تمويل “مدارس الريادة” يضع برادة في مأزق تدبير تركة بنموسى
منذ تعيين الوزير الجديد للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، بعد التعديل الحكومي الأخير، بدأ النقاش حول مستقبل التعليم في المغرب يأخذ منحى جديداً، خصوصاً فيما يتعلق بمشروع “مدارس الريادة” الذي بشر به بنموسى المغاربة للخروج من المراتب المتدنية التي يحتلها التعليم بالمغرب في أغلب التصنيفات الدولية.
وبحسب بنموسى، الذي أعدّ المشروع وترافع لاعتماده، فإن مدارس الريادة تهدف إلى تحسين جودة التعليم وتنمية مهارات المتعلمين. إلا أن العديد من الأسئلة تبقى معلقة حول أبعاد هذا الإصلاح، وخاصة فيما يتعلق بالتكلفة المالية التي ترافقه وإشكالية تنوع الصيغ المعتمدة للكتاب المدرسي.
وفي معرض رده على مداخلات النواب خلال مناقشة ميزانية القطاع بلجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب الجمعة الماضي، أكد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، أن تكلفة مشروع “مدارس الريادة”، ليست كبيرة، فتجهيز حجرة دراسية لا يتجاوز 15,000 درهم فقط.
وأوضح أن تكلفة تغيير مصباح المسلاط في الفصول الدراسية، الذي يتم كل سنتين، لا تتعدى 1,000 درهم. واعتبر أن هذا الرقم يثبت أن “مدارس الريادة” لا تثقل ميزانية القطاع بشكل كبير، بل على العكس، تُظهر قدرة على تحقيق نتائج متميزة بتكلفة معقولة.
وأبرز برادة أن ميزانية التربية الوطنية تمثل حوالي 6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يضع المغرب في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال، على غرار الولايات المتحدة والدنمارك اللتين تخصصان نسبة مماثلة من ناتجهما المحلي الإجمالي للتعليم، كما تفعل فرنسا بنسبة 5.2%.
وسجل أن هذه الميزانية، يجب أن تنعكس على ترتيب المغرب في التصنيفات العالية وأن لا نظل متأخرين خصوصا في تصنيف PISA، مضيفا: “هذا الاستثمار الكبير في قطاع التعليم يعكس التزامنا بتحسينه، وهدفنا من خلال مدارس الريادة هو رفع تصنيف التعليم في المغرب، وإذا نجحت التجربة، يمكن أن نصل إلى مستوى قريب من تركيا، التي تحتل مراكز بين 40 و45 في التصنيف العالمي للتعليم، بدلا من بقائنا في المراكز المتأخرة مثل المرتبة 75”.
ميزانية ضخمة
وأشار الباحث في قضايا التربة والتكوين والسياسات التعليمية، سعيد اخيطوش، إلى أنه منذ تعيين وزير التربية الوطنية والتعليم الأول والرياضة إثر التعديل الحكومي الأخير، والكل ينتظر قراراته الأولى خصوصا فيما يتعلق بإصلاح المدرسة المغربية وإقرار ما يعرف بمدارس الريادة.
وسجل أنه مع حلول موعد مناقشة الميزانية القطاعية الخاصة بالتربية الوطنية أمام البرلمان، بدأت الإرهاصات الأولى والعلامات الأولى لتوجه الوزير الجديد في البروز، مشيرا إلى أن مناقشة الميزانية، تخللتها عدة معطيات وأرقام ثم توجهات وأهداف سيتم التركيز عليها مستقبلا وضمنها تحسين ترتيب المغرب في ميدان التعليم وكذا تحسين نتائج التقويم الدولي PISA وترجمة هذا الالتزام بالرفع من ميزانية التربية الوطنية خلال الموسم القادم.
ونبه المتخصص في الشأن التربوي الضوء على إشكالية الأرقام والنسب واستمرار الوزارة في خطاب الطمأنة وتأكيد سلامة مسار الإصلاح، وقال: “من جملة الأرقام التي تستأثر بالإهتمام أكبر المبلغ الإجمالي للميزانية والذي سينتقل من 87 مليار درهم هذا العام إلى 92 مليار خلال السنة القادمة.
ووفق هذه المعطيات، أكد المتحدث ذاته، أن نسبة ميزانية القطاع من الناتج المحلي الإجمالي ستبلغ 6% ، مضيفا “وهو ما جعل يصف المغرب بكونه ضمن مصاف الدول الرائدة في هذا المجال بطموح تحسين ترتيب المغرب من الرتبة 75 إلى رتبة قريبة من ترتيب تركيا مابين 40 و45”.
وذكر أخيطوش في تصريح لجريدة “العمق” بأن نسبة ميزانية التعليم بتركيا، التي يطمح الوزير إن يصل إلى نموذجها، من الناتج المحلي الإجمالي قد بلغت 18 % خلال سنة 2023، كما أن تحسين الترتيب بما يقارب 30 رتبة لن يتأتى إلا من خلال ميزانية ضخمة جدا ولعدة سنوات لا يمكن اختصارها في 3 سنوات.
وأشار إلى أن الإمارات العربية المتحدة التي تحتل الرتبة 41 في ميدان التعليم نجد نسبة ميزانية القطاع فيها تصل 14.3 % ثم الدنمارك المحتلة للرتبة الثانية عالميا نجدها تخصص 9.3 % من ناتجها الإجمالي للتعليم، لافتا إلى أنه على صعيد الولايات المتحدة الأمريكية، تخصص واشنطن 8.8مليار دولار للتعليم بينما ولاية فلوريدا تخصص 22.8 مليار دولار من ميزانيتها للتعليم.
