اخبار المغرب

تيمة الفشل في رواية “مطبخ الحب ” للكاتب عبد العزيز الراشدي

“مطبخ الحب”  رواية للكاتب المغربي عبد العزيز الراشدي، نُشرت عام تتألف الرواية من 193 صفحة، وتتميز بأسلوب سردي يجمع بين البساطة والعمق، مما يجعلها قريبة من القارئ ومؤثرة في نفس الوقت. من خلال السرد، يستكشف الكاتب تعقيدات العلاقات الإنسانية وكيفية تطورها، مسلطًا الضوء على الجوانب النفسية والعاطفية للشخصية.

تتحدث الرواية عن  قصة حب تجمع بين شخصين يلتقيان صدفة بعد هروبهما من قوات القمع إثر مظاهرة كبيرة لجموع المعطليين،تستعرض هذه الرواية  تفاصيل علاقتهما وتطورها في سياق الحياة اليومية.

كما تستعرض الرواية مسار بطل الرواية في مجابهته للحياة، منذ قدومه من الجنوب للدراسة الجامعية، ومارسته مجموعة من المهن منها عمله كبائع متجول في شوارع الدار البيضاء، وفشله في الحصول على وظيفة رغم تميزه وحصوله على شهادة جامعية في تخصص حديث، ليصتدم بواقع المحسوبية والزبونية في التوظيف، يعانق بعد ذلك أمواج البحر في محاولة للهروب إلى الضفة الغربية هربا من بؤس الواقع، لكن بطل الرواية لم يستطع أن يتخلص من ” النحس” الذي يلاحقه، والذي جعله في نهاية المطاف شخصية فاشلة.

” مطبخ الحب ” العنوان المخاتل :

 

يُلاحظ المتلقي لهذه الرواية  أن العنوان يحمل دلالات مجازية، فلحظة ماقبل القراءة، قد يفترض القارئ بناء على مؤشر العنوان أن الكاتب يشبّه الحب بالطعام، مما يوحي بأن الحب يحتاج إلى مكونات خاصة، وخلطة لإعداده، تمامًا كما هو الحال في الطهي. هذا التشبيه يعكس فكرة أن الحب يتطلب جهدًا واهتمامًا ليصل إلى مرحلة النضج والكمال.

فالعنوان في مدلوله يؤكد دلالة القولة التي تؤكد على أن ” الحب ليس له وجود ضمني وإنما هو صنعة يتم صناعتها”، فالحب كلمة تنتمي لحقل المشاعر السامية، باعتبار الحب تمثل عطافي جياش، أما المطبخ فهي كلمة توحي لنا بالجوع وبالاشباع وغيرها من الأحاسيس الغريزية.

غير أن المطبخ داخل الرواية، لا يأخذ هذا البعد فقط، فهو مكان للتأمل وممارسة الحب، مكان أثير لدى بطل الرواية، وعنصر فاعل في مسار الصراع الدرامي للرواية.

 

تجليات الفشل في الرواية:

 

في رواية مطبخ الحب لعبد العزيز الراشدي، تبرز تيمة الفشل كعنصر أساسي في بنية السرد، حيث تتجلى في عدة مستويات نذكر منها:

الفشل في الحب:

الحب في الرواية يشبه الطهي، فهو يتطلب مكونات دقيقة وصبراً ليصل إلى نضجه. ومع ذلك، فإن الشخصيات تواجه صعوبات في الحفاظ على علاقاتها العاطفية، مما يعكس فشلها في تحقيق التوازن المطلوب بين العاطفة والواقع، فبطل الرواية بعد مدة طويلة يفشل في علاقته مع ” سهام” التي تقاسمت معه لسنوات معاناته، ولكنها في نهاية المطاف تقرر أن تتركه لأنها لا تستطيع أن تكمل حياتها مع إنسان ملعون بالنحس والفشل، جاء في الرواية على لسان بطلها ص184:

” لقد قررت سهام تركي في ذلك اليوم حين خرجت لتغلق الباب.. ولم يكن أمامها من باب لتغلقه غير باب علاقتنا الذي ظل مواربا لوقت ومفتوحا على مصائر ملونة… أعرف الآن أن الحب الذي يناسبنا موجود في خلف ما، وأنه كان علي اكتشافه وصنعه لأن الحب يخترع ”

بهذا يتأكد أن فشل البطل في الحب سببه سوء التقدير في كيمياء الحب، فالحب صنيعة بين كائنين ولا مجال للواحد منهما أن يحب الآخر وفق منطقه الخاص فقط، وهذا ما حدث مع بطل الرواية الذي أخطأ في طريقة حبه لسهام، مما جعل هذه الأخيرة تتركه وتقطع حبل الحب بينهما.

” قلت لنفسي، إنني مخطئ من نواحي عديدة، فقد سعيت لامتلاك سهام في البداية على طريقتي، وهذا ما ضيعها…”

 

الفشل في التواصل:

الرواية تسلط الضوء على إشكالية عدم قدرة الشخصيات على فهم بعضها البعض، مما يؤدي إلى سوء الفهم والتباعد العاطفي، وهو ما يُعد سببًا رئيسيًا في انهيار العلاقات، وينكشف هذا البعد في الرواية في علاقة البطل بمحبوبته سهام التي تنهار في نهاية المطاف متهمة اياه بسوء التواصل، وتتخذ من حادثة رؤيتها لجثته في المطبخ سببا في إنهاء هذه العلاقة:

” كنت مصعوقا وأنا أراها تنحرف بالنقاش في اتجاه ما لم أره، قلت لها بأن لا جثة في مطبخي، وإنني كنت طوال الوقت في الصالة، وإنني اعتقدتها قد غضبت مني لأسباب أخرى فأشاحت بوجهها وقالت:

هل تسمع كلامي؟ هل تنصت لي أصلا ؟

ثم اتهمتني بالغرور وذكرتني بأنني أستخف دائما بما تقول ولم أسمع يوما كلامها، قالت إنني لا أسمع سوى صوت نفسي”ص 186.

مطبخ الحب، تقدم للمتلقي فهما عميقا لأساس المشكلات الناتجة أساسا عن سوء التواصل، فالبطل كان يستمع لذاته فقط وينفرد الى قناعاته ولعل هذا ما وسع دائرة الفشل لديه، سواء مع سهام او مع صديقة المهدي مدير الذي وظفه معه فيها.

الجثة في مطبخ الحب دلالة على سوء التواصل، فمعلوم أن الفارق بين الحي والميت هو القدرة على التواصل والكلام :

” فكرت أنها قد تكون على حق في ما تقول، ربما كانت الجثة فعلا موجودة، ربما كانت جثة الصراحة والصدق المفقودين في حياتنا المشتركة، وربما كانت جثتي بمعنى آخر مختلف، هل يكون الرجل المعطل غير جثة عطنة لا يرغب فيها أحد؟…” ص189.

 

الفشل في تحقيق الأحلام:

 كما في الحياة الواقعية، لا تسير الأمور دائمًا كما نخطط لها. في مطبخ الحب، تصطدم الأحلام بالرغبات المتضاربة والظروف المعاكسة، مما يجعل الشخصيات تعاني من إحباطات متكررة، فبطل الرواية كان يمني نفسه بعد تخرجه على حصوله على وظيفة في إدارة مركزية مرموقة

” فكرت بأنني مختلف، وشهادتي كذلك، لقد درسنا ظواهر خاصة بالمجتمع المغربي، وتطوره الفريد وخصوصياته… لن أعمل إذن سوى في مؤسسة مركزية بالرباط… كان تخصصي مهنيا فريدا مفيدا حسب ما دبج في الأوراق، خليط من علم علم الاجتماع وعلم النفس والتواصل واللغة …” ص28.

هكذا يسترجع البطل ذكرياته مع الفشل في تحقيق الذات، والحصول على وظيفة يحقق من خلالها القطيعة مع بؤس الواقع والقهر الاجتماعي، غير أنه يقع في هول الصدمة أمام واقع لا يؤمن بالتخصص والكفائة” جميعنا اطمأن إلى أن بداية الألفية الجديدة ستكون بداية مشرقة… وقفت طويلا قبل أن يستقبلني موظف صغير…عرفت في ما بعد أن مهمته تصدير غير المرغوب فيهم إلى وجهة لا ماء فيها، قال لي سنتصل بك … لعله يستصغرني، ويقول لنفسه إن التجربة أهم من كل شيء وأن الشهادة لا وزن لها لأنها مجرد ورقة، وأن هؤلاء الشباب طماعون ويريدون حرق المراحل…” ص29.

الفشل في مطبخ الحب لا تعزى أسبابه إلى ضعف المؤهلات العلمية ولا الفكرية والشخصية للبطل، بل الفشل تتحكم فيه قوة خفية يمتزج فيها الفساد السياسي والواقعي، أو لعل الفشل مراده ” التابعة والنحس ” اللذان يلاحقان البطل وذلك حسب نظر العرافة التي أتت بها سهام الى المستشفى:

” نتا ياوليدي عندك التابعة”

وعندما لم أعلق ولم أحتج استرسلت في الكلام فقالت إن الذي يملك شهادة ويتكرفص هكذا في شظآن الحياة لاشك عنده التابعة، الذي يسافر إلى أوروبا ويعود دون سيارة ودون مال لا شك عنده التابعة، الذي يعمل صوحافي ولا يجد قوت يومه ولا يستقر على حال عنده التابعة”.

 

الفشل كجانب إنساني:

لا يتم تقديم الفشل في الرواية كمجرد عثرة، بل كجزء من التجربة الإنسانية، حيث يتعلم الأفراد منه ويعيدون تشكيل فهمهم للحياة والحب، فسيرورة الفشل الذي تعرضت له شخصيات الرواية، جعلتها تكون مواقف أعمق للواقع وللمستقبل:

” وفي لحظة فكرت أن الوطن كذلك يشبه سهام، علينا أن نحبه وأن نسعى لتغييره لنكون مناسبين له، لا أن ننتظر قدرنا لكي يتغير لوحده أو ننتظره لتغير كما يريد، تمشيت قرب البحر وفي ذهني صوت الموج الذي لم يعد يصيبني بالغثيان..”ص185.

 

خلاصات:

  • مطبخ الحب لا تروي فقط قصة عاطفية، تتعمق في الجانب النفسي والاجتماعي للشخصيات، موضحة كيف يمكن للفشل أن يكون جزءًا من رحلة النضج والتطور.
  • كما أن الرواية تقدما فهما عميقا لواقع المغرب في بداية الألفية الجديدة، كما تقدم الرواية كذلك صورة عن تاريخ النضال وأشكاله، وعن أطياف الفكر داخل الجامعات، والكشف عن عقليات المجتمع الفسيفسائي مما يجعل المتلقي يحس بنفسه أمام عمل روائي مغربي محض يقدم رؤية أشمال لواقع المغرب في بداية الألفية الجديدة.
  • إنها رواية دقيقة في  الوصف شاعرية في اللغة، مفعمة بالأحاسيس المتأرجحة بين بؤس الواقع وجرعة الحب والأمل.

 

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *