التزم المغرب بإرساء التوجه النبيل المتمثل في المشاركة الاجتماعية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وصادقت المملكة المغربية ككثير من الدول الأخرى في سنة 2009 على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري.
بادئ ذي بدء، تستمد أهمية التطرق للجمعيات ذوي الاحتياجات الخاصة أو جمعيات الأشخاص المعاقين من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، الذي نص على أن المغرب ملتزم بقيم مكافحة كل أشكال التمييز إما بسبب الجنس أو اللون أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو الإعاقة أو الثقافة أو المعتقد أو اللغة أو أي حالة شخصي مهما كانت.
وتم تأكيد ذلك بما ورد في الفصل 34 من الدستور على أن السلطات العمومية مكلفة تفعيل كل البرامج والسياسات التي تستهدف الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ويتبلور ذلك بإعادة تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة الجسدية أو العقلية أو الحسية الحركية والالتزام بإدماجهم في الحياة الاجتماعية، الحفاظ على كل حقوقهم وحرياتهم المتعارف عليها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
كما أن البرامج الحكومية المتعاقبة تناولت وضعية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بتخصيص حيز مهم لها في السياسة العمومية التي تستهدف بالدرجة الأولى النهوض بأوضاع هذه الفئة المهمة من المجتمع وذويهم وتطوير مختلف وسائل العمل لفائدتها، ودمجها في جميع الاستراتيجيات الوطنية للتنمية.
تلاه بعد ذلك وضع القانون الإطار رقم 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها وموازاة مع ذلك تفعيل خدمات صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي وهو ما كان يسمى بصندوق دعم التماسك الاجتماعي سابقا ( الرسمية عدد 6444 بتاريخ 19 ماي 2016).
ومن ضمن الأهداف التي جاء بها هذا القانون، توسيع حماية حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة أو في وضعية إعاقة والنهوض بها وتقويتها، كما تضمن هذا النص الأخير مجموعة من الإجراءات والمقتضيات القانونية التي تضمن للأشخاص في وضعية إعاقة حقوقهم الأساسية في مختلف المجالات الحياتية الضرورية واليومية المعيشية ، كما هو عليه الأمر فيما يتعلق بالرعاية الصحية والتربية والتعليم والوقاية والتكوين والاندماج المهني و ضمان حقوقهم في الولوجيات الأساسية وكذا مشاركتهم في مختلف الأنشطة المجتمعية ، كحقهم الانخراط في جمعيات أو تأسيسها ، منها الرياضة والثقافة والترفيه أو أي نوع آخر من أنواع الجمعيات.
ويجذر التذكير بأن سنة 2014 تميزت بإعطاء الانطلاقة من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالتضامن الاجتماعي بالأشخاص في وضعية الإعاقة لإنجاز البحث الوطني الثاني حول الإعاقة، والذي يتيح لجميع الفاعلين التوفر على معطيات كمية وكيفية حول واقع الإعاقة والأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب، وكان أمرا ضروريا لتوجيه وضع البرامج والأنشطة الفعالة والهادفة لصالح هذه الفئة.
وبغية تعميم استفادة هؤلاء الأشخاص من مختلف الأجهزة والآليات والخدمات المقدمة في إطار الدعم الموجه لهاذه الفئات بشكل متوازي خاصة منهم الفئات الفقيرة أو في وضعية هشة ومزرية، تجدر الإشارة إلى أحد البرامج المهمة التي تمت بتعاون مع البنك الدولي و الذي يخص الولوجيات لفائدة الأشخاص المعاقين وفق توحيد المعايير المعمول بها على الصعيد العالمي وبطبيعة الحال هو من الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية، أول ما يهدف إليه هو تنفيذ البرامج في اتجاه تقوية قدرات الفاعلين والمتدخلين في هذا المجال.