ويرى الخبير التربوي، أن خطاب الوزير الجديد، يغلب عليه منطق الطمأنة والتلاعب بالأرقام لكسب التأييد خصوصا عند تصحيح النسبة من معلومات صندوق النقد الدولي والتي تبلغ 5.6 % ثم استحضار المتوسط العالمي البالغ 4.7 % سنة 2023، مؤكدا أن الحكومة مطالبة ببذل مجهود أكبر والرفع من ميزانية التعليم أكثر إن كان فعلا إصلاح قطاع التعليم ضمن أولوياتها الاستراتيجية الآنية، وفق تعبيره.
كلفة الكراسات
أما الكلفة المالية لمدارس الريادة وبيع الكراسات في المكتبات، سجل الإطار بوزارة التربية الوطنية أنه منذ التحاق الوزير محمد سعد برادة، الحالي للقطاع ومسألة الكلفة المالية تستأثر بالاهتمام الكبير، حيث طالب الوزير بكل المعطيات المتعلقة، وحاول خلال ردوده داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال الإجابة عن مجموعة من الإكراهات المهددة للمشروع في الجانب المالي.
ويتعلق الأمر، وفق أخيطوش، بالتكوين المستمر للمفتشين والأساتذة ومسألة الكتاب المدرسي أو كراسات الاشتغال في مدرسة الرائدة التي قرر عرضها للبيع في المكتبات ابتداء من الموسم القادم، مشيرا إلى أن الوزير الجديد في التعليم، ابتعد بشكل واضح عن مناقشة مسألة المنحة الخاصة بالريادة ومبلغها المتزايد سنة بعد أخرى من جهة، ومن جهة أخرى لم يتطرق لمسألة تعويضات الفئات المتدخلة في التنزيل.
وشدد على أن هذه التعويضات، لم تذكر في أية وثيقة رسمية ورغم ذلك تصرف لفائدة مستحقيها من الفئات المنزلة للمشروع، وذلك ابتعادا من أية نقطة أو انتقاد مبطن لاعتماد التعويض أو المنحة الذي من شأنه “خلق احتقان” جديد داخل المؤسسات المحتضنة للمشروع.
وقال أخيطوش، إن قرار الوزير برفع المجانية عن الكراسات المتعلقة بالريادة أو كتابها المدرسي، ” ستكون له تبعات غير محمودة على سير المشروع، إذ سيكون المغرب البلد الوحيد الذي يعتمد صيغتين من الكتاب المدرسي، أولاهما صيغة متعددة الكتب تابعة للمنهاج وثانيتهما صيغة تجريبية لمدرسة الريادة”.
وأوضح أنه في حالة السير في هكذا اتجاه، ستتحمل المدرسة المغربية العمومية انتقادات كبيرة خصوصا من الهيئات التقويمية الدولية وكذا المؤسسات المانحة للاعتمادات المالية، منبها إلى أن طرح كتاب تجريبي للبيع في المكتبات، سيربك المشروع جراء تعارض مصالح الناشرين المادية بالخصوص مع ما سيترتب عن التنقيح من تغيير سنوي على الأقل لهذا الكتاب.
إقصاء المتفوقين
وحذر الخبير التربوي، من تكرار سيناريو كتب التعليم الأولى التي امتنع الناشرون عن طبعها إلى غاية بيعهم للمخزون القديم من الكتب آنذاك عند بدء العمل بالإطار المنهاجي للتعليم الأولي سنة 2018، منبها إلى أن “طرح الكراسات للبيع في المكتبات سيجعل عمليات التنقيح سنوية وليست مرحلية أو أسبوعية كما هو المعمول به حاليا، وبالتالي برمجة العمل الخاص بفرق التأليف بشكل سنوي غير قابل للتدارك والتصحيح خلال سير التنزيل على مدار الموسم الدراسي كما هو اليوم.”
وأكد المتحدث ذاته، أن مناقشة الكلفة المالية للمشروع بالشكل الذي طرحه الوزير أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال، ” أسقط الوزير في خطأ الاعتراف بأن مدارس الريادة تقصي المتفوقين ولا تأخذ احتياجاتهم بعين الاعتبار، حيث برر الوزير المكلف بالقطاع بكون هذه الفئة غالبا ما تنتمي لأسر تواكب أبناءها بالساعات الإضافية”.
واعتبر أخيطوش، أن “هذا القول يحمل اعترافا بكون هذه الفئة لا تشكل أولوية لدى مهندسي المشروع، علما أنها الفئة التي تحقق نتائج مرضية في المنافسات والأولمبياد الإفريقية وكذا تحسين معدل المتعلمين المغاربة في التقويمات الدولية”.
ويرى الخبير التربوي، أن تحقيق الجودة للجميع متفوقين وغير ذلك، ” هو السبيل الوحيد لتصحيح الوضع الواصف للمدرسة الرائدة بكونها مدرسة المتعثرين فقط، وهو ركن أساسي من أركان المدرسة العمومية الرائدة فعلا.”
وخلص أخيطوش، إلى أن مناقشة التبعات المالية للمشروع، تؤشر على مناقشة صفقاته وطرق الصرف واعتمادات كل بند من بنوده، حيث يحتمل أن تحمل الأيام القادمة تغييرات في كل ذلك، عندها سيتضرر الركن الثاني المتعلق بالتحفيز بعدما تضرر الركن الثالث المتعلق بحرية الرغبة في الانخراط خصوصا عند تحديد المؤسسات المقترحة للموسم القادم والتي كان فيها الاختيار للمديريات الإقليمية.
المصدر: العمق المغربي