بمقر أكاديمية المملكة المغربية بالعاصمة الرباط، ألقى جاك شكيب بلغيثي، الأمين العام المساعد للأكاديمية الوطنية للطب بفرنسا، أمس الأربعاء، محاضرة زاوج فيها بين تاريخ الملاحظة الإنسانية الأسطورية والطبية لمسألة تجدّد الكبد.

هذه المحاضرة المنظمة بشراكة جمعت أكاديمية المملكة المغربية، وأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، ومؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة، استقبلت الأستاذ الفخري بجامعة باريس 7، الذي شغل منصب رئيس قسم الجراحة الهضمية وزراعة الكبد بمستشفى بوجون لعقدين، عضو الجمعية الأمريكية للجراحة، وهو مغربيّ المولد فرنسيّ المستقرّ.

جاك بلغيثي الذي تحدّث في مستهلّ محاضرته عن أبيه المغربي، وعن التنسيق الأكاديمي والبحثي الجاري بين أكاديمية المملكة المغربية ومؤسسات مغربية أخرى والأكاديمية الوطنية للطب بفرنسا، آلَف بين المخيال الإنساني الذي اهتمّ بتجدّد الكبد ألفي سنة قبل إثبات هذه القدرة علميا، وقدّر هذا العضو البشري لآلاف السنين، بوصفه موطن الروح والإحساس والحياة في الإنسان.

وانطلق الأمين العام المساعد للأكاديمية الوطنية للطب بفرنسا من أسطورة بروموثيوس، المنحاز إلى الإنسان ومنتزع شعلة النار من “الآلهة” في الأسطورة الإغريقية، حيث عاقبه “زيوس” بطائر ذي ناب يأكل كبده كلّ يوم، في عذاب أبدي، وهي قصة تقدّم الكبد عضوا متجدّدا، مثل قصّة ابن “زيوس” تيتيوس الذي عوقب بعُقابين يأكلان كبده، ويتجدّد، فيأكلانه، في عذاب دائم.

وتابع بلغيثي: “الأطباء منبهرون بكيف عرف الإغريق بقدرة الكبد على التجدد (…) ولو أنه لا دليل علميا على معرفة الإغريق عمليا بهذه القدرة”.

وفي الحضارات السابقة على الحضارة الإغريقية، ذكر المحاضر أن المصريين القدماء قد اعتبروا الكبد مكان “الروح، والحياة، والإحساس”، وقدّروه حتى عند تحنيط جثّة الإنسان، وهو تقدير للعضو يتبيّن في ممارسة البابليين أيضا، مستشهدا بحدث مع الحاكم نبوخذ نصر، ثم تحدّث عن الثقافة الأمازيغية التي لا يزال إلى اليوم يحافظ فيها الكبد على كونه “مكان الإحساس العميق”، دون أن يستبدل بمركزية القلب، التي زحزحت مكان الكبد في كثير من الحضارات الإنسانية.

ومن بين العلماء الذين استحضرَت منجزهم العلمي المحاضرة ابن سينا و”رسمه المذهل” لشرايين الكبد، وبحثه في دور العقل، وأهمية الكبد في إنتاج الدم، و”المزاج”.

وانتقلت المحاضرة في شقّ “الحجج العلمية حول تجدّد الكبد” إلى القرن التاسع عشر، في ألمانيا سنة 1886، ثم أمريكا سنة 1931، فتوالي الأبحاث بعد إثبات هذه الخاصية التي يختصّ بها هذا العضو البشري عند الإنسان.

ومن دروس تجدّد الكبد، وفق الموعد العلمي، أنه لا يتمّ بعمل أحادي؛ بل يتطلّب، مثل صاحبه الإنسان الكائن المجتمعي، عملا مشتركا لخلايا متعددة.

وإذا كان الجلد يتجدّد ويترك ندبا، فإن الكبد أكبر عضو إنساني يستطيع التجدّد أيضا؛ وهو ما تفسّره قدراته بوصفه “مصنعا مذهلا”، بل وأداة تصفية لكل “الأمور المسمومة، مثل الكحول والمخدّرات”.

وذكر الأستاذ الفخري بجامعة باريس 7 أن قدرة الكبد على التجدّد “تنطلق بشكل تلقائي، وسريع؛ فبحلول اليوم السابع (من الضرر) يكون قد تجدّد بنسبة 90 في المائة”، وهذا “أساس الجراحة الكبدية” في العصر الراهن.

لكن هذه القدرة لا تعني أن الكبد يصير سليما تماما، بل مثل تجدّد الجلد، كل تجدّد يترك ندبا؛ عقب كل إصابة فيروسية، أو استعمال متكرّر للكحول، وما في حكمهما، مما يسبّب التليّف “وتدمير المنظومة” مع مرور الوقت.

تجدر الإشارة إلى أن هذه المحاضرة قد شهدت مشاركة واسعة لأطباء مغاربة وباحثين في الطب، وتوالت أسئلتهم العلمية بعد المحاضرة حول مستجدات جراحة الكبد والمسائل الأخلاقية أيضا المتعلقة بنقل الأعضاء البشرية من إنسان إلى آخر.

المصدر: هسبريس

شاركها.