جماعات جهة الرباط ترزح تحت ثقل أحكام ضدها قيمتها 63 مليارا بسبب « ضعف الدفاع » لكنها لا تنوي تنفيذها! اليوم 24
جماعات جهة الرباط سلا القنيطرة في وضع غير مريح إزاء الأحكام والقرارات القضائية الصادرة ضدها. يكشف التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات وجود 437 حكما/قرارا بمبلغ إجمالي قدره 634 مليون درهم و755 ألفا في مواجهة هذه الجماعات البالغ عددها 117.
تعتبر وزارة الاقتصاد والمالية أن جزءا كبيرا من الأحكام التي صدرت ضد الجماعات مردها ضعف الدفاع، مثل عدم الجواب في الملفات أو عدم ممارسة الطعن بالاستئناف أو النقض في مواجهتها وأحيانا أخرى ممارسة الطعون خارج الآجال المقررة قانونا، وفي بعض الحالات إقرار الجماعة بما ورد في مقال الدعوى وعدم منازعتها فيه بشكل جدي أو إبرامها لصلح في نزاعات غير قابلة بطبيعتها للصلح من تسوية الوضعية الفردية للموظفين وغير ذلك، مما يكون له تأثير سلبي على مصالح الجماعة بسبب عدم الدفاع بصورة صحيحة عن حقوقها أمام القضاء.
وتتعلق أغلب الأحكام والقرارات النهائية الصادرة ضد الجماعات بين سنتي 2017 و،2022 بمنازعات ذات طبيعة إدارية، حيث وصل عدد ها 382 حكما/قرارا، بنسبة 87,4 % وبمبلغ إجمالي يصل إلى 629.200.032,50 درهم، وهو ما يمثل نسبة تناهز %99,1 من مجموع مبالغ هذه الأحكام والقرارات.
أما في ما يتعلق بالمنازعات المدنية، فقد بلغ عددها 55 حكما /قرارا بنسبة %12,6 من مجموع الأحكام والقرارات وبمبلغ إجمالي يصل إلى 5.555.120,70 درهم.
أرجعت وزارة الداخلية في أجوبتها ارتفاع نسبة المنازعات الإدارية للجماعات الترابية مقارنة بمنازعاتها المدنية، إلى كونها تستهدف من نشاطها تحقيق المنفعة العامة، وتعتمد في ممارسة مهامها واختصاصاتها على امتيازات السلطة العامة (نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، إصدار قرارات إدارية، إبرام عقود إدارية …)، حيث نادرا ما تتجرد من تلك الامتيازات.
وتشكل الأحكام والقرارات المتعلقة بالاعتداء المادي والنفقات العمومية نسبة مهمة، حيث بلغت على التوالي %46 من حيث العدد، و%83 من حيث المبالغ المستحقة.
وفي هذا الصدد، فقد صدرت أحكام بمبالغ مهمة في بعض الملفات المتعلقة بالاعتداء المادي ضد إحدى الجماعات بمبلغ 103,8 ملايين درهم، وضد جماعة ثانية بمبلغ 21,9 مليون درهم، كما تم الحكم في ملفين يهمان جماعتين أخريين بمبلغ 16,1 مليون درهم وبمبلغ 14,9 مليون درهم.
تفسر وزارة الداخلية هذه الوضعية بكون جهة الرباطسلاالقنيطرة تعرف ديناميكية كبيرة من حيث إنجاز المشاريع الرامية إلى تعزيز وتطوير البنية التحتية، وهو ما يحتم اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، قصد توفير الوعاء العقاري الكافي لاحتضان تلك المشاريع، مضيفة أن بعض الجماعات الترابية قد تحيد عن الإجراءات المتعلقة بالمسطرة الخاصة بنزع الملكية وفق ما تمليه مقتضيات القانون رقم 7.81 وكذا مرسومه التطبيقي عدد 2.82.382 بسبب غياب الإلمام الكافي بكل جوانب تلك المسطرة، ما يجعل هذه الجماعات في وضع الاعتداء المادي على عقارات الأغيار.
