تنظيم مهرجانات بمناطق هشة يحرك الاقتصاد ويعرف بالتراث
انطلق موسم الصيف والفرجة وانطلق معه النقاش من جديد حول الجدوى الاقتصادية والتنموية من تنظيم المهرجانات، خصوصا بالعالم القروي والمناطق البعيدة عن المركز التي تظل في نظر ناقدين “بحاجة ماسة وأولية إلى تطوير البنية التحتية وتنزيل برامج اجتماعية للرفع من منسوب التنمية بها، وذلك في ظل دعوات سابقة لمصالح الدولة إلى اعتماد التقشف”.
وظهرت دعوات رافضة لإقامة المهرجانات بعدد من الجماعات المحلية، بدعوى أنها ربما “إهدار للمال العام وتضييع لميزانيات مهمة في لحظات بسيطة”، وهو ما عبر عنه المكتب الإقليمي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بإقليم أزيلال، رافضا عزم جماعات فقيرة تنظيم مهرجانات بملايين الدراهم عوضا عن توجيه هذه الأموال للمساهمة في التنمية المحلية.
هسبريس نقلت هذا الطرح إلى رؤساء جماعات محلية بأقاليم “هشة تنمويا” كتارودانت والحوز، فكان أن دافعوا عن إقامة المهرجانات خلال فترة الصيف بعد أن رأوا أنها “تُعبر عن فرصة سنوية لتثمين الموروث الثقافي المحلي وتحريك الدورة الاقتصادية والرفع من منسوب الاهتمام بالتراث اللامادي للعالم القروي”.
المسؤولون الجماعيون الذين تحدثوا لهسبريس ذكروا أن “الجماعات المحلية لا تنظم المهرجانات من ميزانيات المشاريع التنموية، بل بشراكة مع مصالح الدولة التي تساهم بدورها بنصيب مهم في التكاليف، إلى جانب الفاعلين الخواص والمجتمعيين”، موردين أن “المناطق المحلية بحاجة إلى هذه المناسبات التي تساهم في التعريف بها وبخيراتها الفلاحية والسياحية”.
تسويق ترابيٌّ
رضوان المغراني، رئيس جماعة أوناين بإقليم تارودانت، أكد أن “المهرجانات في شموليتها لا تتحمل تكاليفها الجماعات المحلية لوحدها، بل يكون التنظيم بتنسيق مع فاعلين مؤسساتيين وفاعلين اقتصاديين خواص في إطار شراكات، إلى جانب تعاونٍ مع جمعيات المجتمع المدني لتنظيم هذه المناسبات التي تحتاج إليها المراكز القروية كما الحضرية نظرا لنفعها الاقتصادي الذي لا يمكن إنكاره”.
وقال المغراني، في تصريح لهسبريس، إن “وزارات الداخلية والثقافة والفلاحة تساهم بنصيب مهم من ميزانية التظاهرات الفنية، مما يجعل أنه من النادر أن نجد أن جماعة محلية نظمت المناسبة من تلقاء نفسها وباعتماد ميزانيتها لوحدها”، مبرزا أن “هذه المهرجانات التي يحين وقتها خلال هذه الفترة تظل فرصة مواتية للمجالس المحلية من أجل إبراز ما تم إنجازه في البنية التحتية”، نافيا أن تكون “إهدارا للمال العام”.
تعريفٌ بتراث المنطقة
عبد الرحيم مجرى، رئيس جماعة إداوكماض بإقليم تارودانت، قال إن “المهرجانات في الأصل تساهم في التعريف بالتراث المحلي وتقاليد أهل المنطقة وأعرافهم ورصيدهم الأنثروبولوجي، عكس المدن التي يمكن أن نتحدث عن ألوان ثقافية مستوردة في إطار العولمة؛ فهذه المناسبات الثقافية تقوم بتحريك الدورة الاقتصادية بهذه المناطق القروية لمدة معينة”.
ولفت مجرى، مُصرّحاً لهسبريس، إلى أن “هذه المناسبات تعرف إقامة معارض لفائدة التعاونيات التي تقوم بعرض ما سهرت على إنتاجه طيلة السنة، ومن الإجحاف أن نحرمها من هذه المناسبة التسويقية”، موردا أن المهرجانات بالمنطقة تكون ذات صبغة محلية تليق بثقافة الساكنة وأعرافها.
