كشف تقرير لمؤسسة “كونراد أديناور” الألمانية، بالتعاون مع مؤسسة “الحوكمة والسيادة العالمية”، أن الانتصارات التي حققتها كرة القدم المغربية في السنوات الأخيرة، من وصول “أسود الأطلس” إلى نصف نهائي كأس العالم 2022 في قطر إلى تحقيق لقب كأس العالم تحت 20 سنة 2025 في تشيلي، ليست مجرد نجاحات رياضية، بل هي نتيجة خطة طويلة الأمد تستثمر في الشباب والبنية التحتية والمؤسسات.

وسجل التقرير أن التحول الذي عرفته الرياضة المغربية بدأ مع المناظرة الوطنية حول الرياضة التي أقيمت بمدينة الصخيرات في الفترة ما بين 24 و25 أكتوبر من العام 2008، حيث وجه الملك محمد السادس رسالة إلى المشاركين دعا فيها إلى جعل الرياضة وسيلة لإشراك الشباب، وبناء الوحدة الوطنية، وتعزيز النمو الاقتصادي.

وشددت الوثيقة ذاتها على أن “الإطار التنظيمي للرياضة المغربية أصبح أكثر احترافية منذ عام 2008، فقد افتُتح المركب الرياضي محمد السادس لكرة القدم في سلا عام 2019 بتكلفة تقارب 60 مليون يورو، ويستضيف الآن جميع الفرق الوطنية الـ25 ويعد مركزًا تقنيًا من الطراز الأول على المستوى العالمي”، مردفة: “كما تحوّلت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، التي يقودها فوزي لقجع منذ 2014، من هيئة رياضية بسيطة إلى أداة ذكية للدبلوماسية الرياضية، إذ أبرمت اتفاقيات مع 47 اتحادًا لكرة القدم في إفريقيا، ما يوفر لها نفوذًا من خلال دعم البنية التحتية، وتدريب الطواقم، وبناء ملاعب معتمدة من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم للدول التي تحتاج إليها”.

وأوضح المصدر ذاته أن “الجانب الجيوسياسي للسياسة الرياضية المغربية أصبح واضحًا، إذ عاد المغرب للانضمام إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 بعد غياب دام أكثر من ثلاثة عقود، ليوسع بعدها دبلوماسيته الكروية لبناء علاقات مع الدول الإفريقية الناطقة بالإنجليزية التي غالبًا ما تتعاطف مع جنوب إفريقيا”، مبرزا أن “شراكات الجامعة المغربية تتجاوز الأبعاد الرياضية لتدعم أهدافًا أوسع، مثل موقف المغرب من قضية الصحراء عبر تغييرات في قواعد الاتحاد الإفريقي”.

وزادت الوثيقة: “لقد رسخ المغرب لنفسه دورًا واضحًا، لكن يبقى السؤال حول مدى استدامته؛ ففي كرة القدم جعل نجاح المنتخب الوطني المغرب قائدًا لكرة القدم الإفريقية والعربية، ما يمنحه قوة ناعمة قوية. وخارج الملاعب يحول المغرب هذا النجاح إلى موقع كشريك في مجالات الرياضة والبنية التحتية في إفريقيا، حيث تستضيف أكاديمية محمد السادس تدريبات للرياضيين الأفارقة، وتعمل كأداة للدبلوماسية الرياضية تدعم التحركات السياسية والاقتصادية في القارة”.

وذكر التقرير عينه أن “استضافة المغرب المشتركة لكأس العالم 2030 مع إسبانيا والبرتغال تعد شراكة بين قارتين من نوع فريد، قد يغير طريقة إدارة الأحداث الكبرى، ويربط بين إفريقيا وأوروبا، والشمال والجنوب العالميين”، مشيرا إلى أن “نجاح هذا التنظيم سيجعله نموذجًا مرجعيًا للألعاب الأولمبية وكؤوس العالم المستقبلية، حيث يوزع التكاليف والفوائد ويقلل المخاطر للمضيف الواحد”.

في المقابل أكد المصدر ذاته أن “التركيز على كرة القدم رغم المكاسب التي حققها يتطلب الحذر، إذ يحتاج المغرب إلى مراعاة المشاكل التي واجهها مستضيفو كأس العالم والألعاب الأولمبية سابقًا، إذ يمكن أن تتحول الملاعب الكبيرة إلى أعباء مالية إذا لم تكن هناك خطط واضحة لما بعد الحدث، فتكلفة البناء تمثل فقط ما بين 20 و30 في المائة من إجمالي النفقات على المدى الطويل، بينما تشغيلها وصيانتها واستخدامها هو ما يحدد مدى فائدتها للمجتمع أو استنزافها للموارد”.

وشددت الورقة على أن “هذا الأمر يتطلب تصاميم تدمج المساحات التجارية والثقافية والمجتمعية مع المنشآت الرياضية، بحيث يحتاج المخططون إلى خطط واضحة لكل موقع، بما في ذلك طرق إعادة استخدامه قبل انتهاء البناء”، وواصلت: “كما يجب تجنب التركيز على رياضة واحدة تسحب موارد كبيرة من الرياضات الأخرى، مثل ألعاب القوى التي يمتلك المغرب فيها تاريخًا قويًا، أو الرياضات الجديدة، وذلك لضمان مزيج رياضي وطني متوازن”.

رغم ذلك أكدت الوثيقة سالفة الذكر أن “مونديال 2030 يضع المغرب على موجة النمو في السياحة العالمية، فقد أظهرت بيانات كأس العالم 2022 في قطر ارتفاع البحث عن المغرب خمس مرات بعد وصول أسود الأطلس إلى نصف النهائي، ما أدى إلى نمو سياحي مستدام، وبالتالي قد يسرّع المونديال هدف المملكة في الوصول إلى 26 مليون زائر، ويجذب أنواعًا جديدة من السياح ويزيد مدة الإقامة”.

وأبرز التقرير أن “الدبلوماسية الرياضية المغربية تفتح الأبواب لمزيد من التأثير في المجموعات الإفريقية، بخلاف الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، فمن خلال استضافة منتدى الاستثمار الإفريقي ووجود روابط رياضية مع 47 دولة يمكن تحويل العلاقات الرياضية إلى تحالفات اقتصادية وسياسية أوسع”، مشيرا إلى أن “مونديال 2030 يسرع مشاريع بنية تحتية كبرى كانت ستستغرق عقودًا، كما يعيد تشكيل شبكة النقل والاقتصاد المغربي”.

وخلصت الورقة إلى أن “استضافة أحداث كبيرة تضع المغرب تحت الأضواء العالمية، ما يجعله عرضة لهجمات مثل حملات التشويه، الأخبار الكاذبة، والاختراقات الرقمية التي تهدف للإضرار بصورته، إذ تمثل الهجمات السيبرانية تهديدًا بالغ الخطورة للبنية التحتية الحرجة الداعمة للبطولات، أنظمة التذاكر، شبكات النقل، أمن الملاعب، ومرافق البث، التي قد تستهدفها جهات فاعلة حكومية أو غير حكومية؛ وقد يكون الضرر الناتج عن اختراق سيبراني كبير أو تسريب بيانات الرعاة أو حملة معلومات مضللة ناجحة أكثر تدميرًا من الحوادث الأمنية المادية”.

المصدر: هسبريس

شاركها.