في ظل الجدل الذي أثاره مقطع فيديو قصير نشره صانع محتوى فرنسي على منصة “تيك توك” بشأن “المعايير المزدوجة” في تركيبة جبن “كيري” المسوق في المغرب بنظيره المتاح في الأسواق الفرنسية، أجرت جريدة “العمق” مقارنة كشفت عن فجوة كبيرة في المكونات والجودة بين جبن “كيري” المسوق في المغرب ونظيره الفرنسي.

ولا تقتصر المقارنة على اختلافات بسيطة، بل تكشف عن فلسفتي تصنيع مختلفتين تماما، إحداهما تعتمد على المعالجة الصناعية المكثفة، والأخرى تراهن على المكونات الطبيعية، مما يطرح أسئلة جوهرية حول المعايير المزدوجة والمخاطر الصحية المحتملة التي قد يتعرض لها المستهلك المغربي.

نسخة المغرب.. مزيج صناعي بقائمة إضافات طويلة

عند فحص عبوة “كيري” المغربية (وزن 150 غراما)، يتضح سريعا أنها ليست مجرد جبن طبيعي، فقائمة المكونات المصرح بها تشير إلى “خليط من الجبن الأبيض والقشدة”، لكن ما يلي ذلك هو ما يثير القلق، إذ تضم التركيبة إضافات صناعية واضحة تهدف إلى تعديل المنتج الأساسي.

وأبرزها تلك الإضافات الصناعية نجد “النشا المعدل”، الذي يُستخدم لزيادة كثافة القوام وتحقيق التماسك المطلوب، وهو مكون معالج كيميائيا، بالإضافة إلى “الأملاح المستحلبة” وهي عبارة عن مركبات كيميائية مثل بولي فوسفات (E452)، وفوسفات ثلاثي الكالسيوم (E341)، وحامض الستريك (E330)، حيث تُستخدم هذه الأملاح لمنع انفصال الدهون عن الماء، وضمان قوام كريمي متجانس، وإطالة العمر الافتراضي للمنتج.

وتوحي هذه التركيبة بأن المنتج خضع لعمليات معالجة مكثفة لضبط قوامه وطعمه وتمديد فترة صلاحيته، وهو ما يجعله أقرب إلى فئة “الأجبان المطبوخة” أو “المعالجة” منه إلى الجبن الطازج.

النموذج الفرنسي.. شفافية وتركيز على المكونات الطبيعية

في المقابل، تقدم عبوة “كيري” الفرنسية صورة مختلفة جذريا، إذ أن البساطة والوضوح هما سيد الموقف، حيث تتصدر المكونات الطبيعية القائمة، حيث نجد أن الحليب الطازج المبستر (53%) والقشدة (32%)، يشكلان معا 85% من المنتج، مع الإشارة بوضوح إلى أن مصدرهما هو فرنسا.

أما الإضافات الموجودة في عبارة فقط عن بروتينات الحليب ومركز المعادن وخمائر لبنية، وملح، وهي كلها مكونات طبيعية تهدف إلى تعزيز القيمة الغذائية والنكهة الأصيلة للجبن.

الأمر اللافت في نسخة “كيري” الفرنسية، هو غياب أي أثر للنشا المعدل أو الأملاح المستحلبة الصناعية، كما تشدد العبوة الفرنسية على أن الأبقار التي يُستخلص منها الحليب تتغذى على أعلاف خالية من الكائنات المعدلة وراثيا (OGM)، وهي معلومة تعكس اهتماما بالجودة بدءا من المصدر، وتوفر شفافية عالية للمستهلك، وهو غير الموجود في النسخة المغربية تماما.

ماذا تقول الدراسات عن المخاطر الصحية؟

لا يؤثر التباين في المكونات على الجودة والنكهة فحسب، بل يمتد ليشمل المخاطر الصحية المحتملة، إذ أن الإضافات الصناعية في النسخة المغربية، وتحديدا أملاح الفوسفات، تقع في صميم النقاش الصحي.

وحذرت دراسة علمية مرموقة، نُشرت في المجلة الطبية الألمانية (Deutsches Ärzteblatt International) عام 2012، من أن الاستهلاك المفرط للفوسفات المضاف (الموجود بكثرة في الأطعمة المصنعة) يمكن أن يؤدي إلى زيادة مستويات الفوسفور في الدم. هذه الزيادة ترتبط بمضاعفات خطيرة.

ومن أبرز تلك المضاعفات، أمراض القلب والأوعية الدموية، حيث يساهم الفوسفور الزائد في تصلب الشرايين، بالإضافة إلى إمكانية تسببه في مشاكل كلوية، حيث يشكل عبئا إضافيا على الكلى، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من قصور كلوي.

وأشار الباحثون إلى أن الفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود غالبا ما تكون الأكثر استهلاكا لهذه الأطعمة المعالجة، مما يجعلها أكثر عرضة لهذه المخاطر الصحية.

كما تشير أبحاث أخرى إلى أن بعض المضافات الغذائية، مثل النشا المعدل والمواد الشبيهة به كـالمالتوديكسترين، قد تؤثر سلبا على صحة الأمعاء. ووفقا لمنصات صحية موثوقة مثل Verywell Health، فإن هذه المواد، رغم اعتمادها للاستهلاك، قد تخل بتوازن البكتيريا النافعة في الجهاز الهضمي لدى بعض الأفراد، مما قد يسبب مشاكل هضمية على المدى الطويل.

معايير مزدوجة

في المقابل، يعتبر المنتج الفرنسي أكثر أمانا بشكل عام، مع التنبيه إلى أن الخمائر اللبنية قد تسبب إزعاجا هضميا طفيفا لدى فئة قليلة جدا من الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة أو الحساسية المفرطة.

وتكشف هذه المقارنة عن وجود “معايير مزدوجة” في تصنيع منتج يحمل الاسم التجاري نفسه. فبينما يتمتع المستهلك الأوروبي بمنتج أقرب إلى الطبيعة، بمكونات عالية الجودة وشفافية كاملة حول مصدرها، يُقدَّم للمستهلك المغربي منتجٌ مُعالَج صناعيا، غني بالإضافات الكيميائية، وغامض المصدر.

هذا التباين لا يطرح سؤالا حول الجودة فحسب، بل يضع المستهلك أمام مسؤولية أكبر في قراءة الملصقات وفهم مكوناتها. فالإختيار لم يعد مجرد تفضيل بين منتج وآخر، بل أصبح قرارا واعيا بين منتج طبيعي وآخر مصنّع قد يحمل في طياته مخاطر صحية غير معلنة.

ويبقى السؤال الأهم؛ لماذا لا يتم توحيد معايير الجودة والشفافية لضمان حصول جميع المستهلكين، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي، على منتج آمن وصحي؟

هذا السؤال وغيره من الأسئلة الأخرى طرحتها جريدة “العمق” على شركة Fromageries Bel Maroc، غير أن لم تتلق أي رد من على الأسئلة المطروحة، رغم مرور أزيد من أسبوع على توجيه تلك الأسئلة، ما يحرم المستهلكين من معلومات مهمة حول اختلاف مكونات منتجات “كيري” في المغرب مقارنة بالنسخ الأجنبية والمعايير الصحية المتبعة في تصنيعها.

البرلمان يدخل على الخط

إلى ذلك، وصل الجدل بخصوص مكونات جبن “كيري” القابل للدهن بالمغرب، إلى قبة البرلمان، بعدما وجه الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية سؤالا إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، يطالب فيه بتوضيحات دقيقة حول مدى سلامة بعض المواد المستعملة في الصناعات الغذائية.

وقال النائب البرلماني علال العمروي، في سؤاله الموجه إلى الوزير، إن الفريق الاستقلالي تابع بقلق عددا من مقاطع الفيديو التي تتحدث عن مواد غير صحية أو سامة أو مسرطنة في بعض المواد الاستهلاكية بالمغرب، كما هو الحال بالنسبة لمادة الجبن “Fromage”، أو بعض الخضروات والفواكه الموجهة سابقا للتصدير أو بعض المواد الغذائية المعلبة.

وأشار البرلماني إلى أن البلاغ الذي أصدرته الوكالة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) حول الموضوع جاء “غامضا”، خاصة في ظل حساسيته وارتباطه الوثيق بالصحة العامة للمواطنات والمواطنين.

وساءل الفريق الاستقلالي، الوزير الوصي، عن الإجراءات الاستعجالية التي اتخذتها الوزارة من أجل التقصي حول صحة المعطيات الواردة في هذه المقاطع، وكذا عن الإجراءات والنتائج المخبرية المنجزة حولها.

وكان المكتب الوطني للسلامة الصحية قد أوضح في بلاغ رسمي، عقب الضجة التي أثارها الفيديو المتداول، أن المضافات الغذائية التي تم الحديث عنها، وهي الكاراجينان (E407) والفوسفات ثلاثي الكالسيوم (E341) والبوليفوسفات (E452)، مرخصة قانونا ولا تشكل أي خطر على صحة المستهلك، موضحا أن استعمالها يتم وفق القوانين المغربية والمعايير الدولية للدستور الغذائي.

وأكد المكتب أن هذه المضافات مرخصة كذلك في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، مشددا على أن المؤسسات المنتجة للجبن تخضع لمراقبة منتظمة لضمان مطابقة منتجاتها لمعايير السلامة الغذائية.

وفي سياق متصل، كانت شركة “Fromagerie Bel” المغرب، المنتجة لعلامة “كيري”، قد أكدت في تصريح سابق لجريدة “العمق”، أنها تلتزم بـ”أعلى معايير الجودة والسلامة”، وأن استعمال المضافات الغذائية يتم وفق التشريعات المغربية السارية، مشيرة إلى أن مصنعها بطنجة يخضع لمراقبة منتظمة من طرف “أونسا”.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.