وزاد أن “الجماعات التي تخلت عن هذه المهرجانات فقدت بريقها واسمها في متداول عشاق الفن والسياحة، وتخلت كذلك عن فرصة مواتية للتسويق لنفسها، إلى درجة أنها لم تعد تذكر كثيرا خلال هذه الفترة الصيفية”، وقال: “نحن في جماعتنا نقيم سنويا مهرجانا خلال فترة الصيف وقمنا ببرمجته هذه السنة كذلك على الرغم من معاناة المنطقة من الزلزال”، موردا أنها “فرصة لتجاوز صدمات الثامن من شتنبر الماضي”.
دورة تنموية
عبد المالك بازي، رئيس جماعة تالكجونت بدائرة أولاد برحيل، أوضح أن “التنمية الشاملة تكون في الأساس أفقية، وليس عمودية، ويجب ألا يتم إقصاء أي مجال، بما فيه مجال الثقافة، حيث إن هنالك ضغطا حادا للعولمة على الخصوصيات المجالية لعدد من المناطق، وإن لم نقم بالتصدي له عبر إقامة مهرجانات وضمان استدامتها فمن سيقوم بذلك؟”.
وأضاف بازي، في حديث لهسبريس، أن “هذه المناسبات تكون فرصة للرواج بالنسبة لعدد من المقاولات الصغرى جدا والمقاولين الذاتيين النشطين في مجال التنظيم والمطعمة والتجهيز، فنحن إذن نتحدث عن دورة اقتصادية تتحرك خلال هذه المناسبات، حيث إن زمن البنية التحتية بدوره مستمر وليس مرتبطا بفترة محددة”، مبرزا أن “ميزانية المهرجانات تساهم فيها وزارة الداخلية ووزارة الثقافة ومجالس الأقاليم والجهات، فيما تساهم الجماعات بما هو يسير، ويمكن ألا يتجاوز 7 ملايين سنتيم”.
وذكر المتحدث أن “القطاعات الحكومية تقوم بتقديم دعم مخصص لهذه التظاهرات، لا يمكن الاعتماد عليه في مشاريع أخرى. وبالتالي، من الأحسن استثماره في هذه الفعاليات الثقافية بما يحقق نتائج تنموية جيدة، خصوصا لدى التنظيمات الجمعوية النسوية التي تقوم بتسويق منتوجاتها خلال هذه الفترة”، خالصا إلى أن الآراء تظلُّ محترمة بخصوص هذا الموضوع.
ميزانية خاصة بالتنظيم
ابراهيم كوشك، رئيس جماعة أغواطيم بإقليم الحوز، أفاد بأن “عددا من الجماعات بالمملكة، خصوصا بالعالم القروي، واظبت خلال السنوات الماضية على تنظيم المهرجانات خلال فترة الصيف التي تعرف عودة المهاجرين، بما يمثل فرصة لتجديد الارتباط بالأرض”، موردا أنه “كان يتم تنظيم مهرجان كبير بمنطقة تحناوت يجمع كل عشاق الفن والثقافة بالحوز”.
وذكر كوشك، في تصريح لهسبريس، أن “للمهرجانات منافع اقتصادية وتنموية على المناطق القروية التي لا تستفيد من مثل هذه الفرص على مدار السنة، حيث إننا نتحدث عن طفرة يعرفها الاقتصاد المحلي تتزامن مع مجهودات النهوض بالتراث المحلي وضمان استدامته”.
وأبرز المتحدث أن “ميزانية تنظيم المهرجانات بعيدة عن ميزانية التسيير والمشاريع المبرمجة بتراب الجماعة، بمعنى أن تنظيم هذه المناسبة لن يعرقل تشييد البنية التحتية أبدا؛ لأن الميزانية الخاصة بها يتم تدبيرها بشراكة مع جمعيات المجتمع المدني والفاعلين المؤسساتيين المتمثلين في الوزارات والفاعلين الخواص والمتبرعين العينيين”، رافضا الحديث عن “هدرٍ للمال العام”.
المصدر: هسبريس