“تنظيم احترافي”.. الدورة الـ29 من معرض الكتاب تشدّ انتباه مسؤولين أوروبيين
لكلّ بلد “حكاية ثقافيّة”، يستطيع حين يؤمن بالثقافة كعنصر ثمين وناعم واستثنائي، أن يروج لها بكل الطرق التي يمكن أن تجعلها في طريق يخول لها، على الأقل، أن تسير في منحى يُشبه الاصطفاف إلى جانب أقطار أخرى كانت “مهداً لانبثاق توقيعات حضارية لها نوع من الحصريّة اليوم في السياق الثقافي العالمي”؛ فكيف يرانا “الآخر” حين نبرع كمغاربة في تنظيم الدورة الـ29 من ملتقى الكتاب؟.
التساؤل الذي تنطلق منه هسبريس في هذا المعرض، الذي تتباين حركيّته خلال كل يوم منذ انطلاقه: كثيفة ثم شبه كثيفة، فقليلة، يبحث في هذه “الدروب” داخل الملتقى عن “كائن أوروبيّ” له مسؤولية ثقافية أو سياسية، يمكن أن يقدّم شهادة يتحمل “مسؤوليتها الأخلاقية” في حق هذا المعرض الذي يتحرك في السنوات الأخيرة، وفق مثقفين منهم الروائي والمفكر حسن أوريد، بقدرة “تنظيمية عالية”.
وبينما تسير داخل هذا المعرض، الذي صارت فيه كلّ مؤسسات الدولة تشعر بـ”الفورة التواصلية” وضرورة التكلّم مباشرة إلى المواطنين، لا تحتكم الرؤية والمنطلق إلى الحاجة لقولٍ، ربما، “أوروبي” ليقيّم المغاربة أو إعادة تأكيد التبعية للآخر باعتباره “مرجعا ثقافيا”؛ وإنما الهاجس هو كيف يرى هؤلاء أن هذه البنايات المركّبة يمكن أن تكون “فرصة حضارية”.
إسبانيا تقارن
كارمن روسيل بييلسا، مديرة المكتبة بمعهد “سرفانتس” الرباط، أكدت أن الجناح يمثل كذلك السفارة الإسبانية بالرباط، حيث يتم تنظيم الأنشطة بشكل مشترك، معبّرة عن كيف “سهل التنظيم بالتحديد هذه العملية”، وزادت: “في الحقيقية وبكلّ تجرد ليست لدينا أي ملاحظة يمكن تسجيلها سوى الثناء على المنظمين، لأن تدبير هذا الفضاء ينم عن الاحتراف وعن المهنية في تنظيم الملتقيات المماثلة التي تستوعب مختلف الزوار”.
واعترفت المسؤولة الثقافية الإسبانية بأن “هذه المشاركة، التي تعد الثالثة من نوعها في المعرض الدولي للنشر والكتاب، بالرباط طبعاً، عرفت تعليقات مختلفة من طرف المثقفين الإسبان الذين حجّوا إلى عاصمة المملكة المغربية”، مؤكدة أن “جلهم تحدثوا عن المعارض التي تنظم في إسبانيا، وكانت ملاحظتهم أنها ربما لا ترقى إلى بعض معايير ملتقى الرباط الحالي، في حيثيات معينة، لاسيما الحجم”.
وأكدت كارمن روسيل بييلسا أن “التظاهرة تعدّ فرصة لتقريب المغاربة من ثقافة شبه الجزيرة الإيبيرية”، وزادت موضحة: “لدينا زوار يكتبون ويؤلفون في إسبانيا، كما أننا انفتحنا على الكتاب والمترجمين والمؤلفين المغاربة؛ وكانت هذه فرصة مهمة لنتعارف أكثر فيزيائيا مع الجمهور ونبني معه علاقات حقيقية، لاسيما في وقت تعرف العلاقات المغربية الإسبانية زخما لافتا”.
