اخبار المغرب

جدل القانون

القانون أو القاعدة القانونية تحديدا، يفترض فيها أن تكون “اجتماعية” عاكسة لنبض المجتمع، و”سلوكية” ضابطة للسلوك الفردي والجماعي، و”عامة” و”مجردة” و”مقرونة بجزاء”، ما يجعلها مساهمة في الأمن القانوني، ومكرسة للإحساس الفردي والجماعي بالثقة في القانون والمؤسسات، وقبل هذا وذاك، ضامنة للسلم والتماسك الاجتماعيين، واستحضارا لهذه الخصائص والمقاصد، يفترض أيضا، على الأجهزة المعنية بفعل التشريع، أن تحصن العملية التشريعية، من المصالح والنعرات والحسابات السياسوية الضيقة، ما يساعد على إنتاج قواعد قانونية متينة، تتميز بخصائص الدوام والتوافق والاجماع

 

ولما يغيب هذا النهج، يكون الإنتاج التشريعي، محاطا بطقوس الجدل واللغط والتحدي وكسر العظام والاحتقان، كما حدث و يحدث مع عدد من مقترحات ومشاريع القوانين، كما هو الحال بالنسبة للمسطرة الجنائية والقانون الجنائي والمسطرة المدنية، ومدونة الأسرة، والإصلاحات التي طالت الوظيفية الصحية، وإدماج كنوبس مع الضمان الاجتماعي، وقانون الإضراب…

 

في هذا الإطار، فالإضراب الوطني العام الذي دعت إليه قبل أيام، ثلة من النقابات المركزية، احتجاجا على ما وصف باستفراد الحكومة بعملية إعداد وتمرير مشروع القانون التنظيمي للإضراب، هو مرآة عاكسة ليس فقط، لحكومة تمضي قدما في اتجاه فرض توجهاتها وأسلوب لعبها السياسي، مستندة إلى أغلبيتها  المريحة،  بل وعلامة دالة، على ما تعيشه العملية التشريعية، من مظاهر الاستقواء والاستفزاز والإقصاء الممنهج لأي صوت يغرد خارج السرب؛

 

ما يعانيه فعل التشريع من أزمة محركة لمشاعر الاحتجاج والرفض والاحتقان، يضرب القاعدة القانونية في الصميم، وينقلها من وظيفتها السلوكية والاجتماعية التي تحظى بالقبول والإجماع المجتمعي، إلى أداة  تسخر لخدمة مصالح سياسوية ضيقة، ودعم اختيارات وتوجهات ضد الإرادة الشعبية، بكل ما يحمله ذلك، من فقدان الثقة في المؤسسات التمثيلية، وتعميق بؤرة النفور من العمل السياسي في بعده الانتخابي، ومن مساس واضح بالسلم الاجتماعي والأمن القانوني…

 

الطريقة الاستفزازية التي صودق من خلالها على قانون الإضراب، تزامنا مع الإضراب العام الذي دعت إليه النقابات، والمؤامرة التي تحاك في صمت ضد الشغيلة، فيما يتعلق بإصلاح منظومة التقاعد، هي ممارسات لا تخدم صورة البلد، ولا تعكس البتة، ما تحقق من إصلاحات اقتصادية وتنموية وأراش كبرى خلال العقدين الأخيرين، كما لا تعكس الصورة الإيجابية التي باتت عليها المملكة في المحيطين الإقليمي والدولي، بل ولا تنسجم وتتماهى مع ما حققه المغرب من تراكم حقوقي، تعد تجربة الإنصاف والمصالحة إحدى محطاته البارزة؛

 

وعليه، فمن يراهن على إنتاج تشريعات مصيرية “على المقاس”، ضدا على الإرادة الشعبية، فهو يغامر بالسلم الاجتماعي، في لحظة  اجتماعية صعبة، تفرض إرساء ثقافة الحوار والتشاور والتشارك والإجماع، والابتعاد قدر الإمكان عن أية ممارسة غير مواطنة، جانحة نحو فرض  الأمر الواقع، بعيدا عن طاولة الحوار والإجماع، خاصة لما يتعلق الأمر بقوانين مجتمعية مصيرية، ترهن مستقبل المغاربة لسنوات وربما لعقود طويلة؛

 

التشريع المفروض الذي ينتصر إلى لغة المصالح والحسابات والمنافع الواضحة والمستترة، حتى ولو تم فرضه بقوة الغلبة، فلن يلقى بدون شك، القبول والاحترام من طرف الفئات المخاطبة به، لأنه “من الخيمة خرج مايل” كما يقول المثل الشعبي، وفي المجمل، فالعبرة ليست في التشريع، فقد تنجح الحكومة في تمرير ما تشاء من القوانين استنادا لأغلبيتها البرلمانية، لكنها لن تكون إلا فاشلة، وهي تشرع ضد الإرادة الشعبية، ولن تكون إلا خاسرة سياسيا، وهي تسابق الزمن، من أجل تنزيل قوانين وإصلاحات، لا تراعي السياق العام؛

 

على أمل أن تحل ثقافة التشريع للوطن والمستقبل، محل التشريع الذي تتحكم فيه الأهواء والهواجس والمصالح السياسوية الضيقة، فلما يتعلق الأمر بالوطن وتحصينه قانونيا ومؤسساتيا وحقوقيا ودستوريا وقضائيا وأمنيا…، يفتــرض أن تحضر عقيدة الحوار والتشارك والتشاور والإجمـــاع، بعيدا عن حسابات الأغلبية وهواجــس المعارضة، كما يفترض أن تحضر إرادة بنــاء مؤسسات وطنية قوية ذات مصداقية، تصون الخيار الديمقراطي الحداثي وتعزز الثقة في الدولة والقانون والمؤسسات، وفي هذا الإطار، وارتباطا بالفعل التشريعي، نوجه البوصلة نحو “السلطة التشريعية”، التي يفترض أن تكون ممثلة للإرادة الشعبية، لا أداة مطواعة في يد الحكومة، تحركها بالشكل الذي يخدم مصالحها وتوجهاتها، وهي تتحمل المسؤولية كاملة أمام الشعب وأمام الوطن، في كل فعل تشريعي، لا يعكس نبض الشارع، ولا يساير ما حققه المغرب من تراكم دستوري وحقوقي…

 

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *