تنقيبات أثرية جديدة نواحي الصويرة، تغني فهم البدايات الأولى للإنسان العاقل، والمناخ القديم، مع طموح في أن تبرز الارتباط بين الشمال الإفريقي وجنوب الصحراء الإفريقية، وهي تنقيبات ينهض بها فريق يشرف عليه عبد الجليل بوزوكار، الأستاذ بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وستيفن كون، الأستاذ بجامعة أريزونا، وإيمي كلارك، الأستاذة بجامعة هارفارد، والأستاذة المشاركة بجامعة أريزونا.

وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية قال عالم الآثار عبد الجليل بوزوكار: “إن مغارة جرف الحمام وُجدت في إطار تحريات موسّعة في منطقة الصويرة خلال وضع أول خريطة أثرية لها. وهذا الموسم الرابع من البرنامج الذي يجمع المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث وجامعة أريزونا، مع مشاركة جامعة إيكس مارسيليا بفرنسا. وقد أنجز شباب مغاربة وأمريكيون أطاريح، اثنتان منها في المرحلة النهائية، حول المنطقة واكتشافاتها، وتضمّ معلومات مهمّة ستكشفُها مناقشتها”.

وعاد المصرّح إلى مراحل الدراسة، موردا: “بدأنا سبرا في الأول، لمعرفة أهمية المغارة، وأجرينا تأريخات لما وجدناه: أدوات حجرية، ومجموعة من عظام حيوانات منقرضة، منها خيليّات (أي كائنات منتمية إلى فصيلة الخيل) وعظام فصائل غزلان وضباع منقرضة، ومجموعة مهمة جدا من القوارض المنقرضة كذلك”، ثم أردف: “وجدنا أيضا رواشم مهمة جدا في العديد من الطبقات تعرّفنا كيف كان الحال الطبيعي آنذاك، لنفهم المناخ بشكل دقيق”، واستحضر في هذا الباب أطروحة ماستر ناقشتها الباحثة صباح بولا، “والآن هي موضوع بحث تعدّه في الدكتوراه بإشراف مغربي فرنسي، وقد اكتشفت نوعا من الأنواع الصغيرة جدا القادمة من الصحراء الكبرى؛ ما يجعل هذه المنطقة مرفأ لـ تومبوكتو، لأن الصويرة مفتوحة على العمق الإفريقي، وهذا يعني أن الصحراء الكبرى لم تكن حاجزا، علما أنها لم تكن قاحلة دائما”.

واستشهد عالم الآثار بدراسة حديثة “أظهرت أن الصحراء الكبرى منذ 8000 سنة كانت تعرف أمطارا استوائية صعدت للشمال، وأعطت تساقطات مهمة في شمال إفريقيا؛ وهذا يفسر ظواهر مناخية كبيرة ببعض أنحاء المغرب، مثل زاكورة وطاطا”.

وحول الأبحاث الأثرية بالموقع الأركيولوجي ذكر المشرف على التنقيبات الجديدة أن علماء الآثار “وصلوا إلى طبقات عمرها مائة ألف سنة، وتؤرّخ طبقاتها العليا في حدود 60 ألف سنة، وترمز إلى تاريخ جفاف كبير ضرب شمال إفريقيا”.

وجوابا عن سؤال “لماذا الاستمرار في البحث في هذا الموقع؟” أجاب الأركيولوجي بوزوكار: “لقد وصلنا إلى الطبقة الخامسة في التنقيب، ونستمر في الحفر لأننا نريد الابتعاد عن المناطق التقليدية في البحث، التي نعرف كيف عاش الإنسان فيها منذ 100 ألف سنة، في الريف الشرقي والريف الغربي، وتافوغالت، وأنكاد بوجدة”، وتابع: “علم الآثار يساعد أيضا في فهم وتفكيك المناخ القديم، واحتساب توقعات يمكن البناء عليها في المستقبل”، قبل أن يسجّل طموح المنقّبين إلى الوصول إلى مستويات مثل مستويات “مغارة بيزمون”، الموجودة بدورها نواحي الصويرة؛ “التي تجاوزنا فيها مستوى 150 ألف سنة”.

وحول اللُّقى الأثرية بمغارة جرف الحمام كشف عالم الآثار ما استخرجه الباحثون من “صناعات حجرية للإنسان”، وهي أشياء رآها للمرة الثالثة فقط كمختص في ما قبل التاريخ؛ وهو ما يدفعه لترجيح أن “هناك مواقع أخرى؛ نظرا لهذا الانتشار في الصناعات الحجرية للإنسان القديم”.

ومن بين ما تساعد في فهمه هذه الاكتشافات الأثرية “الفترات القديمة والحديثة للعصور الحجرية، والبدايات الأولى للإنسان العاقل بالمغرب”؛ كما أن مثل هذه الاكتشافات في موقع وسط غرب المغرب، أي بمنطقة الصويرة أكادير، التي هي “بمثابة هوامش الصحراء، قبل الصحراء الكبرى”؛ تعني “أننا بدأنا فضاءً يطلّ على الهوامش الشمالية للصحراء الكبرى؛ وهي مواقع أثرية سجّلت لنا ما وقع من تغيّرات وتحوّلات مناخية في الصحراء الكبرى (…) مع ما رافق ذلك من انتقال نباتات ووحيش منقرض من الصحراء الكبرى إلى الشمال؛ وهذا موقع من المواقع التي سجّلت أرشيفات قديمة لتحولات الصحراء الكبرى، ومن المواقع التي يمكن أن تعطينا فكرة واضحة عن المنطقة التي كانت تفصل الفضاء المتوسطي عن العمق الصحراوي الأطلسي”، يرود المتحدث ذاته.

المصدر: هسبريس

شاركها.