كما أكدت الوزارة أنه، في ظل تزايد هذه الحالات على مستوى الجهة، ما فتئت مصالح الولاية تدعو العمالات المعنية إلى حث الجماعات الترابية الواقعة داخل نفوذها الترابي على التقيد بمضامين القانون رقم 7.81 ومرسومه التطبيقي المذكورين، إذا لم تتوصل مع مالك العقارات المعنية إلى اتفاقات بالتراضي، وكذا إلى مواكبة هذه الجماعات لاسيما عبر مسطرة التأشير.
أما على مستوى النفقات العمومية والتوريدات، فإن أغلب الأحكام التي تمت معاينة ملفاتها تخص عدم أداء الجماعة مبالغ ومستحقات في إطار صفقات أو سندات طلب أو عقود للتدبير المفوض.
في المقابل، بلغ عدد الأحكام والقرارات النهائية الصادرة لصالح جماعات الجهة 208 حكما وقرارا بمبلغ إجمالي مستحق قدره 21.774.575,84 درهم. وتمثل المداخيل الجزء الأكبر منها بنسبة %65 (136 حكما/قرارا) وبمبلغ قدره 20.854.953,29 درهم، أي بنسبة قاربت %96 من المبالغ الإجمالية المستحقة.
أما في ما يخص الأحكام والقرارات النهائية المتعلقة بالموارد البشرية، فقد بلغت من حيث العدد والمبالغ المستحقة على التوالي، 31 حكما /قرارا بنسبة ناهزت %15 ، وبمبلغ إجمالي قدره 696.958,40 درهم، أي ما يمثل حوالي .%3 وبالنسبة للترامي على ملك الجماعة، 21 حكما/قرارا بنسبة %10 .
أوردت وزارة الداخلية أن « طبيعة هذه الأحكام تتعلق بمستحقات الجماعة المترتبة في ذمة الأغيار سواء في إطار مداخيل الجماعة أو استرجاع مبالغ أو تعويضات عن الترامي على الملك الجماعي، وبالرغم من عددها والمبالغ المحكوم بها إلا أنها لا ترقى إلى مستوى تطلعات الجماعات، مما يؤثر سلبا على سياسة تنمية الموارد المالية للجماعات الترابية المعنية ».
أما على صعيد تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية النهائية، فقد قام المجلس الجهوي بتقييم مدى تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية النهائية الصادرة لصالح الجماعة، من جهة، وضد الجماعة، من جهة أخرى، إضافة إلى بعض آليات التنفيذ مثل الاتفاقيات والتشطير، وكذا حالات الحجز. وقد لاحظ نقصا على مستوى تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الجماعات يرجع أساسا إلى عدم التوفر على الاعتمادات المالية الكافية لأجل تحديد نسبة تنفيذ األحكام والقرارات النهائية.
وقد تم تنفيذ 378 حكما وقرارا، بمبلغ 361.103.889,83 درهم من مجموع 557 حكما وقرارا نهائيا، بمبلغ إجمالي مستحق قدره 920.172.587,77 درهم، في حين أن 179 حكما وقرارا نهائيا بمبلغ إجمالي قدره 559.068.697,94 درهم لم تُنفذ بعد وتتضمن أحكاما وقرارات نهائية بمبالغ مرتفعة، ويرجع ذلك أساسا إلى عدم كفاية الاعتمادات المالية المخصصة لتنفيذ الأحكام.
أكدت مصالح وزارة الداخلية أنه في إطار تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية غير المنفذة، تعمل عمالات وأقاليم الجهة باستمرار على دعوة الجماعات الترابية المعنية إلى عقلنة تدخالتها بما يتوافق وميزانياتها، لاسيما في ما يتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، حيث تؤكد مصالح العمالات ومعها مصالح الولاية على ضرورة توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتغطية تلك العمليات قبل الشروع فيها، كما تعمل باستمرار على دعوة الجماعات الترابية إلى إيجاد الصيغ الكفيلة بتنفيذ الأحكام العالقة في ذمتها درءا لمصاريف إضافية.
