تكاليف عيد الأضحى المرتفعة تقيد برامج العطلة الصيفية لدى الأسر المغربية
“ضحينا بالعطلة الصيفية من أجل أضحية العيد”؛ بهذه الجملة المعبرة لخص “خ. ف”، الموظف بإحدى شركات الخدمات في العاصمة الرباط، واقع أسرته، التي ستعيش عطلة صيفية مغايرة للسنوات الماضية بسبب الغلاء وتزامن عيد الأضحى مع بداية العطلة الصيفية.
الرجل الذي أوشك على إكمال عقده الخامس تحدث لجريدة هسبريس الإلكترونية والخيبة تعلو محياه، قائلا: “دأبت مع زوجتي وأبنائي الثلاثة على السفر في الصيف إلى الشمال والاستمتاع بالعطلة بعد سنة عمل طويلة بالنسبة لنا كأبوين ولأبنائنا في المدرسة والجامعة”.
وتابع الموظف ذاته، الذي بات يواجه صعوبات حقيقية في تأمين حاجيات أسرته بعد موجة الغلاء وارتفاع نسبة التضخم وتداعياتها الوخيمة على القدرة الشرائية، بأن “الوضع معقد حقيقة، لم يعد الأجر يكفينا، وسنقضي العطلة في الرباط ننتقل بين الشواطئ القريبة منها”، معربا عن أسفه لأسرته التي لم تجرب هذا الوضع من قبل.
حالة أسرة هذا الموظف الخمسيني مشابهة للواقع الذي تعيشه فئات واسعة من الأسر المغربية المتضررة من الغلاء المدفوع بالتضخم، الأمر الذي يمكن أن تكون له تداعيات على حركية الأسر وتنقلها بين المدن المغربية في إطار الانتعاش الموسمي الذي تعيشه المدن الساحلية خلال الصيف.
مراجعة الاستهلاك
المحلل الاقتصادي مهدي فقير رجح، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن يدفع الواقع الاقتصادي المعقد للأسر الكثير منها إلى مراجعة حساباتها خلال هذه المرحلة، وقد لا تتنقل خارج المدن التي تقطن بها وتفرض عليها السياحة المحلية.
وسجل فقير أن الواقع الاقتصادي الجديد سيفرز “سلوكيات استهلاكية جديدة بحكم الأزمة”، معتبرا أن استنزاف مدخرات الأسر في استهلاك أمور ثانوية “ليس إيجابيا للاقتصاد، ويكون أسوأ إذا كان عن طريق القروض وتفويت عقارات وأملاك من أجل الاستهلاك”.
وأبرز المحلل الاقتصادي ذاته أن “موجة الغلاء التي تتأكد يوما بعد يوم، قد تدفع الكثير من الأسر إلى عدم اقتناء أضحية العيد. والضغط على الأسر والغلاء، سيفرزان سلوكا جديدا يعمد إلى العدول عن استهلاك المواد ذات الطابع التجهيزي والاستثماري”.
وأشار المتحدث لهسبريس إلى أن “الوضع الاقتصادي سيدفع إلى تغييرات في سلوكيات وثقافة الاستهلاك، من بينها إعادة النظر في الاستهلاك باعتباره وسيلة وليس غاية في حد ذاته يتم تحقيقها تحت أي ظرف كان ولو بالاقتراض وتعبئة الادخار لهذا الأمر”.
وحذر فقير من تداعيات تآكل القدرة على الادخار بالنسبة للأسر المغربية، موردا أن استمرار الاستهلاك من أجل الاقتراض “فقاعة يمكن أن تنفجر في وجه الاقتصاد”، معتبرا أن الارتفاع الكبير لنسبة القروض متعثرة الأداء والقابلة للتعثر، التي بلغت 10 بالمائة، “نسبة مهولة بالنسبة للبنوك في الوقت الذي يبقى المعدل العالمي في حدود 3 إلى 4 بالمائة”.
وضع غير مرغوب فيه
من جهته، اعتبر المحلل الاقتصادي إدريس العيساوي أن عيد الأضحى الذي تميز هذه السنة بغلاء كبير، جاء في مناسبة “غير مرغوب فيها بالنسبة للمواطنين والأسر المغربية، بتزامنه مع بداية العطلة الصيفية وانتهاء فترة الامتحانات لدى الطلبة”.
وقال العيساوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “الغلاء وتزامنه مع مناسبات دينية واجتماعية متوالية، لم يترك المجال أمام الأسر المغربية للقيام بمسؤولياتها الدينية والاجتماعية بأريحية، ويتقاطع مع المسؤوليات المتعددة الأخرى المطروحة على المواطنين والأسر”.
وأوضح أن هذا الوضع سيطرح “إشكالات كثيرة على جيب المواطنين إن أرادوا أن يوفوا بمسؤولياتهم في مجال العيد والعطلة الصيفية والمصاريف الأخرى الضرورية”، مبينا أن توقيت العيد خلال هذا العام “غير مرغوب فيه تماما، وخاصة للذين لهم دخل محدود”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “أزمة اقتصادية واجتماعية قوية تلوح في الأفق ستجعل المواطنين غير قادرين على تحمل هذه المسؤوليات”، مؤكدا أن الوضع المعقد سيضطر “الأسر إلى التخلي عن واحدة من مسؤولياتها الدينية والاجتماعية”.
ولم يستبعد العيساوي أن تؤثر وضعية الأسر المتأزمة على الاقتصاد المغربي، إذ إن كثيرا منها “لن تجد يدا قادرة على صرف الأموال كما دأبت على ذلك في السياحة الداخلية، رغم البرامج التحفيزية التي ستواجه صعوبات على مستوى السفريات والمبيت في الفنادق”.
المصدر: هسبريس