تقرير يرصد واقع الأمن الرقمي في إفريقيا ويوصي بالدبلوماسية السيبرانية
في تقرير حديث له حول موضوع الأمن السيبراني في القارة الإفريقية، أكد المعهد الملكي للشؤون الدولية “شاتام هاوس”، واحد من أشهر مراكز التفكير البريطانية، أن “إفريقيا شهدت، خلال العام الماضي، موجة من الهجمات الإلكترونية، والتي كانت بمثابة دعوة لاستيقاظ الاتحاد الإفريقي على هذا المستوى والذي أدرج نقطة الأمن السيبراني ضمن جدول أعمال القمة المنعقدة هذا العام في أديس أبابا”.
وأضاف المصدر ذاته، في هذا الصدد، أنه “تم توجيه مفوضية الاتحاد الإفريقي لتسريع تطوير استراتيجية الأمن السيبراني على المستوى القاري، كما تم اعتماد سياسة قارية لحماية الأطفال على الشبكة العنكبوتية وصياغة موقف إفريقي موحد بشأن تطبيق القانون الدولي في الفضاء الإلكتروني”، مشيرا إلى أن “الأمن السيبراني يعد مشروعا رئيسيا ضمن أجندة الاتحاد الإفريقي لسنة 2063؛ ومع ذلك فإن دول هذا التكتل واجهت، في السنوات الأخيرة، انتقادات عديدة بسبب فشلها في تحديد الأولويات”.
في هذا الصدد، لفت تقرير “شاتام هاوس” إلى أن “بلدان الاتحاد الإفريقي تواجه تحديات كبيرة ومتباينة في هذا المجال نتيجة اختلاف سياقاتها السياسية والاجتماعية والثقافية”، معتبرا في الوقت ذاته أن “إفريقيا كانت مهمشة في السابق في المنتديات العالمية لإدارة الأمن السيبراني، على الرغم من أن هذا الواقع بدأ يتغير مع إبداء دول القارة اهتماما واضحا بالمفاوضات الأممية الرامية إلى صياغة معاهدة عالمية للجرائم السيبرانية”.
في سياق مماثل، أورد مركز التفكير البريطاني ذاته أن “الدول الإفريقية خطت خطوات مهمة في هذا المجال، من خلال التأكيد على التزامها بضمان سلوك مسؤول لها في الفضاء السيبراني وفق معايير القانون الدولي؛ إلا أن هذه الدول ما زالت تحتاج وبشكل عاجل إلى مواءمة استراتيجيتها الدبلوماسية السيبرانية بشكل أفضل. ويرى كثيرون أن الصين وروسيا سيعدان شريكين أساسيين لإفريقيا على هذا المستوى، خاصة أن موقف موسكو بشأن المفاوضات الأممية سالفة الذكر يحظى بدعم العديد من الدول الإفريقية”.
مقابل ذلك، ترى دول أخرى أملا في العمل مع الشركاء الغربيين في تطوير منظومات الأمن السيبراني؛ وهو ما اعتبره التقرير يشكل “خطرا كبيرا يتمثل في احتمال تقويض التعاون الإفريقي في هذا المجال بسبب المنافسة الغربية الشرقية. وبالتالي فإنه بدون دبلوماسية سيبرانية محددة استراتيجيا ستظل القارة الإفريقية تجد صعوبة كبيرة في بناء قدرة أمنية سيبرانية قارية”، مشيرا في هذا الصدد إلى أن “الاتحاد الإفريقي يمكن أن يوفر منصة للتعاون الدولي في مجال الأمن السيبراني وضمان أن العلاقات الدبلوماسية على هذا المستوى ليست تابعة، لا إلى واشنطن ولا موسكو ولا بكين”.
في السياق نفسه، اعتبر التقرير عينه أن “تصديق الدول الإفريقية على اتفاقية مالابو بشأن الأمن السيبراني وحماية البيانات الشخصية يمكنه أن يوفر فهما حقيقيا ومنسقا لسياسة الأمن السيبراني على المستوى القاري”، وهي هذه الاتفاقية التي اعتمدت في سنة 2014 ولم تدخل حيز التنفيذ إلا في يونيو الماضي، حيث لم تصادق عليها سوى 15 دولة فقط من دول الاتحاد القاري من أصل الدول الأعضاء؛ من ضمنهم المغرب ومصر ونيجيريا والجزائر وجنوب إفريقيا وإثيوبيا، وهذا ما حدّ من فاعليتها ومصداقيتها.
وأوصى المعهد الملكي للشؤون الدولية “شاتام هاوس” بـ”ضرورة إحراز تقدم فيما يتصل بهذه الاتفاقية، إذ من شأن ذلك أن يمنح لإفريقيا قدرة على التحول إلى منصة إقليمية لإدارة الأمن السيبراني”، مشددا في الوقت ذاته على وجود “مجموعة من التحديات التي تواجه السياسة السيبرانية الإفريقية؛ وهو ما يستوجب على الاتحاد الإفريقي ضمان أن لا تركز أجندته الناشئة كثيرا على الفهم التقليدي للسلام والأمن والفضاء الإلكتروني وأن لا يصبح مجرد امتداد للنفوذ العسكري الإقليمي في القارة”.
وخلص إلى أن “إفريقيا هي المنطقة الأقل رقمنة في العالم، حيث لا تتمتع هذه القارة بقدرات وبنيات تحتية خاصة بالأمن السيبراني، ومع تسارع الثورة التكنولوجية وسعي دول القارة إلى إيجاد حلول فعالة لحكومة سياساتها، فمن الأمن بمكان كذلك إشراك المواطنين العاديين في صنع السياسات الموجهة لهذا المجال”.
المصدر: هسبريس