الفيديو المسرب المنسوب إلى لجنة أخلاقيات الصحافة، وهي تتداول في إحدى الملفات المعروضة عليها، ما هو إلا تجلي، للحالة المأسوف عليها، التي وصل إليها بيت الصحافة، وعلامة دالة على واقع حال، سلطة رابعة، بات الجدل، عنوانها البارز والعريض، ومرآة عاكسة لطبيعة السلوك المزاجي الذي بات يتحكم في مقصورة قيادة مهنة المتاعب؛
الفيديو القنبلة، الذي زحزح قارة الإعلام، وأحدث زوبعة في فنجان السياسة، يستدعي ليس فقط، فتح تحقيق مسؤول، في ضوء ما ورد فيه، من مفردات التحكم والعنترية والاستقواء، وما تخلله من تعابير مخلة بالحياء العام، ومسيئة للجسم الصحفي، بل ويفرض إخضاع “صاحبة الجلالة”، إلى سلطة التطهير والتغيير والتحصين، حرصا على شرف المهنة وأخلاقياتها؛
ما حدث في المشهد الإعلامي عموما، هو فضيحة بجلاجل، لا تنسجم البتة، مع المغرب الصاعد، الذي يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى جبهة إعلامية موحدة ونزيهة ومسؤولة وملتزمة، ولا تتناغم بالمطلق، مع ما هو مطروح أمام المملكة، من رهانات وتحديات آنية ومستقبلية، سواء تعلق الأمر بمتغيرات قضية الوحدة الترابية، أو بتعزيز وتحصين المسار الديمقراطي الحداثي، أو بالاستحقاقات الرياضية المرتقبة، أو بما يتطلع إليه عاهل البلاد، من بناء ونماء وازدهار وإشعاع؛
الصحافة أو السلطة الرابعة، ابتداء وانتهاء، هي حجرة الزاوية في بناء الخيار الديمقراطي الحداثي، وشريكا لا محيد عنه، في كسب معارك البناء والنماء، والدفاع عن مصالح الوطن وقضاياه المصيرية، وآلية من آليات محاربة الفساد، ووسيلة من وسائل التأطير المجتمعي وخدمة القيم الوطنية والدينية والاجتماعية والإنسانية، والارتقاء بالذوق العام…، واعتبارا لهذه الأدوار الرفيعة وغيرها، فأية محاولة دافعة نحو تقليم أظافر الصحافة المواطنة، أو إحكام الخناق عليها في السر والعلن، أو انتهاك حرمتها والمساس بأخلاقياتها، هي سلـــــــــــــوك وضيع يعمق بؤرة الإحساس الفردي والجمعي بفقدان الثقة في الدولة والقانون والمؤسسات، وممارسة مزاجية مكرسة لثقافة التحكم والعنترية والشطط والاستعلاء، وقبل هذا وذاك، هي تصرف، يرتقي إلى مستوى الجريمة، في حق وطن، لن يسمو، إلا بالإعلام الحر والنزيه والمسؤول والمواطن؛
ونأمل أن يكون ما حدث من فضيحة، فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي لمهنة المتاعب، واتخاذ تدابير استعجالية، من شأنها تجاوز الاختلالات التدبيرية القائمة، وتحصين المهنة بتشريع مجرد من الحسابات والنعرات السياسوية الضيقة، يحظى بإجماع مختلف الفاعلين في قطاع الصحافة والنشر، من أجل صناعة إعلام “مواطن” عاكس لمغرب جديد يتحرك وينهض ويصعد، وإذا لم يتم التحرك من قبل الجهة الوصية على القطاع، لاتخاذ ما هو ممكن من التدابير والإجراءات بشأن ما حدث من سلوكات وتصرفات معيبة، مسيئة للصحافة ونسائها ورجالهـــــــا، فلا يمكن إلا الوقوف والصلاة على الجنازة .. جنازة لا رجل ولا امرأة، بل “سلطة رابعة”، تجعلنا نبكي ونتحسر على زمن جميل مضى، كانت فيها الصحافة مرادفة لمفردات المسؤولية والالتزام والرقي والتميز والإبداع، قبل أن تتحول اليوم، أو يحولونها مع سبق الإصرار، إلى مهنة “كسر عظام” و”تسلط” و”استقواء” و”تصفية حسابات” و”عبث” و”انحطاط”…
وفي خاتمة المقال، ما كنا لننغمس فيما أحدثه الفيديو المسرب، من جدل صحفي متعدد الزوايا، أو نخوض في نقاش بشأن “رمانة إعلامية مفركعة”، وصلت شظاياها إلى قطاع الإعلام والبرلمان وعموم الرأي العام الوطني، لو لم نكن نقف عند عتبة “صاحبة الجلالة”، من زاوية ما نكتب من مقالات رأي، ولو لم نكن نتأمل بأسف، ما وصلت إليه الصحافة، من مظاهر التراجع والتواضع والعبث والرتابة، وكتابتنا عما حصل من فضيحة إعلامية، هو رسالة تحمل أكثر من معنى ومغزى، موجهة إلى مختلف الفاعلين في قطاع الصحافة والنشر، من أجل طرح النعرات الهدامة، والممارسات السامة، والجنوح اللامشروط، نحو لم الشمل وتوحيد الصفوف، حرصا على المهنة وحفظا لشرفها وأخلاقياتها، وكرة الصحافة هي الآن، في مرمى نساء ورجال الصحافة النزهاء والشرفاء، فبإمكانهم جميعا، أن يطهروا المهنة من العابثين والوصوليين والانتهازيين والأنانيين ومنعدمي الضمير، أن يحرروها من المحتلين القدامى والجدد، ويعلنون استقلال مهنة شريفة، لا يمكن البتة، تصورها أو تخيلها، إلا داخل رحاب الحرية والاستقلال والمسؤولية والحياد والالتزام والمواطنة الحقة، والتفاني في خدمة الوطن والدود عن قضايا المواطنين، والمواكبة المواطنة، لما تشهده الدولة من متغيرات وتحولات…
المصدر: العمق المغربي
