُظهر الهند طموحات متزايدة في بناء منظومة تصنيع وتقنيات ذكاءٍ اصطناعي محلية، لكن تحديات البُنية التحتية والفجوات التكنولوجية تجعلها لاعبًا طموحًا لكنه بعيد عن صدارة إنتاج الرقائق المتقدمة حاليًا.

منافسة تقنية أم “حرب باردة” رقمية؟

تصف التقارير الحالية، المشهد أحيانًا بأنه “حرب باردة رقمية”، منافسة لا تخلو من تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية.

فبينما تسعى الولايات المتحدة لوقف الانتشار التقني الذي قد يُستغل لأغراض عسكرية، تعمل الصين، ومن خلفها مجتمع صناعي حيوي، على تسريع مسار الاكتفاء الذاتي.
وفيما تنخرط دولٌ مثل تايوان، كوريا الجنوبية، اليابان،
والاتحاد الأوروبي في عملية إعادة توازن، تصبح خارطة تكنولوجيا الرقائق أكثر تعقيدًا.

بين سعي كل طرف لترسيخ موقعه في خريطة القوة التقنية، يبدو أن معركة الشرائح لن تهدأ قريبًا، بل ستحدد ملامح الاقتصاد العالمي خلال العقد المقبل.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.