كما أضافت الوزارة أن مصالحها وفي إطار مهام المواكبة تسهرعلى ضرورة التزام الجماعات الترابية بتنفيذ الأحكام والقرارات النهائية الصادرة ضدها، غير أن العديد منها تقضي بأداء هذه الجماعات لمبالغ جد هامة تتجاوز قدراتها المالية، كالتعويض عن دعاوى الاعتداء المادي، نتيجة عدم التقيد بمسطرة نزع الملكية، وهو ما يستدعي مراجعة الإطار القانوني المنظم للمسطرة ذات الصلة، مع فتح نقاش بين المختصين حول ظاهرة الاعتداء المادي واقتراح الحلول المناسبة لها.
وأفادت وزارة الداخلية، أيضا، أنه يتم حث الجماعات الترابية على مباشرة عمليات تنفيذ الأحكام والقرارات النهائية الصادرة ضدها وفق الإمكانيات المالية المتوفرة لديها، مع العمل على تخصيص الاعتمادات الكافية لتنفيذ هذه الأحكام، وذلك بمناسبة إعداد ميزانيات الجماعات الترابية، والبحث عن حلول ميسرة تمكن من تنفيذ هذه الأحكام في ظروف جيدة.
وأكدت الوزارة أنها تعمل بتنسيق مع مصالح وزارة العدل لتتبع الملفات التنفيذية المفتوحة في مواجهة الجماعات الترابية أمام مختلف محاكم المملكة ومراسلة جميع الجماعات المعنية بهذه الملفات قصد الوقوف على مآلات تنفيذها، وموافاة مصالح هذه الوزارة بالوثائق المثبتة للتنفيذ.
أيضا، سجل المجلس تراكم الأحكام والقرارات النهائية الصادرة ضد الجماعات قبل 2017 وغير المنفذة، حيث بلغ عددها 120 حكما/قرارا بمبلغ إجمالي مستحق فاق 285.417.434,57 درهم. ومن شأن هذه الوضعية أن تثقل كاهل الجماعات بمصاريف إضافية كالفوائد القانونية والغرامات التهديدية، بالإضافة إلى إمكانية الحجز على ممتلكاتها.
ردا على ذلك، أفادت وزارة الداخلية بأن عدم تنفيذ الأحكام والقرارات النهائية يرجع إلى عدم توفر الموارد المالية الكافية بميزانيات الجماعات الترابية.
ولا تقوم أغلب جماعات الجهة ببرمجة الاعتمادات الكافية من أجل تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية النهائية الصادرة ضدها، وذلك لضعف الموارد المالية.
ولهذه الأسباب لم تتجاوز الاعتمادات المبرمجة من طرف الجماعات خلال الفترة 2017 2022 لتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية النهائية ما مجموعه 227,1 مليون درهم، وهو ما يمثل نسبة %25 فقط من مجموع المبالغ المستحقة.
وأرجعت وزارة الداخلية هذه الوضعية، بالأساس، إلى ضعف الموارد المالية وارتفاع حجم تكاليف ونفقات التسيير، مشيرة إلى أن ميزانية معظم الجماعات تعتمد على حصتها من الضريبة على القيمة المضافة.
ولا تستخدم الجماعات أي آليات أخرى يمكنها التخفيف من عبء هذه الأحكام. فالمجلس الأعلى للحسابات يلاحظ ضعف اللجوء إلى الاتفاقيات بالتراضي قصد تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية النهائية الصادرة ضد الجماعات. وباستثناء ثلاث جماعات (تمارة وسلا والخميسات)، لم يسبق لباقي جماعات الجهة القيام بتنفيذ أحكام أو قرارات نهائية في إطار اتفاقيات بالتراضي مع المحكوم لهم.
ومن شأن اللجوء إلى هذه الاتفاقيات تمكين الجماعات من توفير مبالغ مالية. فقد مكنت الاتفاقيات بالتراضي جماعة سلا من توفير مبلغ 19,7 مليون درهم، وهو الفرق بين المبالغ المؤداة وتلك المحكوم بها ضد الجماعة، منها مبلغ 5 ملايين درهم متعلق بملف واحد. كما مكنت الاتفاقيات بالتراضي جماعة تمارة من تفادي أداء مبلغ 1.575.140,00، وهو المبلغ الكلي المستحق المتعلق بحكمين صادرين ضد الجماعة. أما بالنسبة لجماعة الخميسات فقد تم توفير مبلغ 165.775,00 درهم.
