وسّعت الصين ترسانتها النووية بوتيرة غير مسبوقة خلال السنوات الخمس الماضية، في تحوّل لافت أثار قلقًا متصاعدًا في واشنطن، التي تتهم بكين بعرقلة جهود استئناف مفاوضات الحد من التسلّح.

وبينما ترفض الصين الدخول في محادثات ما لم توافق الولايات المتحدة على مبدأ “التكافؤ النووي”، تتسارع خطوات التحديث العسكري الصيني، بما في ذلك تطوير قدرات إطلاق ثلاثية تشمل البر والبحر والجو.

بحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، بلغ عدد الرؤوس النووية الصينية نحو 600 رأس بنهاية العام الماضي، مقارنة بأقل من 300 رأس قبل خمس سنوات. ويتوقّع البنتاغون أن يتضاعف هذا العدد ليبلغ 1000 رأس بحلول عام 2030. ويُعد هذا التوسّع الأسرع بين القوى النووية الكبرى، ويشمل توسعة منشآت التجارب في شمال غرب الصين، مع بناء أنفاق ومرافق تحت الأرض قد تُستخدم لاختبارات يصعب رصدها.

رُصد في عام 2021 إنشاء مئات من صوامع الصواريخ في مناطق نائية، وبلغ عددها نحو 350 صومعة، وهو رقم يقترب من عدد صوامع الولايات المتحدة. هذا التحوّل، وفق المصدر ذاته، يشير إلى أن الصين لم تعد تعتمد فقط على صواريخ عابرة للقارات محمولة على مركبات متنقّلة، بل باتت تمتلك إمكانيات إطلاق من قواعد ثابتة، ومن غواصات، وحتى من قاذفات استراتيجية.

في العرض العسكري الذي نُظّم في بكين خلال سبتمبر الماضي، عرضت الصين ثلاثة أنواع من الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية، بينها صاروخ من طراز “DF61” يُعتقد أنه قادر على بلوغ البر الأميركي. كما ظهر صاروخ بالوقود السائل وُصف بأنه قادر على ضرب أهداف متعددة حول العالم، باستخدام مزيج من الرؤوس النووية والتقليدية والتمويهية، ما يصعّب على الدفاعات الأميركية اعتراضه.

ورغم أن بكين لم تعلن رسميًا تخليها عن سياستها التقليدية المتمثلة في “الحد الأدنى من الردع”، فإن خطابها بات يشير إلى ضرورة بناء “توازن استراتيجي”، وهو ما يلمّح إلى رغبة ضمنية في تعديل ميزان القوى العالمي.

الرئيس شي جينبينغ دعا في عام 2021 إلى تسريع بناء “قوة ردع استراتيجية متقدمة”، في إطار تطوير شامل لقوة الصواريخ التابعة للجيش الصيني. وتقدّر الاستخبارات الأميركية أن شي أمر جيشه بالاستعداد لاحتمال السيطرة على تايوان بحلول عام 2027، رغم عدم وجود ما يؤكد أن قرار الغزو قد اتُّخذ فعليًا.

محاولات إدارة ترامب للدخول في مفاوضات ثلاثية مع الصين وروسيا قوبلت برفض صريح من بكين، التي اعتبرت أن من “غير العادل وغير الواقعي” إشراكها في اتفاقات لا تراعي الفارق الكبير في حجم الترسانات النووية. كما اشترطت الصين أن تتبنى الولايات المتحدة مبدأ “عدم الاستخدام الأول” كسقف تمهيدي لأي حوار، وهو ما رفضه البنتاغون، خشية تقويض مظلة الردع الممتدة لحلفاء واشنطن.

ورغم المكاسب التي حققتها بكين، لا تزال قدراتها بعيدة عن مستويات الولايات المتحدة أو روسيا. وترى الباحثة إليانا جونز من اتحاد العلماء الأميركيين أن الصين تفتقر حتى الآن إلى حجم وتعقيد منصات الإطلاق الجوية والبحرية لدى خصميها، لكن الوتيرة الحالية قد تغيّر هذا الواقع في العقد المقبل.

وتُجمع مصادر أميركية على أن التحوّل النووي الصيني يُعيد تشكيل معادلات الردع، ويزيد من هشاشة نظام ضبط الأسلحة العالمي، في لحظة تشهد فيها العلاقات الأميركيةالصينية تراجعًا في الثقة وتضاؤلًا في فرص التفاهم الاستراتيجي.

المصدر: هسبريس

شاركها.