بريطانيا تعضّد
تبدأ الحكاية من جناح المملكة المتحدة، حيث نلتقي توم هيل، القنصل العام للمملكة المتحدة بالدار البيضاء والمدير الإقليمي لقسم الأعمال والتجارة، الذي قال إنها المرة الأولى التي يحضر إلى المعرض الدولي للنشر والكتاب، مؤكداً أنه انبهر بالتّنظيم، كما اندهش بـ”الاهتمام اللافت للانتباه من الشباب المغاربة بالمملكة المتحدة، خصوصاً الذين يتطلعون إلى تعلم اللغة الإنجليزية”.
ولم يستثن المسؤول الدبلوماسي البريطاني سالف الذكر الراغبين في الدراسة باللغة الإنجليزية، والبحث عن الفرص المسهلة لذلك، وأضاف: “لهذا السبب يسعدنا أن نكون هنا مع بعض المؤلفين والناشرين البريطانيين المهمين؛ فالفعالية تتيح كل هذا، لكون النشاط منظما جيدا وبشكل فاق التوقعات. ونحن سعداء لوجودنا هنا، ونتطلع إلى العودة العام المقبل”.
وتابع المتحدث ذاته: “من المهم حقّا أن يكون متاحا أمامنا هذا الصالون الثقافي الذي يلاقي رواد الأعمال في المجال الثقافي بالقراء؛ وبعض الناشرين الذين جلبناهم هنا، وتعدّ هذه زيارتهم الأولى للمغرب؛ فالفضاء يشكل سوقا مميزة لعرض أعمالهم. والأمر أيضاً مهم بالنسبة لبائعي الكتب، لذلك فهو حدث مهم، وتسعدنا المساهمة فيه”.
وتفاعلاً مع سؤال لهسبريس حول إمكانية امتداد هذا المعرض إلى بريطانيا، بنقله عند العودة، ليخلق تصوراً جديداً عن المغاربة، أورد توم هيل أن “المغرب يثبت بهذا المعرض أنه ملتزم بقضايا الثقافة دوليا، وبأنه منخرط في نشر الأدب والرواية والقصة والترويج لها”، خالصاً إلى أن “العودة السنة المقبلة ستكون في مستوى التنظيم؛ مع استقطاب المزيد من الناشرين والكتاب وبائعي الكتب من المملكة المتحدة”.
إيطاليا تعوّل
كارميلا كاليا، مديرة المعهد الثقافي الإيطالي والملحقة الثقافية بالسفارة الإيطالية بالرباط، قالت إن تنظيم المعرض بهذا الشكل “يثبت وجود تقدير كبير للثقافة والتعليم في قلب اهتمامات المغرب”، بتعبيرها.
وزادت كاليا: “أعتقد أن المغرب يعد بلداً رائداً حقا من حيث نشر الثقافة في صفوف الأحداث تحديدا”.
والتقطت هسبريس هذا القول لتقاطع المسؤولة الثقافية الإيطالية بسؤال: هل هذا يعني أن المعرض يقدم نموذجا جديدا “يضاهي” معارض قارتها، فردت قائلة: “أتصور أن لكل بلد سياقاته وخصوصيته التي تنعكس بالأساس في التظاهرات الثقافية التي يقيمها، لهذا من الصعب إجراء مقارنة”، واستدركت: “لكن جميعها لديها مهمة واحدة: نشر الثقافة، وتكريس الحوار بين الثقافات، وهذا المعرض يقوم بذلك، ومن ثم نحن نتعاون من خلال برنامج المعهد الثقافي الإيطالي”.
وقبل أن تغادر هسبريس فضاء السفارات والممثلين الثقافيين للدول أكدت المتحدثة بدورها أن “المعرض فرصة رائعة لملاقاة الجماهير”، وزادت: “لقد رأينا الكثير من الشباب يأتون إلى هذا الملتقى طيلة هذه الأيام. والزيارات التي سجلناها في جناح المعهد والسفارة الإيطالية عموما تعدّ حيوية، وتكشف الاهتمام بإيطاليا؛ وهذا كله يختبر صراحة قدرتنا على الترويج لثقافتنا على جميع المستويات، والمعطيات تثبت أن هناك حبّا للكتب والثّقافة”.
المصدر: هسبريس