حدة الجفاف تفاقم الإقبال على “الهجرة المناخية” في جنوب شرق المغرب
تتوالى المؤشرات على عمق الأزمة الإنسانية والبيئية التي تهدد الجنوب الشرقي بصفة عامة (من طاطا إلى فجيج)، وذلك بسبب الجفاف والتصحر وشح المياه، بما بات يهدد الأمن المائي للمواطنين، حسب العديد من الفاعلين في المجال البيئي والمائي في المناطق المعنية.
وتعاني مناطق الجنوب الشرقي التي تضم أقاليم جهة درعة تافيلالت وجزءا من جهة الشرق وجزءا من جهة سوس ماسة، في الأصل من جفاف بنيوي وهيكلي، ما يتطلب تدخلا عاجلا من قبل جميع القطاعات المعنية والحكومة لمواجهة تداعيات أزمة نقص المياه.
وكان الملك محمد السادس دعا المواطنين إلى ترشيد استهلاك المياه في حديثه عن موجة الجفاف غير المسبوقة التي تضرب المغرب خلال مناسبة افتتاح البرلمان سنة 2022، ودق في خطابه للأمة ناقوس الخطر بشأن أزمة الجفاف ونقص المياه، داعيا الجميع إلى التعامل بجدية في مواجهة “إجهاد مائي هيكلي” تعاني منه المملكة.
الجنوب الشرقي.. أزمة غير مسبوقة
يرى عبد الصمد بن عيسى، فاعل في المجال البيئي بمدينة الرشيدية، في دعوة الملك محمد السادس المواطنين إلى ترشيد استهلاك المياه رسالة واضحة تهم ضرورة اتخاذ جميع التدابير والاحتياطات اللازمة لمواجهة أزمة الماء، من خلال عقلنة الاستعمال وعدم الاستهتار بهذه المادة الحيوية الضرورية.
وأضاف بن عيسى، في تصريح لهسبريس، أن “الدعوة الملكية في هذا الإطار قدمت خطة إستراتيجية لتحقيق تقدم في موضوع المياه، الذي يمثل أساس التنمية والعيش والاستثمار، ترتبط بالبيئة المحفزة وعناصر الاستدامة”، مؤكدا أن “جهة درعة تافيلالت والجنوب الشرقي عموما يعيشان أزمة مياه كبيرة رغم مجموعة من الإجراءات التي قامت بها السلطات الإقليمية والحكومية لترشيد الاستهلاك وعقلنته”.
في المقابل، كشف جمال شعبان، باحث في تاريخ الجنوب الشرقي، أن الأخير “كان قبل عقود يتميز بثروة مائية جد مهمة مقارنة مع باقي مناطق وجهات المغرب”، مشيرا إلى أن “التغيرات المناخية وعوامل بشرية، خاصة مع ظهور زراعات دخيلة ومستنزفة، تسببت في كارثة بيئية ومن المحتمل أن تسبب في كارثة إنسانية إذا لم تتخذ الإجراءات المناسبة”، وفق تعبيره.
وأضاف شعبان، في تصريح لهسبريس، أن “مناطق الجنوب الشرقي عموما وجهة درعة تافيلالت على وجه الخصوص تعرف إجهادا مائيا كبيرا”، موضحا أن “التعليمات الملكية في موضوع الماء يجب تنزيلها حرفيا من أجل تجاوز هذه الأزمة البيئية والإنسانية المحدقة بهذه الربوع من المغرب”، وأن “هناك فرقا كبيرا بين شمال المغرب وجنوبه الشرقي”.
وتشير المعطيات الرسمية التي توصلت بها هسبريس من مصادر مسؤولة إلى أن الأحواض المائية بجهة درعة تافيلالت والجنوب الشرقي بشكل عام سجلت عجزا في التساقطات المطرية، ونقصا ملحوظا في الواردات المائية على مستوى حقينات السدود خلال السنوات الهيدرولوجية الماضية.
استمرار الجفاف.. درعة تافيلالت تسير نحو المجهول
أثار شح الأمطار الذي يعاني منه المغرب عموما وبشكل أكبر مناطق درعة تافيلالت والجنوب الشرقي منذ أكثر من 6 سنوات مخاوف من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب، إذ إن مخزون المياه الجوفية جف بنسبة كبيرة جراء الاستنزاف القوي التي تعرض له بسبب الري، ما ينذر بتداعيات خطيرة على القطاعين الفلاحي والاقتصادي عامة، ويهدد بوقوع كارثة بيئية وإنسانية، حسب إفادة عبد القادر بهدي، فاعل جمعوي من مدينة الريصاني.
وأضاف المتحدث ذاته أن “كل شيء متأثر في الجنوب الشرقي بسبب الجفاف الذي أصبح هيكليا وليس فقط موسميا وعابرا”، مشيرا إلى أن “نسبة تقدر بأكثر من 85 في المائة من المياه المستعملة حاليا تستعمل في الفلاحة (فلاحة مستنزفة)، ما يستدعي عقد لقاء وطني تحضره جميع القطاعات المعنية وخبراء لمناقشة الوضع الحالي ودراسة سبل الخروج منه”.
