حادثة “تيليلا” تطرح ملف تعزيز السلامة البحرية والإدماج الاجتماعي لأسر الضحايا
أماطت الحادثة الأخيرة “تيليلا” التي راح ضحيتها حوالي 10 بحارة على مستوى مصيدة الأخطبوط الجنوبية بسواحل جهة الداخلة وادي الذهب، قبل أيام، اللثام عن الوضعية التي يشتغل فيها البحارة بمختلف سواحل المملكة، إلى جانب الوضعية الاجتماعية التي تعيشها أسر ضحايا البحر، سواء تعلق الأمر بالمنتشَلين أو المفقودين.
وتُذكر مثل هذه الحوادث التي تقع بين الفينة والأخرى بضرورة إعادة النظر في مدى احترام مراكب الصيد بأعالي البحار مختلف الإجراءات التي تخص بالأساس سلامة العمال، ذلك أن عددا من هذه المراكب “لا تستوفي الشروط التي تضعها الوزارة المعنية”. كما تعيد هذه الحوادث النقاش حول الوضعية الاجتماعية لأسر ضحايا البحر، خصوصا في ما يتعلق بمدى استفادتها من مختلف الإجراءات التي تساهم في إدماجها اقتصاديا واجتماعيا.
وفي هذا الإطار راسل جمال ديواني، النائب عن دائرة أكادير إداوتنان، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، بخصوص هذه الحوادث التي “تقع بفعل غياب وسائل الاستشعار والإنقاذ، وهو الأمر الذي يخلف تبعات اجتماعية على أسر الضحايا”، مطالبا إياه بالكشف عن “الإجراءات المزمع اتخاذها لإدماج هذه الأسر ضمن برامج الدعم الاجتماعي”، وعن “التدابير الكفيلة بتفادي خسائر أرواح البحارة”.
وأكد متدخلون ممن تحدثوا إلى هسبريس أن ملف السلامة البحرية “يعرف مجموعة من الاختلالات، ذلك أن القوانين المعمول بها في هذا الإطار لا يتم احترامها في بعض الأحيان، ما يعرض سلامة العمال للخطر”، لافتين في الوقت عينه إلى “ضرورة السعي نحو تبسيط المساطر لفائدة أفراد أسر ضحايا البحر، مع إدماجهم بالكيفية اللازمة اقتصاديا واجتماعيا”.
ضرورة تشديد المراقبة
عادل السندادي، مهني في القطاع وعضو الرابطة الوطنية للصيد البحري بجهة الداخلة وادي الذهب، قال إن “ضمان السلامة البحرية للعاملين يتطلب ضرورة توفر مجموعة من الاحتياطات الأمنية، بما فيها توفر القارب أو المركب على وسائل الإنقاذ والمعدات اللازمة التي تشترطها الوزارة الوصية”.
وأضاف السندادي، في تصريح لهسبريس، أن “عددا من المراكب النشيطة في مجال الصيد البحري لا تستوفي هذه الشروط المنصوص عليها من قبل الوزارة، إذ تمارس عملها بطرق مشبوهة، رغم وجود لجان تقنية ومصالح تابعة للوزارة تحرص على مراقبة استيفاء هذه الشروط من أجل منح الترخيص”.
ودعا المتحدث ذاته الوزارة المعنية إلى “ضرورة العمل على تشديد الخناق على أصحاب المراكب الذين لا يتوفرون على وسائل النجاة والوسائل الوقائية، بشكل يُعرض حياة عشرات العاملين لخطر الغرق والفقد في عرض البحر”، مشيرا في الوقت ذاته إلى “إشكالية ضعف المعرفة التقنية بأمور السلامة البرية لدى ربابنة المراكب، وهو الأمر الذي يمكن تفاديه بتعميق النقاش بشكل مهني حول هذا الموضوع”.
مستقبل صعب
صباح بوفزوز، رئيسة جمعية الأمل الوطنية لأرامل وأيتام البحارة بأكادير، قالت إن “حوادث الشغل بقطاع الصيد البحري عادة ما تخلف أسرا تعيش أوضاعا اجتماعية صعبة؛ فعلى سبيل المثال أسر المفقودين في البحر لا يمكنها مباشرةُ الإجراءات القانونية قصد الحصول على شهادة الوفاة إلا بعد مرور سنة ويوم على الحادثة، الأمر الذي يجمد مستقبل الأسرة ككل خلال هذه الفترة”.
وأضافت بوفزوز في تصريح لهسبريس أن “أقل مدة يمكن فيها للأسرة التوصل بشهادة وفاة المفقود هي عام ونصف بعد الحادثة، وبالتالي فالأمر ينعكس سلبا على مستقبل الأبناء، ذلك أن هذه الشهادة تبقى مطلوبة في إجراءات إدارية عديدة، لعل أبرزها زواج البنات، ما يفتح الباب بشكل مباشر أمام زواج الفاتحة”، مشيرة إلى أن “هؤلاء الأرامل لا يتمكنّ من الاستفادة من واجبات العزاء بفعل التقادم الذي يطبق بعد 9 أشهر من الحادثة”.
وطالبت المتحدثة بـ”ضرورة المرور في هذه النقطة بالذات نحو الاعتماد على محاضر الدرك الملكي التي تثبت بالفعل فقدان العامل على مستوى البحر، الأمر الذي بإمكانه تسهيل الأمور على الأسرة”، ذاكرة في هذا الإطار أن “العديد من النساء تتوقف حياتهن بعد هذه الحوادث، فهذه الجمعية على سبيل المثال تضم لوحدها حوالي 980 امرأة، تتراوح أعمارهن ما بين 18 و90 سنة”.
وانتقدت رئيسةُ الجمعية المذكورة “الوضعية الاجتماعية التي تعيش على وقعها هؤلاء النسوة، إذ لا تتجاوز تعويضات التقاعد التي يتحصلن عليها ما بين 600 و1000 درهم، غير أنه يتم حرمانهن من هذه المبالغ عندما يتزوجن للمرة الثانية، في وقت كان من الأجدر دعم تمدرس أبنائهن الذين يعدون في الأصل يتامى”.
المصدر: هسبريس