وأفادت وزارة الداخلية أن بعض الجماعات الترابية تعمل على تفعيل الحلول البديلة في إطار تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الصادرة ضدها، كما هو الحال لبعض الجماعات على مستوى عمالة الصخيرات تمارة، حيث تمكنت من الاتفاق على إبرام محاضر للصلح تخص أربعة ملفات من أجل تشطير المبالغ المحكوم بها ضدها.
كذلك، لا تقوم معظم جماعات الجهة باللجوء لتشطير أداء مبالغ الأحكام والقرارات القضائية الصادرة ضدها رغم أهمية هذا الحل في تخفيف العبء على ميزانيات الجماعات. وقد تبين أن تسع جماعات فقط من أصل مجموع جماعات الجهة (114 جماعة)، هي التي لجأت لهذا الحل البديل، إذ وصلت مبالغ الأحكام التي تم تشطيرها إلى 63.712.459,12 درهم.
وأوردت وزارة الداخلية أن مختلف عمالات وأقاليم الجهة تعمل على حث الجماعات الترابية التابعة لنفوذها الترابي على العمل على تشطير المبالغ المحكوم بها بالاتفاق مع المعنيين بالأمر، لتفادي تراكم المبالغ المحكوم بها حتى لا تشكل عبئا على ميزانياتها. وقد اقترحت مصالح الولاية استثمار آليات التنفيذ الودي للأحكام، من خلال صيغ ميسرة باتفاق مع المحكوم لهم كتشطير المبالغ المحكوم بها، تنفيذا لدورية وزير الداخلية عدد 1747 بتاريخ 22 دجنبر 2021.
وبالطبع، أدى عدم تنفيذ الأحكام والقرارات النهائية الصادرة ضد بعض الجماعات إلى لجوء المحكوم لهم إلى مساطر التنفيذ الجبري، كالحجز على أموال الجماعة لدى المحاسب العمومي، وقد هم هذا الإجراء الأخير 14 جماعة.
فعلى سبيل المثال، تم تنفيذ أحكام وقرارات نهائية صادرة ضد إحدى الجماعات عن طريق حجز أموالها لدى المحاسب العمومي، بالاقتطاع مباشرة من حصة الجماعة من الضريبة على القيمة المضافة لسنوات 2018 و2019 و 2020 (مبلغ إجمالي قدره 76.264.844,95 درهم).
كما تم اللجوء إلى التنفيذ الجبري عبر الحجز على أموال جماعة أخرى، بخصم مبلغ 21.595.674,46 درهم من حساب الخزينة الإقليمية لدى بنك المغرب تنفيذا للأحكام المتعلقة بثلاثة ملفات. وقد تم اقتطاع مبالغ تنفيذ هذه الأحكام من حصة الجماعة من منتوج الضريبة على القيمة المضافة برسم سنتي 2018 و2019.
أشارت وزارة الداخلية أنه طبقا لمقتضيات المادة 9 من قانون المالية لسنة 2020، تم منع هذه المسطرة الجبرية في مواجهة الدولة وكذا الجماعات الترابية، مضيفة أن هذا المنع يجب ألا يعتبر ذريعة للامتناع عن التنفيذ.
سجل المجلس أيضا، في هذا الضدد، ضعف تنفيذ الأحكام والقرارات النهائية المحكوم بها لصالح جماعات الجهة. وقد تم تنفيذ، ما مجموعه 107 حكما/ قرارا نهائيا بمبلغ إجمالي قدره 9.778.797,49 درهم من بين 208 حكما/قرارا بمبلغ إجمالي مستحق قدره 21.774.575,84 درهم.
وقد عزت الجماعات ضعف تنفيذ الأحكام إلى عدة أسباب كصعوبة التبليغ أو عدم وجود ما يحجز عليه.
أفادت وزارة الداخلية أن مصالح الولاية ستعمل على حث الجماعات الترابية التابعة للجهة على التسريع في اتخاذ جميع الإجراءات التي من شأنها، ضبط هذه الوضعية، وكذلك العمل على تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لفائدتها، بتنسيق مع المحاكم المختصة.
المصدر: اليوم 24