وأضاف الجمعوي ذاته أن “الجفاف وشح الأمطار ومئات آلاف الهكتارات من الأراضي المغروسة حاليا كلها عوامل ترمي الجنوب الشرقي إلى الهاوية، وإلى مشاكل مستقبلية خطيرة، خاصة في حالة استمرار الجفاف لسنتين إضافيتين”، وزاد: “لكي نحافظ على الماء يجب التفكير في حلول بديلة، كتحلية مياه البحر لتوفير مياه الشرب على الأقل للمواطنين في جميع المناطق”.
الجنوب الشرقي.. الهجرة المناخية
وسجلت مناطق الجنوب الشرقي للمغرب، وخاصة جهة درعة تافيلالت، في السنوات الأخيرة هجرة كبيرة نحو مدن الداخل، وذلك هروبا من التغيرات المناخية والظواهر الطبيعية التي يسببها الجفاف الحاد؛ وهي التي يطلق عليها “الهجرة المناخية”، لكون التغيرات المناخية السبب الرئيسي فيها، حسب إفادة علي جميلي، من مدينة زاكورة.
وأشار المتحدث ذاته إلى تأثر السكان (الذين تعتمد معيشتهم بشكل مباشر على المحاصيل الزراعية أو ترتبط أنشطتهم بمجالات تتأثر بالتغيرات المناخية) سلبا بالتغيرات المناخية التدريجية التي بلغت خلال السنة الجارية مراحل متقدمة.
وأكد جميلي، في تصريح لهسبريس، أن أعداد “مهاجري المناخ” من أقاليم جهة درعة تافيلالت والجنوب الشرقي عموما نحو مدن الداخل ترتفع سنويا، مضيفا أن “أبرز دوافع هذه الهجرة المناخية الظواهر الطبيعية الطاردة، التي تتعلق بالأخص بالجفاف وندرة مياه الشرب في المناطق المهجورة”، داعيا الحكومة إلى التواصل مع الدول الصديقة للمغرب من أجل إيجاد حل لهذه الأزمة التي تتفاقم سنة بعد أخرى.
من جهتها، قالت خديجة أيت سعيد، من مدينة تنغير، إن “التغيرات المناخية القاسية التي تعرفها مناطق الجنوب الشرقي للمغرب هي أيضا السبب الرئيسي في تزايد الهجرة في وسط الشباب نحو أوروبا، انطلاقا من تركيا أو شواطئ الجزائر”، مضيفة أن “الجفاف يتسبب في الركود الاقتصادي ويوقف الحركة في جميع المجالات، وبالتالي فالشباب يضطرون للهجرة بحثا عن لقمة عيش في دول أوروبا أو على الأقل في مدن وسط وشمال المغرب”، بتعبيرها.
استعمال معقلن للماء
في المقابل، كشف مصدر مسؤول، غير راغب في الكشف عن هويته للعموم، لكونه غير مرخص له الإدلاء بأي تصريح، أن جهة درعة تافيلالت تعتبر من الجهات التي تتوفر فيها مياه الشرب بالشكل المطلوب، نافيا أن تكون هناك مشاكل في هذا الموضوع في الوقت الحالي.
ودعا المسؤول ذاته المواطنين، وخاصة الفلاحين، إلى ضرورة استعمال المياه بطرق معقلنة لتفادي مشاكل مستقبلية، مضيفا أن “الجفاف الذي يعرفه المغرب عموما هو هيكلي وبنيوي، والوزارة الوصية مع وكالات الأحواض المائية تعمل من أجل إيجاد حلول ناجعة وسريعة لهذا المشكل”.
وأكد المسؤول نفسه، في تصريحه لهسبريس، أن “الاستغلال المفرط لمياه الشرب سيجلب مشاكل كثيرة للفرشة المائية، وبالتالي يمكن أن تحدث أزمة مائية مستقبلية”، مشددا على “ضرورة الاستغلال المعقلن وتفادي ضياع هذه المادة الحيوية والضرورية في الحياة”، وملتمسا من المواطنين وخاصة الفلاحين “تقديم يد المساعدة للسلطات المختصة من أجل تجاوز هذه الأزمة من خلال تفادي زراعات مستهلكة للمياه، واللجوء إلى الري بالتنقيط، وغيره من الإجراءات التي قد تمكن من تخفيف الأزمة”، بتعبيره.
وشدد المتحدث ذاته على أن “المؤسسات والمجتمع المدني والمنابر الإعلامية وجميع المتدخلين مدعوون أيضا للمساهمة في تحسيس المواطنات والمواطنين بالاقتصاد في الماء في شتى المجالات، من فلاحة وصناعة وسياحة واستعمالات منزلية”.
المصدر: هسبريس