توطئة
يتوافق كثير من الباحثين على أن الترابط بين الدستوري والسياسي قائم في حالة الضيق أو السعة، لأنه يصعب تناول الدستور بدون استحضار تناسل الظواهر السياسية. كيف ذلك؟
إن الدستور يؤصل تشريعيا بطرق أسمى لطبيعة الدولة، ونظام الحكم ومنظومة الحريات والحقوق الأساسية. برز هذا في دستور 2011، بعد دساتير 62 و70و72 و92 و96. لا يمكن أن نفهم هذه الجدلية دون إدراك ماهية ودلالة الأبعاد الدستورية والديمقراطية والبرلمانية والاجتماعية للنظام الملكي المغربي. فهل يمكن اعتبار ما ذكر من جوهر ما نص عليه الدستور من مبدأ فصل السلط، وتوازنها، وتعاونها؟ إلى أي حد يمكن تمثل هذا المبدأ بكل تجلياته أثناء الممارسة؟

إذا اعتمدنا الهيكل المعتمد أثناء هندسة الدستور تبدو الجدلية المذكورة بارزة في ثناياه تتخذ أبعاد سيميائية في الغالب. أولها التصدير الذي تحدث عن خريطة طريق سياسية ودبلوماسية للمملكة المغربية وطنيا وإقليميا ودوليا، والأهم من هذا يشكل هذا التصدير جزءا لا يتجزأ من هذا الدستور. بعد التصدير تناول الباب الأول أحكاما عامة. فهي جامعة لأنها تناولت: نظام الحكم بالمغرب، ومقومات النظام الدستوري للمملكة، والثوابت الجامعة للأمة، والتنظيم الترابي للمملكة، والسيادة للأمة، والإسلام دين الدولة، واللغة، والغاية من القانون، والحياة السياسية، والمنظمات النقابية، والانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة، والمجتمع المدني أفرادا وجمعيات، والمغاربة المقيمين بالخارج.

إن هذه الإشارات الواردة في الباب الأول خريطة طريق تلخص لنا بأن النص الدستوري مشحون بالإشارات السياسية لأن الإشكال الذي يطرح ليس في الدستور في الغالب ولكن في التنزيل الديمقراطي والسياسي للمقتضيات الدستورية. الذي يؤكد لنا هذا أن الباب الثاني هم الحريات والحقوق الأساسية، بعد ذلك الملكية في الباب الثالث. ماذا يعني هذا؟ يفسر هذا بأن الملك رئيس الدولة يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة كما ورد في الفصل 42 من الدستور.

السؤال الجوهري كيف يتفاعل الفاعل السياسي مع حريات التجمع والتعبيروفي عالم الصحافة عامة؟ هل نلمس التوازن والتعاون بين التنفيذي والتشريعي والقضائي في مقاربة هذه الحريات والحقوق أم أن هناك اختلالا على مستوى التنزيل؟ على المستوى اللاتمركز الإداري واللامركزية فقد أجاب النص الدستوري في الفصل الأول على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة. هذا تقدم دستوري راق لكن للأسف لم يتفاعل معه الفاعل السياسي والترابي بالشكل المطلوب، باستثناء بعض الإشراقات في مناطقنا الجنوبية لأنه رهان سيادي يشرف عليه ملك البلاد فعليا. إن هذا النص رؤية راقية في التعامل مع اللامركزية واللاتمركز الإداري بناء على فصل قانوني وتعاون سياسي وتوازن في الاختصاصات والقرارات، لأن الترابية فلسفة تشريعية وسياسية وتنموية وليس فقط أبعاد قانونية جامدة.

إن القضايا السياسية في ارتباط دائم بالتأويل الدستوري، في هذا الإطار لا يمكن الفصل بين الانتخابات والمؤسسات السياسة والمواقف الدولية عن النظام السياسي للمملكة. إن الدستور إطار تشريعي للأنشطة السياسية، هذا ما تؤكد عليه الدراسات الدستورية والسياسية. بالتالي هناك تفاعل بين المجالين، لذلك تؤسس الأحزاب وتمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون وثوابت الأمة الجامعة، ولا تؤسس على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة، على أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان كما نص على ذلك الفصل السابع، وإذا كان الدستور مرجعا للتنظيم السياسي فإن السياسة تنفح الروح في المؤسسات القائمة وإحداث التفاعل بين القطبين.

نخلص من هذه الإطلالة إلى ما يلي:
البنية السياسية والقانونية آلية مساعدة لفهم دلالات وامتدادات المقتضيات الدستورية.
مراعاة السياقات الإقليمية والدولية أثناء وضع الدستور يساعد على الفهم المرن للاختيار الديمقراطي الذي يشكل ثابتا من ثوابت الأمة المغربية.
إن المنظومة الحقوقية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية بصفة عامة مرتبطة بالقرار السياسي الذي يخضع لسلم الترقي الاعتباري.
استحضار مبدأ السمو الدستوري في الفهم والتأويل والآثار.
ارتباط مقتضيات الدستور بالاختيار الديمقراطي من حيث الفهم والتنزيل، لأنها مرتبط بالسيادة المزدوجة بين الشعب والأمة، في إطار مبدأ التكاملية بين التمثيلية والتشاركية.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.