أما ما يخص “جمعيات الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة” و في ظل كل هذه المؤشرات المنبثقة من عدد من الاستراتيجيات في هذا المجال والتي تصب في وعاء فكرة النهوض بوضعية الأشخاص المعاقين على ضوء توجهات تكرس ضمان حقوقهم السياسية والاجتماعية بكيفية التقائية ومندمجة تخص أيضا مشاركة جميع القطاعات المعنية بتحديد الحقوق وتنفيذ الالتزامات على عاتقها بصورة متوافق عليها بينها وعلى مستوى حقوق الإنسان بشكل عام.
وفي ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وكذا السياسية التي عرفها المغرب مؤخرا وبتوجيهات والعناية الملوية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، حظيت فئة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة باهتمام كبير في مختلف المجالات ومختلف الحقوق منها حرية الانخراط بجمعيات أو تأسيس الجمعيات ، وهي التزامات صريحة ومتنوعة ضمنت المشاركة الكبرى للأشخاص في وضعية إعاقة، وظهر ذلك من خلال الأبحاث والدراسات المتعددة التي قامت بها السلطة الحكومية المكلفة بالتضامن الاجتماعي والتي استنتج منها مدى التغير الكمي والنوعي والتطور الكبير الذي حصل في مجال حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وأسرهم عبر فترات زمنية معينة، بطبيعة الحال لوحظ أنه توجد معيقات وبعض الصعوبات في بداية الأمر، كتعميم الولوجيات ومشاكل التشغيل والاستفادة من مجموعة خدمات المجتمع بالمستوى المتعارف عليه وفق الاتفاقيات الدولية ووفق ما هو معمول به دوليا.
وكمثال على ذلك أن نسبة مهمة من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لم تتمكن من التمدرس بسبب غياب مؤسسات تعليمية متخصصة تتلاءم واحتياجاتهم الخاصة، على الخصوص أولائك الأشخاص الذين يقطنون في المجال القروي، مع ما يعرفون من ضعف إمكانياتهم وصعوبة تنقلاتهم وندرة المدارس المتخصصة في مجالات الإعاقات المتنوعة، والعدد أكبر بالنسبة للفتيات والعنصر النسوي اللائي هن في وضعية إعاقة، ضف إلى ذلك تعقيد الإجراءات المسطرية والظروف المادية القاسية.
أما بالنسبة لتشغيل الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، فقد تحسن نوعا ما مع ما يسمى “احترام الحصيص الالزامي للتشغيل” خاصة عند إجراء المباريات للولوج إلى الإدارات قصد التوظيف، التي اقتصرت في بداياتها على وظائف تتناسب مع نوعية الإعاقة والتي تطورت فيما بعد إلى مناصب ذات أهمية يحترم فيها مبدأ تكافؤ الفرص.
وعلاقة بجمعيات الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، يظهر لنا مدى تطور تكوين جمعيات بالنسبة لهذه الفئات رغم ملاحظة محدوديتها ومحدودية المشاركة الاجتماعية ومحدودية القدرات الوظيفية، وما وفرته هذه الجمعيات لهم من استفادة مادية ومعنوية ومن عمليات التواصل والاطلاع على المستجدات ومعرفة حقوقهم وكذا حقوق أفراد أسرهم والمقدمة من طرف الدولة ومن طرف الجمعيات العاملة في المجالات التي لها علاقة بالإعاقة، خاصة ما يتعلق بعنصر التوعية والاندماج في المجتمع بكيفية مسترسلة وعادية.
والخلاصة هي أنه ينبغي إعطاء الأولوية لبرامج توجه لتعزيز وتشجيع ودعم جمعيات الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة تؤدي إلى المواطنة ومشاركة اجتماعية أوسع وتشكيل بيئة أسرية ملائمة لهم وتوفير العلاج المناسب والوسائل والآليات المساعدة والتقنية، وتوفير الولوجيات وتحسين القدرات الوظيفية والرفع من أعدادهم في التمدرس والتكوين المهني ورفع حظوظ وحصيص فرص الشغل لتمكينهم من حقوقهم الضرورية.
المصدر: العمق المغربي
